د.فؤاد علي مخيمر -
دين الإسلام دين الفطرة الصحيحة، دين يدعو إلى وحدة الصف؛ لأن أتباعه المؤمنين يُعَدّون أمة واحدة، إلههم واحد لا شريك له، قال سبحانه: (وأِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) الأنبياء: 92 .
ومن ثَمَّ، جعل الله تعالى مظاهر هذا الدين تتجلى في الدعوة إلى الوحدة: وحدة في الألوهية والربوبية وفي صفاته تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) الإخلاص.. ووحدة في العبودية: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة: 5 .. ووحدة في الصف والقوة والبأس، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) آل عمران: 103. . ووحدة في الجهاد، قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) الصف: 4 .
فالعبادات الدعوة فيها إلى وحدة الصف موجودة وقائمة، وتُعَدُّ مَظهرًا بَارزًا من مظاهرها..
فالصلاة: النداء لأدائها واحد، وإمام الصلاة واحد، والمسلمون من خلفه وحدة متكاملة في انتظام صفوفهم وائتلاف أرواحهم، وهم مؤتمون بإمام واحد؛ يؤدون خلفه أركانًا وسننًا بنسق واحد بمتابعة إمام واحد، وكذلك توحيد وقت الصلاة مظهر وحدوي.
والزكاة: في أدائها دعوة إلى وحدة الصف؛ ففي مال الغني حق معلوم للسائل والمحروم، كأن الفقير شريك الغني في ماله، وفي ذلك من ارتباط القلوب والتراحم ما لا يخفى، وكذلك إحساس الغني بالفقير؛ اعترافًا بأخوَّة الإيمان التي أفصح عنها القرآن في قوله تعالى: (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) آل عمران: 10 .. وقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات: 10 .
والصوم: رُقي للروح، وحصن للجسد، وتربية للأعضاء، وهو نصف الصبر، وتجديد للعهد مع الله سبحانه بالتوبة والاستغفار وكثرة الذكر والدعاء والتوحيد الخالص، وتدريب الأعضاء على مهام الرجولة، وإذا تأصّلت الرجولة الإيمانية في المسلمين اتحد صفهم، وقويت شكوتهم، وعلت همتهم؛ ليصبحوا قوة ضاربة في الأرض.