الميثاق نت -

الثلاثاء, 23-فبراير-2016
عبدالرحمن مراد -
< لايزال الجدل التاريخي بين الحضارتين الفارسية والرومية يمتد إلى عصرنا بالرغم من تطور الأدوات وتشعب المصالح وتداخل الشركات العالمية العابرة للقارات وبالرغم من الانزياح الكبير في المستويات الحضارية التي وصل الإنسان إليها.. ويبدو أن التاريخ يسير وفق قانون واحد لا يمكن التبدل والتغير فالذي حدث بالأمس أو بالماضي البعيد يكاد أن يحدث اليوم فالتشابه في البواعث والأحداث يكاد يكون واحداً وإن تغيرت الأدوات والأساليب..
في الماضي البعيد حاول الرومان أن يكون اليمن جزءاً من الامبراطورية الرومانية وأن تخضع لنفوذهم وقد حاول القائد الروماني ديقيانوس غزو اليمن، فالتهمت صحراء صيهد جنوده وعتاده وعاد خائب الرجاء يجر أذيال الخيبة ومايزال هاجس الهيمنة وقتئذٍ يراود حكام تلك الحقب التاريخية أملاً في السيطرة على طريق البخور والتحكم في طرق التجارة وفي المقابل لم تكن فارس تطمع في جنوب جزيرة العرب وجلّ اهتمام الفرس في الحقب التي شهدت الصراع بين الروم والفرس كان مركزاً على الشام وفق مفهومه الجغرافي القديم وكان الفرس من الزاهدين في جنوب الجزيرة أي في العربية السعيدة فلم يتحدث التاريخ عن أطماعهم ولكنه تحدث عن زهدهم حتى أن كسرى لم يرسل جندياً واحداً مع سيف بن ذي يزن ولكنه أرسل معه نزلاء سجنه، ومايزال أحفاد الفرس من الزاهدين في اليمن فقد تواترت التسريبات الخبرية عن مفاوضات تقوم بها الدبلوماسية الإيرانية في صنعاء تطرح التسليم للعدوان وتمكين من يسمون أنفسهم بالشرعية من دخول صنعاء في مقابل أن يكفوا أيديهم عن سوريا، وكأن اليمن أصفهان، وليس بلداً يمتد عميقاً في التاريخ الحضاري للبشرية، وإيران بمثل هكذا طرح تضع نفسها في المكان الذي لم ترقَ إليه فهي لم تقدم لليمن شيئاً يمكن القول عليه إنه كان فضلاً، ولكن اليمن قدمت لإيران شيئاً لم تكن تحلم به في المدى القريب وقدمته لها على طبق من ذهب، فالدم اليمني المراق كان سبباً مباشراً في التسوية التي تمكنت منها إيران في زمن العدوان على اليمن مع المجتمع الدولي، ولعل تسوية الملف النووي في لوزان خلال الأشهر المنصرمة هو أبرز انتصارات السياسة الإيرانية التي تجاوزت به ومن خلاله مع منظومة الحظر الدولية، وبه ومن خلاله سيبدأ الانتعاش الحقيقي للمنظومة الاقتصادية الإيرانية وقد تداعت إلى إيران كبريات الشركات العالمية للتجارة والاستثمار وما كان لمثل ذلك الانتعاش أن يحدث لو لم تظاهر إيران وتضلل المجتمع الدولي بالوقوف وراء القضية اليمنية وتستثمر غباء سكان الصحراء والخليج وحكامهم لتبدع لنفسها واقعاً جديداً سوف يتجاوزهم ويترك أثره المادي والنفسي والثقافي على اقتصادهم وعلى استقرارهم الاجتماعي والوطني، فالنزاع على الخليج العربي قضية شائكة لم تصل إلى رؤية محددة وواضحة فإيران لا تعترف بشيء اسمه الخليج العربي ولكنها تصر على تسميته بالخليج الفارسي وموضوع الحدود البحرية وموضوع الجزر لم يحسم بعد وحين تجد الإمارات نفسها وحيدة في صراع الوجود الذي سيفرزه زمن ما بعد العدوان على اليمن بعد أن تصبح السعودية دويلات متناثرة وشظايا وبعد أن تصبح البحرين جمهورية إسلامية بدون ملوك وتصبح قطر في خبر كان باعتبارها جغرافياً لا تملك مقومات دولة حقيقية وقد تصبح وحدة إدارية لدولة قادمة هي في ظهر الغيب- أقول قد تجد الإمارات نفسها خارج التاريخ وخارج الجغرافيا ولا يظن ظان منهم أن سقطرى هي الجغرافيا الموعودة لدولة آل نهيان القادمة فقد أصبح التاريخ لا يعير أمثالهم بالاً، بعد أن تمادى بهم الطغيان إلى الحد الذي عشنا تفاصيله اليومية في اليمن طوال ما يقارب العام من الزمان.
لقد دلَّ الجدل الحضاري التاريخي بين الحضارتين الفارسية والرومانية على ثبوت اليمن ورسوخها وعلى وجودها الحضاري والثقافي والسياسي والاقتصادي وعلى زهد الفرس وطمع الرومان، كما دلَّ أن اليمن أرض لا تقبل غريباً وأن صحراء صيهد ومأرب والجوف تلتهم الغزاة والطامعين، فإذا كان ذلك هو حظ الرومان قديماً فماذا عساهم أن يجدوا اليوم، فاليمن تستنهض مقوماتها الحضارية، ولعل العدوان الدولي قد صهرها فأيقظها.. وهي تتهيأ للبزوغ وما هو كائن في التاريخ سيكون.. ولا بقاء للطارئين على التاريخ.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:29 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-45239.htm