فيصل عساج -
تلك رائحة تزكم الأنوف.. إنها رائحة أنهار الصرف الصحي في أغلب مدن السعودية، وسنبدأ بالسفر إلى السبيل والهنداوية في أقذر أحياء جدة مروراً بأهالي العشش بعسير وسكان الأقفاص في جيزان وحي الحفاير في مكة.. الى أين سنذهب؟ الى مدينة الربيع أقصد مدينة الصفيح وما أدراك ما مدينة الصفيح ليست مدينة واحدة بل مدناً تكاثرت ورافقت تمدد المدن.. في هذه المدينة أنت على موعد مع السراب في صداقة مع الحديد والتراب صراع أهلها من أجل حفنة من الطعام أو غرفة من الشراب، وحديثهم يكاد أن يكون كله عن العذاب.
هذا ليس مخيم جنين ولا عين الحلوة هذه منازل أهل البترول أبناء النفط عائلة الذهب الأسود، ليس لهم من النفط إلا نقمته ولا من البترول الا لعنته.. السعوديون يفترشون القفار، ويجترعون المر، إذا هبت الرياح طارت بيوتهم، وإذا حل الصيف احترقت أجسادهم وإذا جاء الشتاء تجمدت عروقهم، لكن إلى أين ذهب النفط وريع النفط.. آه لقد ذهب النفط في شراء الجزر الساحرة وقصر السلام حيث لا سلام، هناك احترق النفط وفي شراء جزر الهاواي التي بنيت مثلها في السعودية، وهنا ضاعت قيمة البترول وصودر الذهب الأسود للحدائق السفاري في قلب نجد.
ودعونا ننطلق في رحلة التناقضات وجولات المفارقات.. مكة المكرمة أقل من ميل هي المسافة بين الرفاه والعدم ومن شرفة قصر الصفاء أمراؤهم في نعيم وهم يرون بؤساً فوق البؤس وفقراً فوق الفقر.. هذه نسخة من كل أنواع المعاناة الإنسانية .. ففي حي الحفاير أنموذج حجازي لمجاعة الصومال وقساوة أشد من صخور جبال مكة وكهوف العصر الحجري وفي حي المنصور، حيث لا فرق بين الدور والجحور، حتى يظن المرء أنها قبور، وإذا أردت نسخة من فقر البنجال، فعليك بحي النكاسة حيث الشقاء والتعاسة، وإذا أردت المزيد فلنذهب الى جدة أكيد سمعتم بحي السبيل إنه في قلب المدينة والتي سموها من قبل التشجيع عروس البحر الأحمر والظريف أنهم عظموها وسموها السبيل الشرقي والسبيل الغربي وكان الأولى أن يسموا الأول السبيل الى الفقر والثاني السبيل الى القبر لكن لا تستعجل هذا ليس منتهى البؤس ولا آخر الشقاء فالبؤس الحقيقي هنا في حي الهنداوية وصدق من قال:
جدة غير «خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرّهن الثناء .
والشقاء كله في الحي المجاور «غليل» وهو نكهة مختلفة للمعاناة وهناك يتكدس مئات الألوف من المعدومين في مساحة أقل من مساحة قصر أمير واحد.. إنه سباق في البؤس سباق في الفقر والمعاناة لكن ربما زعم البعض أن المنظر العلوي خادع وكم حياً بدأ مكتظاً وهو من أرقى الأحياء، وحتى نقطع الشك باليقين دعونا نتجول داخل أحياء جدة لنرى هل هذه نفايات تأخرت البلدية عنها.. أبداً: ان هذا التكدس للقمامة في جدة أو غيرها من المدن السعودية أمر طبيعي لسبب بسيط أن سكان تلك الأحياء هم من المنبوذين كما يراهم البراهمة أو من الأمميين كما يراهم الشعب المختار، والذين أريد لهم أن يكيفوا حياتهم مع هذا الشقاء هؤلاء لم يُكتب لهم أن يكونوا من البراهمة أو من الشعب المختار أو من أصهار الشعب المختار أو من حاشية الشعب المختار، فكان نصيبهم من مقدرات البلاد نفطها وأموالها.. ما تشاهدون من أكوام القمامة في أحيائهم.. يقول أمير: نعم هذا نصيبهم من النفط، منازل مثل علب السردين وشوارعهم أزقة لا تكفي لموقف سيارة واحدة وهل تعلم أن ما صرف على بناء كل منازل أحياء جنوب جدة مجتمعة لا يساوي عشر ما صرف على بناء قصر لأمير، وهل تعلم أن ما ينفق على خدمات جدة لا يعادل خمس صيانة قصر أمير لكن العجب ليس البؤس والشقاء.. العجب هو الصمت فكيف يقبلون بالضيم وحقهم هناك في أحضان الأمير وفي قصر الأمير وفي متعة الأمير وفي مزرعة الأمير وفي سيارة الأمير والسعوديون يتفرجون على المليارات وهي تتدفق وهم في الشقاء، والمواطن السعودي الذي أوقف سيارته بجانب برميل القمامة وعلى سيارته صورة للملك، لقد عبّر بطريقته الخاصة فوضع الرجل المناسب في المكان المناسب أي أن الملك وصورته مكانهم الطبيعي براميل القمامة وليس القصور، ولو تمهلنا قليلاً لوجدنا أن أكبر مشكلة لدى الشعب السعودي هي أنهار الصرف الصحي، فأكثر من عشرة مليارات ترصد للمشروع ذاته، وهنا يبتلعها الأمير وتنتهي جدة بالمساكين يسحبون خُطاهم.. مستنقعات من الفضلات البشرية، لكن مهلاً انها أنهار المجاري ليس في جدة فقط بل في الدمام والرياض والإحساء ومكة والمدينة وسَمّ ما شئت من المدن، وما دمت من الشعب المقهور فمكانك هنا بين أنهار المجاري والقمامة وليس لك الا ما يزكم أنفك أو نظرك ولكن كيف يُلام الأمير إن استولى على المليارات زعماً للصرف الصحي؟ كيف يُلام الأمير إذا كان المواطن قانعاً بنصيبه القليل من هذه الثروة، أأسف بأن لا يكون له نصيب من هذه الثروة.
إن إبداعات البؤس هناك لا تتوقف.. تأملوا تلك المناظر من مدن السعودية أبنية مسلحة ظهرت منها أسياخ الحديد.. هذا هو الجيل الثالث من الشبكات الموحدة لتوزيع الهاتف والكهرباء وهي أسلاك ظاهرة ومتشعبة وفوضوية وقد لا تصدقون أن هذه الفوضى في السعودية لكنها حقيقة وإذا كانت هذه هي الطريقة التي توزع بها الكهرباء والهاتف، فلا تستغرب كم بيتاً أضرمت فيها النيران وكم شخصاً صعقته الكهرباء وكم تداخلت الخطوط الهاتفية واطَّلع الناس على أسرار بعضهم..؟ هل رأيت يوماً من الأيام وقد اندلقت الأسلاك أو تشابكت خطوط الهاتف مع الكهرباء أو اختلطت الخطوط مع جاره هذا إذا كان له جار، والآن دعونا نعرف أين ذهب النفط..أين الأموال التي تتدفق من تحت الأرض مليارات كل يوم إذا أردنا الجواب فلنحلق معاً في سماء الرياض، قائمة لا تنتهي من القصور التي يمتلكها فلان وفلان والأميرة فلانة وغيرها من الأميرات من آل سعود وما دام المفتي قد أخذ حصته فلا غرابة أن يعطي أصحاب هذه القصور الحق الشرعي في امتلاك المقدرات ونهب الأموال وسرقة الثروات ولنحسب إيرادات النفط في السعودية، سنجد أن 90% من الإيرادات النفطية مكدس في خزينة الأسرة الحاكمة، والمصيبة أن آل سعود لم يكتفوا بالنفط بل نُهبت كل أراضي المملكة وأصبح الشعب السعودي أسيراً لهذه الأسرة حتى رسوم العمرة والحج لم تسلم منهم، والمحزن أن المواطن السعودي والوافد لم يسلموا من النهب عن طريق الضرائب المجحفة سنوياً بحقهم والا فكيف تُبنى مئات من القصور الفارهة داخل السعودية وخارجها، والحمد لله أن التقنية دليل لفضحهم عبر الصور الجوية لعظمة تلك القصور، بينما المواطن السعودي يعيش في ذل وفقر ومهانة، ونحن سوف ننتظر مفكري وناشطي العالم من الغرب وأمريكا أن ينقذوا سمعة بلدانهم بعد أن باعت تلك الدول مبادئها مقابل الأموال السعودية والزمان كفيل بذلك.