عبدالغني الزبيدي -
لم تتسن لي الظروف البحث وتتبع الحقائق والوقائع التي احاطت عملية الانقلاب على اردوغان ولم اقرأ او اطلع حتى الآن على الاخبار و الآراء والمقالات والتحليلات التي غطت هذا الحدث الكبير بل والاهم بين الاحداث الساخنة الجارية في المنطقة او في العالم...ذلك لاهمية ومكانة تركيا الجغرافية وحتى السياسية والعسكرية ...وبالنظر الي الهالة الاعلامية التي (ضخمت)من مكانة ودور وحتى شخصية اردوغان...في بلده وفي خارجها وخصوصا في دوره المحوري المعادي لمراكز الثقل العربي في مصر وسوريا والعراق.
هذا يجعلني حذرا من قراءة المشهد والخوض في تفاصيله والتحليل في ابعاده المختلفة..وساكتفي هنا في طرح اسئلة ووضع علامات استفهام ربما قد سبقني غيري باثارتها لكن من المهم اعادة نشرها وصياغاتها للفائدة وحتى تكون نقطة انطلاق لقراءة معمقة في قادم الآيام باذن الله...نستفيد منها فتركيا بلد مهم ومحوري واردوغان شخص مثير للدهشة والفضول.
* من اين نبدأ ..لماذا قام الانقلاب...ماهي الاسباب الداخلية والخارجية التي جعلت من مؤسسة الجيش او على الاقل من غالبية القادة الكبار فيها يقومون بهذا الانقلاب...وبهذا التوقيت الدقيق والحساس التي تعيشه تركيا والمنطقة ...نشرت خلال الاشهر الماضية معلومات عن خلافات شديدة وقوية داخل حزب اردوغان ..ادت الي استقالة الرجل القوي الذي كان يشعر اردوغان بمنافسته له وهو احمد دواوود اغلو ..فهل كان التيار المعارض لاردوغان في الحزب يرى ان مصلحة الحزب وتركيا هي اقالة اردوغان وعندما لم يتسنى لهم ذلك قاموا بالتواصل مع قادة الجيش والايعاز لهم بعمل هذا الانقلاب...انا هنا فقط اثير تساؤلات..وقد لاتكون بالظرورة حقائق او وقائع او حتى نظريات.
* المعروف ان انقلاب بهذا الحجم وبهذه الكفاءة حتى وان لم تكتب له وسائل النجاح..ليس وليد لحظة آنية وليس قرار انفعالي متشنج تم بين عشية وضحاها ولكنه بالتأكيد جاء بعد فترة طويلة من الدراسة والبحث والتخطيط على كافة المستويات السياسية والاستراتيجية مع مراعات الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية...وحاجيات الناس وقبولهم لهذا الانقلاب حتى وان كانوا منقسمين حول مؤيد ومعارض لسياسة اردوغان وتحوله نحو التسلط والدكتاتورية والاضرار بمصالح تركيا بالنظر الي دوره فيما يجري من احداث عنف..في المنطقة...اذا قادة الجيش حصلوا اويفترض انهم حصلوا على اشارة من داخل حزب العدالة ومن بعض او جل القادة السياسيين المعارضين لاردوغان..وبالتاكيد فانهم درسوا بدقة كل التفاصيل اوجلها لهذا الانقلاب وكان لديهم استعداات لكل الاحتمالات التي ستنتج عن خطوة كهذه.
* الاسئلة المهمة...هل كان اردوغان على علم بهذا الانقلاب وكان يتابع تفاصيله وكان متحكم ببوصلته واراد له ان يصل الي مرحلة معينة يستفيد منها استفادة قصوى ..في بلوغ اهدافه نحو السيطرة على مؤسسات الدولة دون ان يعارضه احد وبالذات في السيطرة الكاملة على مؤسسة الجيش..التي حاول مرارا الحصول على ولاء قادتها وفشل ..من ينظر الي تصرفات وحتى خطابات اردوغان في الفترة الماضية انه ماضي نحو النزعة (الشوفينية) التي تقوده الي الدكتاتورية التسلطية في البقاء في الحكم لاطول فترة او حتى الي آخر العمر...وبالتالي فانه لن يتاتى له ذلك الا مع مؤسسة عسكرية او بالاصح قادة عسكريين مواليين ومؤيدين ويحملون نفس الافكار التي يحملها.
ومن يتابع حجم الاعتقالات وسرعتها وتواصلها ضد قادة الجيش والتصريحات بهيكلة مؤسسة الجيش والحاقها بمؤسسة الرئاسة..ربما يطرح مثل هذه الاسئلة ويسعى للبناء عليها...واصلوا معي....
* واذا افترضنا ان اردوغان لم يكن لديه اي اطلاع او معلومات استخبارية او حتى اشارات لمايحدث في مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة العسكرية التي يعرف مدى رفضهم وعدم قبولهم للكثير من سياسته..فهذا يعني ان التضخيم والتهويل بدهاء وقوة ومكانة اردوغان ...لم تكن الا مجرد زوبعة في فنجان كبرتها وضخمتها الآلة الاعلامية التي يمتلكها ويمولها عبر الاخوان المسلمين في العالم...فهل كان اردوغان لايدري بهكذا(مؤامرة)...بالنسبة لي لاازال اطرح اسئلة ...
* لماذا التضخيم بدور فتح الله غولن...مع ان الرجل مجرد داعية اسلامي وكان ينتقد سياسات اردوغان وربما يعارضه...كيف استطاع وهو داعية ان يقيم مثلا علاقة بمؤسسة الجيش المعروفة بتوجهها العلماني..ماهي الثغرات التي تركها اردوغان مفتوحة..حتى تلاقت مصالح المعارضين(المتضادين) ..ويقودون انقلاب مدروس وكبير وكان قاب قوسين من النجاح..كيف استطاع غولن الداعية والذي لايمتلك حزبا ولاانصارا ولايمتلك اموالا تجاري او حتى توازي مايمتلكه اردوغان وتجعله يحرك جيشا واعلاما ونخبا ويكون راي عام كبير...يقبل اوحتى يصمت امام هذا الانقلاب...كيف استطاع ان يهز كيان رجل روج له اصحابه واتباعه وانصاره باعتباره اسطوره لايستطيع احد مجاراتها فمابالكم بمنازعتها ومعارضتها..كيف تم له ذلك وهو يعيش منذ سنوات بعيدا عن تركيا...هل يريد اردوغان نسف وتدمير كل منافسية مهما كان دورهم مستفيدا من فشل الانقلاب ...
* هل كان الانقلاب ..رغبة داخلية تركية اعدادا وتمويلا وتنفيذا...الم يكن هناك تنسيق وتمويل بل وتعاون كبير ومتعدد من قبل اكثر من دولة واكثر جهة...من هي الدول المتظررة او الممتعظة من سياسة اردوغان..في المنطقة من هي الدول التي يزعجها الدور المتنامي لتركيا..في ظل سياسة اردوغان التي يرى المتابعين انها خلقت له اعداء كثر...وانهم يتحينون اللحظة المناسبة للانقضاض عليه...ماهو دور مخابرات دول المنطقة..ايران مصر سوريا والعراق..وهي اكثر الدول تظررا من الدور الذي لعبه اردوغان في احداث العنف والدمار الذي تشهده...هذه الدول منذ2011 وحتى اليوم.
* ماذا عن روسيا التي كانت على وشك ان تقوم بعمل عسكري محدود ضد تركيا...لولا حسابات المصالح وتدارك ردود الافعال ..فهل فكر القادة الروس ووجدوا ان خيار الانقلاب ونشر الفوضى الخلاقة على الطريقة الروسية اجدى وانفع فلعبت على التناقضات واستخدمت قدراتها الاستخبارية وعلاقتها مع بعض قادة الجيش..وتعاونت مع حلفائها من دول المنطقة لتنفيذ انقلاب بهذا الحجم...فقط هذه مجرد اسئلة.
* الاهم من كل ماتقدم هو ...اين كانت امريكا من كل ماحد ..هل يعقل ان امريكا بعيدة وليست لها يد فيما حدث..هل يقبل عقل او منطق ان تكون الاستخبارات الامريكية او الاسرائيلية ..بعيدة عن ماحدث ولم تكن المحرك والمدبر والمخطط وربما الموول..واذا افترضنا بحكم العلاقة الحميمية مع اردوغان...استبعاد ذلك ولو نظريا ..فهل هذه الاستخبارات المشهود لها بانها تدخل في كل شاردة وواردة في العالم..على غير علم من الانقلاب...ولماذا صمتت ولم تبلغ اردوغان في الوقت المناسب..هل ارادت ان توصله الي مرحلة ووضع صعب لايمكن لاحد تغييره الا اميركا واسرائيل..لماذا لم يجد مكانايحط به رحاله الا قاعدة انجرليك الامريكية في تركيا...هل ارادت اميركا واسرائيل ان تمنعه من التوجه نحو مراجعة سياساته في المنطقة..ومع روسيا وهو ماقد يؤثر على تنفيذ المشروع الامريكي الاسرائيلي في المنطقة...وبالتالي كان لابد من القيام بهكذا حركة او على الاقل تشجيعها وغض النظر عنها حتى تصل الي مدى معين مع التحكم بالبوصلة..واعادة التوجيه فيما يخدم المشروع الامريكي في المنطقة ...والذي يراوح مكانه على الرغم من حجم الدمار الذي احدثه في المنطقة والعالم...ولهذا تدخلت في الوقت المناسب بكل قوتها العسكرية..وافشلت الانقلاب وبه تمكنت ليس من انقاذ اردوغان وتوسيع نفوذه وسطوته ..بل من تكبيله وجعله الاداة المثلى الطيعة لتنفيذ كل مايطلب منه..بدون اي نقاش او مراعات اي مصالح تعارض ماتسعى اليه امريكا واسرائيل في المنطقة.
* خلاصة القول...انقلاب غامض وتفاصيل متناثرة وحقائق الي الآن غائبة...وليس هناك من مجال لتقديم صورة تقريبية لماحدث فمابالكم بالحقيقة كما هي..لذلك نكتفي بالاسئلة.