عبـاس غـالب - لـم يكن أحد يتوقع الفعل القبيح الذي أقدمت عليه عصابات الاحتلال المسيطرة على العاصمة الاقتصادية والتجارية بترحيل أبناء جلدتهم من أبناء المحافظات الشمالية دون سبب وجيه وبصورة عدائية تتنافى وأبسط القيم الأخلاقية والأخوية والدينية والإنسانية وبخاصة في توقيت لا يخلو من دلالة، إذ يتزامن هذا الإجراء الاستفزازي مع احتفال الشعب اليمني بالعيد الـ26 لإعادة تحقيق وحدة الوطن في 22مايو 1990م.
ويبدو إن هذا التصرف الأحمق الذي تستبد به مشاعر الارتماء في أحضان قوى الخارج ممن سعوا ومازالوا ولأكثر من عقدين من الزمن في محاولة إعادة عقارب التاريخ اليمني الحديث إلى الوراء والسعي وبصور شتى إلى تفكيك مفاعيل الوحدة اليمنية التي تم انجازها في لحظة تاريخية فاصلة في تاريخ اليمن المعاصر.
لقد جاء هذا الإجراء العدائي والمستهجن في لحظة تسعى أطراف الأزمة والحرب إلى التوصل لصيغة لإيقاف هذا العدوان ورفع الحصار وإزالة الغبن والظلم الذي لحق بشعبنا وذلك في محاولة يائسة مع سبق الإصرار والترصد لفرض سياسة الأمر الواقع على عدن وباقي المحافظات الجنوبية والشرقية من أجل تمرير مخطط إعادة التموضع إلى ما قبل إعادة تحقيق وحدة الوطن.. وعلى نحو يتناقض مع الخطاب المعلن في الكويت لفريق الرياض الذي لم نسمع منه موقفاً يدين هذه التصرفات الحمقاء.
والغريب حقاً أن أحداً ممن يدَّعون شرعية تمثيل الجمهورية اليمنية لم ينبس ببنت شفة لادانة هذا الترحيل القسري وغير القانوني الهادف تمزيق النسيج الاجتماعي وإعادة براميل التشطير إلى الواجهة.. وهو ما يوحي إلي بأن ثمة ما يجري تحت الطاولة بين حلفاء العدوان لتمرير هذا المخطط وسط كذبة سمجة يجري تداولها داخل أروقة قصر بيان الأميري بالكويت، الأمر الذي ينبغي التنبيه إليه قبل أن تقع الفأس في الرأس -كما يقال- من حيث المضي قدماً في محاولة تمرير مخطط لتجزئة اليمن ليس على مستوى شطري وإنما يتجاوز ذلك إلى تفتيت وتجزئة اليمن وبما يخدم النوايا الخارجية التي باتت تتضح أكثر فأكثر، سواء في طموحات السعودية بالاستحواذ على حضرموت لتمرير أنبوب النفط من أراضيها إلى البحر العربي، وكذلك هي الإمارات التي تمكنت من وضع يديها على جزيرة سقطرى، فضلاً عن إدارة واشنطن التي تسعى إلى تنفيذ مؤامرة منطقة الشرق الأوسط الجديد.
فهل يعي أصحاب القرار والنخب في المجتمع اليمني أبعاد وحجم وخطورة تفاصيل هذا التآمر الذي عانى الشعب اليمني من تبعاته ولاتزال فصول مسرحيته التراجيدية لم تنته بعد! أم أن الأمر سيمر مروراً عابراً وسنلقي اللوم بعد ذلك على قوى الاستكبار العالمي ومشيخات النفط العربي.؟!
هذه التساؤلات وغيرها مطروحة على النخب للإجابة عليها ومهما كانت هذه الإجابات فإن ثمة حقيقة ساطعة تتعلق بإرادة أبناء الشعب على امتداد جغرافيا الوطن التي ستنتصر لقيم وثوابت الوحدة وردع كل محاولات إجهاضها تحت إي مسمى وذلك من خلال التوافق الوطني وفتح حوارات المستقبل لترسيخ الاستقرار والأمن وبمعزل عن أوهام البعض ممن لا يمثلون أبناء الجنوب أو كل أبناء الشمال في معمعة العدوان والاحتلال والظروف الاستثنائية التي يمر بها وطن الثاني والعشرين من مايو الذي نحتفل بعيده الوطني وسط انتصارات الصمود ودروس الارادة الشجاعة التي تطبع سلوك اليمنيين جميعاً.
|