الثلاثاء, 24-مايو-2016
-
هناك حقائق تاريخية وأدلة وبراهين تؤكد أن اليمن استطاعت منذ يوم الـ22 من مايو 1990م أن تطفئ نيران حروب مستعرة وصراعات داخلية وخارجية محتدمة سواءً داخل اليمن أو على مستوى دول الجوار.
فمنذ ذلك اليوم المجيد دخلت اليمن ودول الخليج والمنطقة العربية مرحلة تاريخية جديدة بفضل قيام الجمهورية اليمنية وتحقيق الوحدة المنجز العظيم الذي اطفأ نيران الصراعات المشتعلة في جزيرة العرب ومنح دول الخليج انتصاراً مجانياً في معارك ارهقتها واستنفدت امكانات ومقدرات وجهود تلك الدول ومعها العديد من الدول العربية التي كانت تتلاطمها رياح الثورات وتحديداً دول الخليج العربي.

محمد أنعم
هذا التحول التاريخي الذي قاده بنجاح موحد اليمن الزعيم علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق رئيس المؤتمر الشعبي العام لم يرق لبعض القيادات العربية لأن انتصاراً تاريخياً كهذا أثار اعجاب شعوب العالم وحظي بتقدير واحترام الدول وجعل انظار كل من على هذا الكوكب تتجه وباهتمام بالغ لمتابعة المتغيرات المثيرة التي تشهدها اليمن.. وكيف استطاع قائد فذ أن يوحد اليمن في الوقت الذي يعاني العالم من اعصار تفكك وتمزق بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.. زد على ذلك كيف استطاع الشعب اليمني وقواه السياسية بقيادة موحد اليمن أن يقرن الوحدة بالديمقراطية في منطقة تحيط بها دول ملكية واستبدادية متخلفة، في الوقت الذي كان الشعب الألماني المتحضر والمتطور مايزال مشطراً الى دولتين وكذلك الشعب الكوري الذي يعاني أبناؤه من التشطير؟ وازداد الانبهار العالمي بالوحدة اليمنية كونها جاءت تحمل مشروعاً حضارياً بعث الآمال لأمة محطمة وبائسة ومحبطة.. حيث ارتبط قيام الوحدة اليمنية بالديمقراطية والتعددية السياسية وحرية الصحافة واحترام حقوق الإنسان.. الخ.
الخبراء والسياسيون في العالم لم يخفوا اعجابهم بالتأثير الخارق للوحدة اليمنية التي استطاعت أن تطفئ نيران الصراعات الداخلية باليمن سواءً التي كانت بين الشطرين أو تلك الصراعات الدامية بين الاشتراكيين والجبهة الاسلامية وكذلك بين الناصريين والبعثيين، اضافة الى الصراعات المماثلة التي كانت تنخر دول الخليج سواءً في البحرين أو في السعودية أو الكويت وهي صراعات ظلت تهدد أمن واستقرار هذه الدول حيث كانت تخوض العديد من القوى نضالاً شرساً لتغيير تلك الأنظمة الملكية الى أنظمة جمهورية.. وتهدد بذلك السعودية وسلطنة عمان والبحرين والكويت حيث كانت تواجه أحزاباً يسارية قوية.. وكانت الوحدة في السعودية والوحدة في الامارات تترنحان أمام عواصف الصراعات.. السجون تكتض بالمعتقلين.. الساحات تشهد حفلات دامية تطيح برؤوس المعارضين.. لكن كل شيء تغير منذ قيام الجمهورية اليمنية 1990م فقد تحصنت الأنظمة في دول الخليج وشهدت استقراراً سياسياً وأمنياً غير مسبوق بفضل الوحدة اليمنية التي وضعت أمام كل القوى السياسية خيارات حضارية للحكم وضرورة الاحتكام للنضال السلمي والحوار.
كما أن اليمن أوقف التدخل في الشئون الداخلية لدول الخليج ورفض السماح لأي قوى خليجية أن تتخذ من اليمن قاعدة لممارسة نشاطها المعارض ضد هذه الدول، سواءً أكان عسكرياً أو سياسياً أو إعلامياً، بعد أن كانت اليمن قبل الوحدة اليمنية تصدر الثورات الى بعض دول الخليج.
لقد ظلت الأحزاب الناصرية والبعثية والاشتراكية تنشط علناً ضد السعودية وغيرها من دول الخليج، بل إن الحزب الاشتراكي كان يصدر الثورة اليسارية الى بعض دول الخليج مثل السعودية والبحرين وسلطنة عمان نهاراً جهاراً وكانت هذه الدول تنفق أموالاً باهظة لمواجهة هذه التدخلات اضافة الى تمويل معارك اليمن للحفاظ على استقرار أنظمتها ودعم الجماعات الموالية لها.. سواءً في الشمال أو الجنوب.
هذا الاستعراض السريع استدللنا به للتأكيد أن تشطير اليمن يمثل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار دول الخليج التي لم تشهد استقراراً سياسياً واجتماعياً إلاّ مع قيام الوحدة اليمنية.. وعندما تورطت السعودية بالتآمر على اليمن ووحدته فها هي دول الخليج تواجه مخاطر داخلية واطماعاً خارجية ونزعات انفصالية وتدهوراً اقتصادياً وتململاً شعبياً وانقساماً اجتماعياً وارتفاع سقف المطالبات بإجراء اصلاحات سياسية وغيرها منذ بداية العدوان على اليمن.
السعودية والامارات تناصبان الوحدة اليمنية العداء وتحاولان عبر جنازير الدبابات وصواريخ الطائرات أن تفرضان انفصالاً بالقوة في اليمن.. ويجري تنفيذ هذا المخطط التآمري على الشعب اليمني دون إدراك أن الوحدة اليمنية قوية ومتينة ومنذ الأزل ولا يمكنها أن تشطر شعباً موحداً على عكس الوحدة الهشة في السعودية أو في دولة الامارات واللتين لا تملكان مقومات الصمود والبقاء، حيث تتآكل وحدة البلدين يوماً بعد يوم، وجاء العدوان على اليمن ليكشف أن من بين أهدافه التخلص من بعض القوى والضباط في السعودية والإمارات وإعلان حالة طوارئ في البلدين بدعوى استعادة الشرعية لحكم اليمن.
نخلص من كل هذا الى جملة من الحقائق المهمة وهو أن تدخل دول الخليج في دعم وتغذية الفوضى والدمار والاقتتال الداخلي واشعال الصراعات المذهبية والمناطقية في العراق وسوريا وليبيا قد جعلها بعيدة عن جحيمه.. لكنها في اليمن غرقت واصبحت النيران تشتعل على مستوى حياة كل أسرة في دول الخليج.. كما أصبح ابناء شعوبهم يندبون قتلاهم ويواسون جرحاهم يومياً عدا سلطنة عمان الشقيقة.. هذا خلافاً عما تعانيه من انهيار اقتصادي وتردٍّ معيشي غير مسبوق وفساد وهروب لرؤوس الأموال..
الحقيقة الثانية أن إصرار دول الخليج على التدخل في شئون اليمن بالقوة وعدم تحكيم العقل ومعالجة الأخطاء التي ارتكبوها سيدفع الشعب اليمني ومعظم وأبرز القوى السياسية والاجتماعية الى تبني الخيارات المتاحة أمامها للدفاع عن حرية واستقلال وسيادة الشعب اليمني والحفاظ على قراره الوطني المستقل.
الحقيقة الثالثة أن محاولة استنساخ تجربة القاعدة وداعش من العراق وليبيا وسوريا الى اليمن تجربة فاشلة فخلال عام من تسليم القوات السعودية والاماراتية حضرموت وعدن ولحج للإرهابيين فشلوا فشلاً ذريعاً في جر الشعب اليمني الى صراعات طائفية ومناطقية وتطهير عنصري.. لأن المجتمع اليمني مجتمع عصيّ على التفكك والتمزق وقد سبق وأن شيد الاستعمار البريطاني وعملاؤه مساجد للشوافع وأخرى للزيود لضرب وحدة اليمنيين ففشل وكان اليمنيون داخل المعسكرات يصلون في مسجد واحد.
أخيراً على دول الخليج أن تدرك أنها تتوهم الخطر الايراني الذي لا يرحم واذا لم تنقذ نفسها وتعالج اخطاءها التي ارتكبتها بحق الشعب اليمني فإنها تضع ظهرها مكشوفاً بسرعة لأنها باستمرار عدوانها على اليمن وفرض حصارها الجائر عليه فإنها بذلك لن توجد يمناً ضعيفاً وممزقاً بل إنها بهذه السياسة العدوانية المحقاء ستدفع اليمنيين الى التطرف والانتقام وأن يتبنوا سياسات عدوانية ضدها أشد من ايران.
إن على قيادات دول الخليج أن تكبح السياسة السعودية المتهورة والتي تعكس حالة مرضية، مالم فإنها ستجد نفسها معزولة ومحاصرة بكابوس ايران من كل مكان.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 06:41 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-46139.htm