فيصل الصوفي - أول ما تولى اليساريون في الجبهة القومية السلطة في عدن، بعد الانقلاب على الرئيس قحطان الشعبي وجماعته في يونيو 1969م، قرروا اتخاذ إجراءات اقتصادية وسياسية "اشتراكية" تسببت بخراب شامل، فبدأ الناس بالهروب من الجنوب.. أدرك النظام ذلك فحاول القيام بإجراءات قومية وقائية كي لا يفرغ الجنوب من السكان.. ولكن تلك الإجراءات حولت الجنوب إلى سجن كبير، لا يستطيع المواطن الخروج منه إلا بطريقتين: الأولى طريقة "صلوح".. والثانية طريقة "الحكومة".. أما طريقة "صلوح"، فهي الهروب بطريقة غير مشروعة، و"صلوح" هذا واحد من رجال الصبيحة الذين امتهنوا تهريب البشر من عدن في سبعينيات القرن الماضي.. وهو أشهر مهرب للبشر من الجنوب إلى الشمال، عبر الصبيحة في لحج إلى القبيطة في تعز.. تدفع لصلوح المبلغ المتفق عليه، وهو يضمن لك الخروج الآمن، وتنتهي مهمته عندما يصل الهارب إلى القبيطة.. كان "صلوح" يتقدم زبائنه ليلاً، وهو يعبر بهم مسالك مأمونة من رجال الشرطة والميليشيات الشعبية الحارسة للنظام المبثوثين في كل مكان (مثال بسيط لذلك: أنه مرة نزلت من القرية مع أصحابي أيام الشقاوة "واحد" في طور الباحة، ولما استجوبنا الرفاق في قسم الشرطة، من أي طريق نزلتم؟ قلت له: نزلنا من وادي شعب، قال: لا، أنتم نزلتم عبر طريق المفاليس ومررتم بسوق الجمعة، وجلستم تبردوا تحت الشجرة !!).. أستأنف الكلام وأقول عن صلوح: فإذا طلع النهار يدخل "صلوح" بيوتاً كان يتعامل مع أهلها مقابل أجر، فيحصل هو وزبائنه منها على طعام وشراب وينامون، وحين يحل الظلام يستأنفون السير، وهكذا، حتى يصلوا إلى القبيطة في الشمال، وعندها تنتهي مهمة "صلوح"، ليعود للتجارة بدفعة بشرية أخرى.. أما الطريقة الثانية للخروج من الجنوب، وهي طريقة شرعية بأوراق حكومية، فتتلخص في دفع مبلغ ضمان تسترجعه بعد عودتك، ويعزز هذا الإجراء بتعهد من شخص معروف يضمن عودتك، وأحياناً كان مسئولون وضباط كبار محصنين ضد المساءلة، يقدمون هذه الضمانات، مقابل أن تتنازل عن مسكنك لأن المساكن حينها كانت عزيزة، وهم يدركون أنك لن تعود.. هذه الأيام، تقوم سلطات هادي والحراك بإخراج المواطنين الشماليين والتعزيين تحديداً، من عدن إلى طور الباحة والمسيمير وغيرهما مجاناً، دون مخاطر.. هذا هو الفارق بين حراك الرئيس "هادي"، و"صلوح" الذي امتهن الاتجار بتهريب البشر.. على أنه في المرة الأولى كان المواطنون يهربون هرباً من النظام الاشتراكي في الجنوب، لأن فرص الحياة جففت، فالنظام الاشتراكي كان يريد السير بالناس في طريق التطور اللارأسمالي، فأممَّ الشركات والمصانع والمعامل، وأمَّم البيوت، وأمّم الأراضي، وأمَّم شركات الصيد ووسائل الانتاج، فلم يجد معظم الناس فرص عمل، لذلك كانوا يهربون إلى الشمال أولاً بحثاً عن أمان وشغل ومسكن، أما اليوم فيهجرون قسراً من الجنوب لحرمانهم من العيش الرغيد، حيث يزخر الجنوب بنعم هادي وشلال، وأمن القاعدة وداعش وأنصار الشريعة وجيش الضالع ويافع وأبين المخصص للحياد والعدالة والمساواة في الجنوب.
|