الميثاق نت -

الإثنين, 20-يونيو-2016
محمد علي عناش -
السديس والعريفي وكل رموز المدرسة السلفية الوهابية قد يتبرأون من الحادث الإرهابي الذي ارتكبه متطرف أفغاني في مدينة "أورلاندو" الأمريكية وراح ضحيته أكثرمن100شخص بين قتيل وجريح، وقد يدينونه بأشد العبارات من باب نفي التهم التي باتت تسلّط بكثافة نحو السعودية بأنها تدعم التنظيمات الإرهابية والمدارس الدينية المتطرفة والمتشددة، ودرء التهمة عن الوهابية كحامل فكري وثقافي لجميع التنظيمات الإرهابية في العالم.. لكن يتجلى تناقض هؤلاء ومراوغاتهم في مواقفهم تجاه حوادث ارهابية مشابهة، كالحوادث التي حدثت في سوريا والعراق واليمن ولبنان، حيث لم يقم رموز المدرسة الوهابية بإدانة هذه الحوادث وإنما رأيناهم يبررونها ويفسرونها تفسيراً طائفياً تحريضياً يحول الضحية الى جانٍ والجاني الى ضحية، بل ونجد الكثير من التسريبات على مواقع التواصل الاجتماعي لدعاة من المدرسة الوهابية ومن داخل بنية هذه الذهنية المؤسسة للإرهاب، تبارك هذه العمليات الإرهابية وتعتبرها جهاداً ودفاعاً عن الدين وإعلاءً لكلمة الله..
ذهنية الإرهاب في كل العمليات الإرهابية ذهنية واحدة ومنبعها والجامع لها المدرسة الوهابية، فالعريفي مثلاً يهمل كل الجرائم التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية في سوريا- داعش والقاعدة وجبهة النصرة- ويتغاضى عنها رغم وحشية هذه الجرائم الموثقة بمختلف الوسائل بما فيها جريمة قتل الإمام البوطي وهو في منبره يوعي يقيم الدين، بل ويتمادى أكثر في إعطاء هذه الجرائم طابع القدسية بقوله ان"الملائكة تقاتل في سوريا"، والملائكة الذين تقصدهم ذهنية العريفي ليسوا إلا عناصر هذه الجماعات الذين يقاتلون -حسب وصفهم- الطواغيت والروافض- بشار وقواته وعناصر حزب الله..
في العدوان السعودي الهمجي على اليمن، تجلت ذهنية الإرهاب وواحديتها عندما بارك رموز هذه المدرسة الوهابية عاصفة الإجرام وأعطوا هذا العدوان مبرراً دينياً مقدساً باعتباره دفاعاً عن الدين وعن الحرمين الشرفين وإعلاءً لكلمة الله في اليمن، فأباحوا سفك دماء اليمنيين وتدمير منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم ومصانعهم وكل مقومات الحياة والوجود في اليمن.
من هنا فذهنية الإرهاب الوهابية ليست ذهنية نماء وحياة وتعايش وتقدم للبشرية، وإنما ذهنية فناء ودمار وخراب واستباحة لدماء وأعراض لكل مخالف ومعارض لها، وتلبسها لباساً دينياً مكيفاً حسب أهواء وعقلية مشائخها.
كما أنها ذهنية تحقر العقل وتسلب الحرية وتجر الناس بالقوة الى الماضي للسكون فيه، وتلغي التعدد والتعايش وحق الشعوب في اختيار حكامها او ممثليها، هذا هو المشروع الذي تحمله المدرسة الوهابية، ومن أجل تعميمه تثير هذه الحروب والصراعات والمآسي وتنفق كل هذه الأموال الباهظة من عوائد النفط، وتتجلى صور هذا المشروع الإرهابي المتخلف في كل مايحدث في سوريا والعراق واليمن وليبيا وفي كل العمليات الإرهابية التي تحدث في العالم.
ومع تزايد وتعاظم العمليات الإرهابية والجرائم التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية في المناطق التي تقع تحت سيطرتها والتي وصلت الى درجة سبي النساء وبيعهن في الأسواق واتخاذهن إماء ومحضيات، لم تعد تجدي نفعاً التبريرات السياسية لهذه العمليات والجرائم، التي تحاول أن تنحرف بالتحليل والتوصيف الحقيقي لظاهرة الإرهاب وجذوره الفكرية والثقافية التي تمتد الى مدرسة وحاضنة ثقافية واحدة هي المدرسة الوهابية، ولهذا لابد من تفكيك بنية وذهنية الإرهاب عابر القارات ذات المنبع الوهابي، من خلال مقاربة هذه المدرسة من العصر ومفاهيمه ومفرداته ومحرماته وأدواته الحضارية.. الوهابية لاتؤمن بالديمقراطية بل تحرمها وتعتبرها بدعة ضالة، كما أنها مدرسة كهنوتية تؤسس لحكم الفرد والأسرة ولسلطة رجال الدين الذين ينصبون أنفسهم وكلاء لله على الأرض فيستبدون بشعوبهم من منحى ديني وفكري، ولذا لاتؤمن بالحزبية والتعدد السياسي والانتخابات، وتعتبرها مفسدة ومدعاة للتمرد والعصيان وتفكيك الأمة، الوهابية تعدم معارضيها ومعارضي النظام وتجلد وتصادر وظيفة وراتب كل من ينتقد النظام ولو بمنشور صغير على مواقع التواصل الاجتماعي.
الوهابية تبيح الرق والسبي الذي تمارسه القاعدة وداعش في العراق وسوريا، وتقف في وجه كل الدعوات التي تدعو الى تحريم السبي، هذه ما يؤكده أحد رموز المدرسة الوهابية الشيخ "صالح الفوزان" عضو هيئة كبار علماء المسلمين في السعودية الذي يقول: "إن الإسلام أحل بصريح النص سبي النساء، ومن ينادي بتحريم السبي فهو جاهل بدين الله ويرتقي الى درجة الكافر والملحد.. وأضاف: إن سبي النساء هو حكم مرتبط بالقرآن ورد فيه نص صريح لايقبل التأويل فهو اذاً حكم من أحكام الله لامحاباة ولامجاملة لأحد، ولو كان الرق والسبي باطلاً لكان الإسلام قد صرح بذلك كما فعل في الربا والزنا فالإسلام شجاع ولايجامل الناس".
ولإيضاح أكثر بنية ذهنية الإرهاب من منبعها الوهابي، المدرسة الوهابية ليس لديها مفهوم واضح للسلام العالمي وحوار الحضارات، بل ولاتؤمن بها، لأنها في الأساس لا تؤمن بالتعايش ولاتؤمن بالآخر المغاير، فهي تكفّر كفراً الأحزاب والمذاهب والأديان الأخرى، وتلغيها ولاتؤمن إلا بالإسلام الوهابي، كما أنها تقسم العالم الى دارين، دار كفر ودار إيمان، ومن هذه القاعدة تنطلق قاعدة الجهاد، كما أن رؤيتها للتغيير وتقدم البشرية رؤية ماضوية متصادمة مع تقنية العصر ومنجزاته والعقل البشري الذي أبدع كل مايخدم البشرية، فهي تؤكد أن خير العصور هي عصور السلف وأن حال الأمة لن يصلح إلى بما صلح حال الأول وكأن التاريخ هو تاريخ رخاء وسلام ونقي من كل الكوارث والمآسي والصراعات والتي مازالت الوهابية تجتر أسبابها وثقافتها.
علاقة الوهابية كأيديولوجيا والنظام السعودي كداعم، بالإرهاب عابر القارات باتت حقيقة دولية مؤكدة تثيرها الكثير من الدول والمنظمات والنخب السياسية وتحذر منها بشكل واسع، ويعتبرونها مصدر القلاقل والحروب والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط، ومن أكثر المخاطر التي تهدد السلم الدولي.. فألمانيا من أكثر الدول التي تثير هذه القضية، وترفع سقف إدانتها للسعودية بمطالبة المجتمع الدولي بممارسة حظر اقتصادي على السعودية وإغلاق المدارس الدينية التي تمولها وترعاها السعودية وحظر بيع السلاح والذي يذهب معظمه لتسليح التنظيمات الإرهابية في أكثر من دولة عربية.. الاتهام للسعودية بلغ ذروته بقيام الكثير من الناشطين والمثقفين الألمان بطلاء السفارة السعودية في برلين بعلم داعش.. من ناحيته الضابط الأمريكي المتقاعد "بول فاليلي" أثار هذه العلاقة واعتبرها عنصراً رئيسياً في انتشار الإرهاب في العالم، ففي مقال له في صحيفة الإندبندنت البريطانية يقول" إن النظام السعودي كان منذ أواخر السبعينيات الى الآن المصدر الرئيسي للإرهاب وانتشار الفكر الوهابي مع دفع التكاليف الباهظة في هذا السبيل.. وحدها أمريكا التي تواجه ذهنية الإرهاب الوهابي عابر القارات، بذهنية رجل السوق وحيله ومراوغاته، إلا أنها في نفس الوقت لاتخفي هذه العلاقة فهي تثيرها من حين لآخر لكن وفق حسابات المصالح مع البقرة الحلوب التي مازالت تدر النفط والمال بشكل غزير، الا أنها تتعمد أن تترك ملفات الإرهاب مفتوحة، ومع ذلك تحتاج أمريكا للكثير من هذه الهجمات الإرهابية كي تتعامل مع ذهنية الإرهاب التي تنتشر في العالم بذهنية راعي السلام العالمي، وتقر بشكل حازم أن الإرهاب قبل أن يكون حزاماً ناسفاً، كان مدرسة وهابية يتعلم فيها الإرهابي مبادئ وأسس الجهاد المقدس في بلاد الكفار.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:18 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-46394.htm