د..قاسم لبوزة - نحتفل اليوم بالمناسبة الوطنية الخالدة لأعظم واجل منجز تاريخي شهدته اليمن ماضياً وحاضراً وربما مستقبلاً تهل شمعتها السادسة والعشرون في ظروف استثنائية معقدة تشهدها البلاد لم يسبق لها في التاريخ مثيل..
منذ مايزيد عن عام ونيف وجارة السوء تقود عدواناً بربرياً همجياً يستهدف الشجر والحجر الارض البر والبحر خلف الاف الشهداء والجرحى وألحق دماراً وخراباً بكل منجزات ومقدرات وطن الـ22 من مايو المجيد..
عجز العدوان وعملاؤه عن تحقيق أي من مزاعمه الداعية للسخرية فلجأ مؤخراً لمخططه القديم الرامي الى اعادة التشطير وتقسيم المقسم والمجزأ عبر عملائه ومرتزقته ممن لايشكلون رقماً يُذكر في المعادلة القائمة سابقاً ولاحقاً ..
محاولة النيل من الوحدة اليمنية المباركة مؤامرة لم تكن وليدة الصدفة بل هي امتداد للماضي المرير الى ماقبل 90م ونفس السيناريو والاجندة وعبر عناصر العمالة والارتزاق ذاتها القديمة الجديدة..
محطات فاصلة قبل قيام الوحدة:
كانت الوحدة حلماً يتطلع اليه ابناء الشعب كافة شماله وجنوبه لما لها من دلالات محورية وجوهرية ابرزها القوة البشرية الهائلة والدفع بالازدهار الاقتصادي والمعيشي للوصول تدرجاً الى الحال الذي تعيشه دول الجوار وعودة اللحمة التاريخية لليمن واليمنيين الى ما قبل 1914م العام التشطيري الذي صنعه الانجليز والاتراك غير ان الأوضاع السياسية الملتهبة في المنطقة بسبب الأيديولوجيات المختلفة والوضع العالمي حينها كانا سببين رئيسيين في ازدياد الشطرين بُعداً عن بعضهما وجعلهما يخوضان حربين داميتين في 72م و79م .
غير أن مسيرة النضال الوحدوي أخذت تتفاقم وتزداد تلاحماً منذ أن بدأت مؤامرة الاستعمار تستهدف اليمنيين وتسلب حريتهم واستقلالهم الوطني حينما تمكن الاستعمار البريطاني من وضع أقدامه على أرض الجنوب عام 1839م اعقبه وصول القوات العثمانية إلى الشمال عام 1848م.
شهد الوطن قيام وضعين مختلفين على الأرض اليمنية الواحدة فيما ازداد النشاط البريطاني العثماني في تكريس تجزئة اليمن بعد توقيع ما عرف باتفاقية تحديد مناطق النفوذ العثماني البريطاني عام 1904م ثم التصديق عليها عام 1914م وبعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى حصل الشمال على استقلاله الوطني عن الأتراك عام 1918م الأمر الذي أدى إلى اشتداد النضال الوطني في الجنوب ضد الاستعمار البريطاني وأعوانه في المنطقة من أجل تحقيق الوحدة اليمنية أرضاً وشعباً..
وفي الشطر الشمالي برز على الارض حزب الأحرار كمولود شرعي نضالي لحركة الأحرار اليمنيين التي عارضت علانية حكم بيت حميد الدين وانتقل عناصرها إلى عدن ليخوضوا نضالهم العلني ضد المستعمر..
تركزت مهمتهم بدايةً على بلورة القضية من خلال نشر آرائهم وأفكارهم حول الإصلاح المطلوب تحقيقه في الشمال على صفحات الصحف وعبر اللقاءات الشعبية، وعقدوا مؤتمرهم العام في "التواهي" معلنين مولد حزبهم الذي مثل قفزة نوعية جديدة على طريق النضال ضد التخلف والرجعية والاحتلال الاجنبي البريطاني وركائزه.
أعقبه ظهور تشكيل جديد أطلق عليه "الجمعية اليمنية الكبرى" عام 1946م..
أطلت مرحلة الخمسينيات وتفجرت معها ثورة يوليو/ تموز في مصر عام 1952م بقيادة جمال عبدالناصر وتأثر بها رواد الفكر والتنوير والثورة في اليمن.
انتقل المناضلون في الشمال بأفكارهم الجديدة وتولدت فيهم طموحات ونشوة الاحداث التي شهدتها مصر الكنانة ونوقشت للمرة الأولى اطروحات قيام نظام جمهوري ديمقراطي عادل بدلاً من نظام الإمامة وتحقيق الوحدة اليمنية على طريق الوحدة العربية.
بالمقابل ارتفعت الأصوات المطالبة بالوحدة اليمنية والنضال في عدن على أسس استراتيجية يمنية تؤدي إلى الاستقلال والقضاء على التخلف في اليمن عامة.
بعد سلسلة من المحاولات النضالية تفجرت ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962م بقيادة تنظيم الضباط الأحرار وحررت اليمن من الحكم الإمامي الذي حكم عليها بالعزلة قروناً طويلة.
شكلت الثورة السبتمبرية أهم منعطف في تاريخ اليمن وأول إنجاز حقيقي نحو توحيده وقيام الدولة اليمنية الواحدة على كامل ترابه وكانت هذه الثورة وحدوية في آفاقها وأهدافها وجسدت الترابط الحقيقي بين جماهير الشعب في الشمال والجنوب، وكان المتطوعون من جميع مناطق الشطر الجنوبي الذين يتوافدون للدفاع عن ثورتهم الوليدة قد شكلوا نواة جيشها وحملة علمها وانطلاقاً من ذلك جعلت الثورة هدف قيام الوحدة اليمنية في مقدمة مبادئها ، ويتم تحقيقها وفقاً للآتي:
القضاء على النظام الإمامي في الشمال.
مقاومة الاستعمار البريطاني وطرده من الجنوب.
قيام اليمن الموحد على كامل التراب اليمني.
وفي 14 أكتوبرمن العام 63م انطلقت الشرارة الاولى وبالسلاح السبتمبري الذي شارك فيه ثوار اكتوبر في الدفاع عن ثورة سبتمبر معلنين بذلك انطلاق كفاحهم المسلح ضد المستعمر البريطاني ..حيث تجسدت واحدية الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر ..وفي الـ 30 من نوفمبر1967م تكللت نضالات ابناء الشعب اليمني بطرد المستعمر الاجنبي من كل شبر من تراب الشطر الجنوبي المحتل.. واعتبرت مسألة قيام اليمن الموحد قابلة للإنجاز أكثر من أي وقت مضى لا سيما أن الميثاق الوطني هو الدليل النظري للجبهة القومية أثناء مرحلة الكفاح المسلح وضع هدف تحقيق الوحدة اليمنية في مطلع الأهداف التي لابد من إنجازها واستمر التأكيد على أهمية الوحدة اليمنية في كل الوثائق النظرية منذ الاستقلال في اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي.
لم يتوقف الأمر عند الواقع النظري بل تجاوزه إلى الواقع العملي فقانون الجنسية في الشطر الجنوبي لم يفرق بين اليمنيين ووقعت اتفاقية الوحدة في القاهرة عام 72م تبعها بيان طرابلس في نوفمبرمن العام نفسه ووردت فيه أول إشارة لموضوع دستور الوحدة الذي أنجز فعلاً عام 1981م.
وشكلت تلك البداية نحو الوحدة أول خطوة عملية في طريق الوحدة اليمنية أرضاً وشعباً، وتتابعت الخطوات على هذا الطريق فعقدت اتفاقيات عدة في مختلف المجالات الصناعية والتعدينية والمواصلات والمصارف والإحصاء وخطط التنمية والسياحة.
تواكب هذا مع متغيرات دولية أتت بأوضاع مختلفة جذرياً عن السابق في سياسة الاتحاد السوفييتي والحرب الباردة بينه وأمريكا وانعكاساتها على الأوضاع في دول العالم المختلفة، وكان لهذا كله تأثيره على اليمن بشطريه.
نجحت قيادتا الشطرين في التحرك السليم في هذا الإطار الدولي الجديد لجعل مردوده إيجابياً للوحدة اليمنية..
وفي الـ30 من نوفمبر من العام 1989م تم توقيع اتفاق عدن التاريخي بين قيادتي شطري اليمن أعلن فيه عن اتفاقية وحدوية جديدة تضمنت تأسيس دولة يمنية واحدة على أساس مشروع دستور الوحدة الذي تم إنجازه عام 1981م.. اليوم ذاته حمل دلالة تاريخية اخرى تزامن مع ذات اليوم الذي تحقق فيه طرد آخر جندي بريطاني عام 67م..
الـ 10 من يناير1990م تم إقرار مبدأ التعددية السياسية والموافقة على احتفاظ الحزب الاشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام باستقلاليتهما وحق القوى الوطنية الاخرى ممارسة نشاطها السياسي وفقاً للحق الذي كفله دستور الوحدة اليمنية المباركة..
الـ 22 من مايو 1990م اعلن فيه ميلاد اللحظة التاريخية الفاصلة التي غيرت مجرى التاريخ اليمني ماضيه وحاضره ومستقبله على يد ابن اليمن البار الزعيم الوحدوي علي عبدالله صالح- الرئيس السابق رئيس المؤتمر الشعبي العام- والاستاذ علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني ومعهما كوكبة من خيرة ابناء الوطن وارتفع علم الوحدة والجمهورية اليمنية شامخاً في عنان السماء يصافح النجوم والكواكب ..هتفت الجماهير بهجة وسروراً وذرفت العيون دموعها فرحاً ولهفة بمايو البناء والتشييد والمنجزات العملاقة.. يوم باركته السماء وأيدته الارض وصاغته أنامل الشرفاء والمخلصين من ابناء هذا الوطن الكبير الواسع الشامخ مترامي الاطراف متعدد الثقافة والفن والابداع منفرد الحضارة والاصالة والمعاصرة وهلت الافراح كل ربوع الوطن ..
يوم سيظل حاضراً فاعلاً مؤثراً يكتسب عظمته من دلالات لحظته الفارقة التي لايمكن ان تُنسى اوُتمحى او تذهب من الذاكرة المتاصلة في مسيرة اليمن الحضارية التاريخية التي اتصل فيها الماضي التليد بالحاضر المشرق والمستقبل الواعد لتتجلى تجسيداته في الانجازات المحققة خلال عقدين ونصف من عمر الجمهورية اليمنية على امتداد مساحة الوطن من اقصاه الى اقصاه شاملة كافة مجالات التنمية والنهوض للارض والانسان في فترة زمنية قصيرة بمقياس تاريخ الشعوب والأمم لكنها كانت بمقياس البناء والتطور سنوات حافلة بالنجاحات والانتصارات على كافة الجبهات السياسية والاقتصادية والثقافية والامنية والديمقراطية والتنموية والخدمية والاستثمارية وعلى صعيد الأمن والاستقرار والسياسة الخارجية مشكّلة في مجملها انتقالات وتحولات وقفزات نوعية كبرى رغم الصعوبات والتحديات والاخطار التي واجهت الدولة الوليدة لاسباب وعوامل وطنية واقليمية وعالمية ذاتية وموضوعية فرضتها المتغيرات الداخلية والخارجية ..
لم يمض على هذا الحدث التاريخي الاعظم والاكبر في المنطقة برمتها سوى بضعة اشهر حتى بدأت تحاك ضده المؤامرات الرامية للاطاحة به والقضاء على ابرز مشروع وطني جامع شهده اليمنيون لطالما ظل حلماً يراودهم عشرات العقود الماضية، وبين عشية وضحاها كاد ان يندثر ويدفن ويصبح اثراً بعد عين لولا القدرة السماوية التي حالت دون ذلك، والحكمة اليمانية التي ادركت خطورة الموقف، وحنكة وشجاعة القائد الرمز الزعيم علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق رئيس المؤتمر الشعبي العام وكل الشرفاء والوطنيين والمخلصين والوحدويين من عموم اليمن كافة والذين عملوا بكل قوة على اجهاض مشروع التآمر والحفاظ على كيان وقدسية هذا المنجز من الضياع ..
وحدث حينها ماحدث في صيف 94م وماتبعها من مستجدات وأحداث ووقائع سيتم تناولها لاحقاً..
* عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام
|