الميثاق نت -

الإثنين, 13-يونيو-2016
عباس غالب -
كنا نظـن- وبعض الظن إثم- أننا قد استكملنا بناء ملامح الشخصية اليمنية واقتحمنا دروب بناء مؤسسات التحديث والمدنية التي ناضل اليمنيون طويلاً من أجل تحقيقها منذ انطلاقة ثورتي سبتمبر وأكتوبر مطلع ستينيات القرن المنصرم.. غير أن الذي تجلى وبالوقائع الملموسة والشواهد الحية مع الأسف الشديد أننا مازلنا وتحت ظروف موضوعية ووطنية غير مؤهلين البتة لإنجاز هذا الطموح المشروع أسوة بباقي أقطار دول العالم حتى أكثرها تخلفاً. لقـد تجـلى مؤخراً وبصورة واضحة وممقوتة تنامي استحضار موروث الماضي المتخلف الذي يعيد أدراجنا هرولة إلى تلك الممارسات التي يمكن وصفها بالانعزالية القروية والمناطقية والسلالية والمذهبية السائدة مع شديد الأسف في شواهد هذا الجنوح إلى الفوضى والعبث والتدمير وإغلاق كل نوافذ الحوار والتسامح والتواصل.

ويبدو في هذا السياق أن أبرز تداعيات مشهد الهرولة إلى الخلف هو الارتهان لدعوة الخارج للانقضاض على ملامح تشكل الدولة المدنية في الداخل اليمني، إذ نجد العدوان السعودي الامريكي قد كشر عن وجهه القبيح في قلب الطاولة على المتحاورين وعلى تجربة التعددية بصورة عامة ودق إسفين الفرقة بين مكونات المجتمع أكثر من أهدافه العسكرية المباشرة في استهداف البنى الأساسية ومقومات الحياة في هذا البلد الذي تعود أرومته الحضارية ومسلكه المدني التحديثي إلى فجر تاريخ الإنسانية.

وثمة ما يعبر عن فضاضة هذا التحول السلبي في طغيان استلاب قوى التدمير للخارج وتحديداً فيما نشهده من تعصب ضد قيم التحديث والمدنية وفي أكثر المدن التي كنا نعتقد إلى وقت قريب أنها كانت أكثر استقطاباً ومحوراً لهذه القيم والمنافحة عنها.. وأعني هنا الظواهر المقيتة التي تعمَّد ممارستها بعض عتاولة التشدد والخارجين من قماقم ما يسمى بالفوضى الخلاقة للإساءة إلى مدينتي "عدن" و"تعز"، إذ تحاول هذه القوى إشاعة هذا السلوك العدائي الممنهج لاختطاف الدور الريادي لهاتين المدينتين اللتين كان أبناؤهما على الدوام في طليعة دائرة النضال الوطني لإرساء قيم الثورة والتحديث والتغيير، فضلاً عن إسهامهم في مقارعة الظلم والجبروت والعدوان والاستعمار وبناء مشروع الدولة الديمقراطية الحديثة.

لقـد شهدنا مؤخراً وبمرارة تلك التصرفات الغوغائية لبعض الدخلاء على هاتين المدينتين، خاصة وأن القائمين على سلطة الأمر الواقع حالياً في عدن أو تعز يتنصلون عن جانبٍ من أهداف نضال اليمنيين الطويل ضد التشطير والتجزئة وترسيخ قيم الوحدة الوطنية، بينما يتطوع المأجورون منهم وبغير رشد أو تروٍّ لمحاولة قطع الحبل السري الذي يربط النسيج الاجتماعي بين اليمنيين وتكريس خطاب العداء للآخر من خلال استحضار تجارب هدر دماء اخوانهم محاكاة لجرائم "أبوسياف" في نيجيريا ورجالات "داعش" والقاعدة في العراق وسوريا وهم يضربون أعناق أبناء جلدتهم دون رحمة أو شفقة ودون وازعٍ من دين أو ضمير..

ويبقى الأمل معقوداً على أن لا تتسع دائرة هذا الفعل الجنوني وبحيث يتلبس البعض قفازات التطرف وسيوف الدم ورصاص الحقد والكراهية في مدن أخرى ضد وطنهم وأبنائه الذين يضربون أروع أمثلة التضحية والصمود في وجه كل صور هذا الضيم ..ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 03:13 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-46341.htm