عبدالرحمن مراد -
لا يبدو وفد الرياض الى مفاوضات الكويت في أنبل حالاته، كما كان عليه الحال في جنيف1 وجنيف2، فالقضية في الكويت أصبحت غيرها في جنيف، وموقف المجتمع الدولي لم يعد يشجع الرياض ولا وفدها على الاستمرار في مربع تعليق المفاوضات لا في مربع التلاعب بالمسارات والمقدمات وبالتالي بالنتائج لذلك رأيناهم يقعون في الخطأ الاستراتيجي حين قالوا باقتحام معسكر العمالقة في حرف سفيان وهم يدركون تمام الادراك أن هذا المعسكر الذي يراهنون عليه لو كان في يدهم وتحت سيطرتهم وهيمنتهم لكان عمل على تغيير المعادلة منذ حرب عمران في عام 2014م ولكننا لم نسمع عن هذا المعسكر لا في حرب عمران ولا في حرب السيطرة على الفرقة أولى التابع شكلياً للدولة وهي الجناح العسكري لحركة «الاخوان المسلمين» كما دلت الأحداث والتفاعلات منذ عام 2011م وحتى الزمن الذي شهد العدوان السعودي وعدوان الدول التي تحالفت مع النظام السعودي على اليمن.
دلَّ تبرير وفد الرياض بتعليق مشاركته في مباحثات الكويت على حالة السقوط المعرفي والسقوط القيمي والسقوط السياسي كما دلّّ على ضبابية المستقبل الذي ينتظرهم وهم يدركون أن رصيدهم من الخيانة الوطنية سيكون كافياً لسد منافذ الأمل في حركة المستقبل بالنسبة لهم ويرون أن الأموال التي نالها بعضهم كانت فتاتاً لا يسمن ولا يغني من جوع وذهب القليل منهم بنصيب الأسد وظل الباقي أو الكثير ينتظرون انهمار الأمزان بالدولارات ولكنهم وجدوا انفسهم في مربع الخسارة الاخلاقية والثقافية والسياسية والاقتصادية لذلك كان التعليل باقتحام المعسكر هروباً الى نقاط اكثر سواداً وأكثر ظلاماً، وقد دلت تصريحات رئيس وفد الرياض المخلافي على حالة الالتباس، وهي قضية شائكة يعيشها ذلك الوفد، وقد دل عليها ضيق الأفق الذي أوحت به تصريحات المخلافي لوسائل الاعلام، وضبابية الموقف وغياب الرؤية الوطنية الرامية الى الاستقرار ودل عليها ازدواجية النظرية والفعل، ومثل ذلك كان سبباً في وقوع وفد الرياض في الوهم، وهم القضية، ووهم الانتصار لها، بل يمكن القول إن وفد الرياض لا يتحدث عن اشكالية وطنية ولا رؤية وطنية بل يكاد يحشر نفسه في زاويتين كلاً منهما أشد ضيقاً من الأخرى، وهما زاوية الشرعية التي نسفتها كل التداعيات والمحددات الزمنية وإعلان الحرب وتوالي العدوان بكل آلات الدمار الشامل، وزاوية الانقلاب التي تقع في حالة التضاد بين المفهوم النظري وتجليات المرحلة والواقع التي أعلنت عن نفسها بعد 21 سبتمبر 2014م.
ويبدو أن الوهم الذي وقع فيه وفد الرياض كان سبباً مباشراً في بروز حالة التناقض بين الالتزام واللاالتزام وبين الهدنة واللاهدنة، ذلك أن الوهم يعمد الى ملء الفراغات بقيم نقيضة وبمفاهيم جديدة غير معروفة تعمل على الإخلال بالمنظومة القيمية التي تعارف عليها المجتمع الإنساني والفلسفي والاجتماعي والثقافي، وهي تهدف من وراء ذلك الى إحداث حالة الخلل في الثقافات ولا تتورع عن ليّ عنق النصوص المقدسة للقيام بأفعال التبرير، كما نلحظ ذلك عند القائلين إن العدوان فضل من الله، وهذا القول ذهب اليه الزنداني وهو على نقيض قول سابق له يرى فيه ضرورة إعلان الجهاد والنفير، أو القائلين إن تدمير اليمن، وقصفه بالطائرات والبارجات لم يكن عدواناً البتة ولكنه نصرة المملكة لأهل اليمن وهو واجب شرعي وديني وهذا القول ذهب اليه عبدالله صعتر في حوار له بثته إحدى قنوات الاخوان.. ومثل هذا التضاد الذي يبدو عليه وفد الرياض نتيجة منطقية لمقدمات غير سليمة، وهو سيزداد عمقاً كلما استمرت حالة الالتباس وسوء الفهم، فعبدالملك المخلافي وزير خارجية هادي ورئيس وفد فنادق الرياض، يمارس ازدواجاً ظاهرياً في شلال إيحاءته المتناثرة، وذلك الازدواج الذي عليه المخلافي لا يتصل بحالة التناقض أكثر مما يتصل بالخوف من المستقبل، ورسائله الضبابية مشبعة بالرموز والقرائن وقد يفهم مقاصدها على نحو سليم من يتمكن من التننضيد والترتيب وهي قائلة بفقدان الذات مقومات وجودها المادية والمعنوية، وتدرك المآلات والنهائيات التي تلوح في الأفق، ولذلك كانت الحرب قبل الهدنة وبعد هدنة مباحثات الكويت هي المعادل الوجودي الوحيد لوفد الرياض، فالزحوفات واستمرار الحرب في الجبهات معادل وجودي وأمل وحيد لوفد الرياض.. وقابل الأيام سيقول لنا ما جدواه في مفردات الحاضر والمستقبل.