الإثنين, 15-أغسطس-2016
الميثاق نت -    عبدالله محمد الارياني -
تُعبر الطائفية في أبسط معانيها عن كل انغلاق ديني أو طائفي مبني على أسس ومعتقدات موروثه ضد الاخر المختلف تعمل على تحويل هذا الاختلاف إلى تناقض تعصبي يحمل فكر عدم القبول بالاخر..
فالطائفية هذا الفكر التعصبي المقيت الذي لا يقبل بالاخر ويدفع بحامله الى ممارسة كل ماهو ممكن للقضاء على الآخر سواءً عن طريق الاستبداد أو عن طريق العنف الذي يقود احياناً الى حد التصفية الجسدية .. عرفت الطائفية طريقها الى جسد الامة الاسلامية منذ زمن بعيد وبالتحديد بالفترة التي أعقبت رحيل أئمة المذاهب حيث اتسع الخلاف العلمي والفكري وتحول الى مايشبه الحرب الشاملة على مختلف المستويات والمجالات بمافيها الاعلام و الفتاوى و الاقتتال.. في القرن الرابع الهجري أخذ التعصب الطائفي بالتنامي في شرايين الأمة العربيةُ والاسلامية وبدأ الصراع المذهبي يطفو الى السطح ويتحول من صراع مذهبي فكري الى صراع وعنف طائفي.. شهد التاريخ الاسلامي وسجل العديد من احداث العنف الطائفي ومنها ماذكره ابن الاثير من احداث ففي العام 324هـ عندما كان الحنابله يثيرون الفتن في بغداد ويروجونها ويعتدون على الشافعيين بالضرب بالعصي حد الموت.
ايضاً من احداث العنف الطائفي ماحدث سنة 555هـ بين الحانبلة من جهة وبين الشافعية والشيعة من جهة اخرى راح ضحيتها عدد كبير من الناس فيهم علماء وفقهاء واحرقت الاسواق والمدارس والبيوت.
ومن شواهد العنف الطائفي في منطقتنا العربية في العصر الحديث هي تلك الحرب الطائفيه التي اندلعت في لبنان وأستمرت لـ 15 عاما من العام 1975 وحتى العام 1990 راح ضحيتها مايقارب الـ 150 الف قتيل وهجر وشرد 40 الف مواطن وفقد نحو 17 الف مواطن لبناني.. هذه الحرب التي احرقت الشجر والحجر ودمرت البنى ومزقت النسيج الاجتماعي وزرعت التفرقه والاحقاد ..كذلك من امثلة الصراع والعنف الطائفي في وقتنا الحاضر تلك الحرب الطائفية القائمة في العراق والتي راح ضحيتها مايقارب 1.3قتيل عراقي وهجر من العراق بسبب الحرب مايقارب 4.7مليون بسبب الصراع الدائر بين السنة والشيعة الذي جعل من العراق مسرح عملياتي لتصفية الطوائف بعضها لبعض..
ومايحدث في سوريا من حرب ليس الا امتداداً لهذه الحرب الطائفية بين ابناء البلد الواحد الموحد والذين كانوا ذات يوم في خندق واحد في مواجهة المستعمر الاجنبي وماكانوا لينتصروا لولا توحد كل الطوائف العلوية والسنية والشيعية والدرزية والمسيحية وها هم اليوم يتفرقوا ويتشتتوا ويقاتل كلاً منهم الاخر ولكن هذه المرة ليس لطرد غازي وانما من اجل قضاء كلاً منهم على الاخر.
وها هم أعداء اليمن يعملون على أن تعيش ذات الصراع والعنف الطائفي غير المبرر بعد ان عاش اليمنيون لزمن طويل في توحد ولحمه وتلاحم..
وبالنظر الى كل ماسبق ذكره من شواهد واحداث عن الصراع والعنف الطائفي يتبين ان هذا الصراع والعنف مر بمراحل تطور من بدايته وحتى وقتنا الحاضر يمكن تصنفيها بالمرحلتين التاليتين:
اولاً/ مرحلة الطائفيه القديمة وهي المرحله التي كان الصراع فيها والخلاف ينبع من اسس دينية بحتة هذه المرحلة هي التي اعقبت رحيل أئمة المذاهب وكان هذا الصراع المذهبي سبباً في سقوط البلاد الاسلامية بيد المغول نتيجة التشتت والتفرق الذي اضعف الامة في مواجهة التتار.
ثانيا/ مرحلة الطائفية الحديثة: وفي هذه المرحله اخذ الصراع شكلا اخر واصبح في جانبه الاعظم صراعاً سياسياً مغلفاً بالشعارات المذهبية... ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان الاستعمار يمثل ابرز واهم عامل في تعميق الصراع الطائفي من خلال وضع مفردات جديده اختلفت عن سابقتها في الطائفية القديمة من هذه المفردات التيارات الطائفية المنحرفه التي تدعي الدين، اضافة الى الاحتلال المباشر وكانت من ابرز اساليب التدخل هي سياسة (فرق تسد) التي استخدمها الاستعمار مستغلاً الخلافات والمساجلات الفكرية والصراع السياسي بين السنة والشيعة والتي عمل الغزو الاجنبي الممتد من الحروب الصليبية وحتى اليوم على تغذية هذا الخلاف وتعميق اثاره بغية وضع الاسلام كدين وتشريع سماوي وشامل على طريق التآكل والانهيار كهدف نهائي وايضاً تمزيق المسلمين من الداخل كهدف قريب يمهد للسيطرة على البلاد الاسلامية وقد نجح الوهابيون في الجزيره العربيه في تنفيذ المخطط حيث تحولوا الى محور اساسي لتمزيق الامة وتكفير مذاهبها ولم تقتصر هجماتهم على المسلمين الشيعة وحسب بل تعداه الى المسلمين السنة.. فبعد القضاء على الخلافة الاسلامية والاستعمار المباشر وانتشار التيارات المنحرفة عمد الاستعمار الى ايجاد وفرض انظمة على بلدان العالم الاسلامي المجزأ مهمتها استكمال تحقيق اهداف الاستعمار والحفاظ على مكتسباته السابقة فكان من هذه الرموز آل سعود في الحجاز واتاتورك في تركيا ورضا خان في ايران وبقى الاستعمار يضرب على الورقة الطائفية الناجحة بالنسبة لاعداء الامة واصبحت بعض الرموز الحاكمة وبالتدرج مفردات رئيسية في اللعبة الطائفية حولتها الى طائفية سياسية ليس لها علاقة مباشرة باصل الدين.
هذا الصراع والعنف الطائفي المستمر منذ مئات السنين والذي لم يخدم الامة بقدر ماكان سبباً في قتل الكثير من الناس ودمر النسيج الاجتماعي وشوه الدين الاسلامي واوجد التفرقة بين ابناء البلد الواحد وابناء الامة الواحدة واوقف عجلة التنمية وجعل من الامة الاسلامية امةً مشوهه متخلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً وتقنياً امة منقادة بعد ان كانت امة قائدة.. وعلى الرغم من اننا كأمة اسلامية نعلم علم اليقين وندرك ان مايحدث لامتنا واوطاننا هو جزء من المخطط الغربي الصهيوني الهادف الى مسخ هويتنا العربية وطمس حضارتنا وتمييع موروثنا الديني لتحقيق طموحات النظام العالمي الجديد (العولمة) التي من مبادئها القضاء على كل ارث ديني او حضاري او تاريخي لا يتوافق مع اهدافها والعمل على ايجاد ثقافة وضعية واحدة لدولة واحدة تعرف بالدولة الكونية التي يحكمها الشيطان، وللاسف مازال عالمنا العربي والاسلامي ينجر وراء إدعاءات الزيف والتحريف الغربي باعتبارهم دعاة انسانية وبناء، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بعد كل ماشهدته الامة الاسلامية على مدى مئات السنين من عنف وصراع طائفي ودمار وقتل وتمزيق وتشويه وتقطيع في جسد الامتين العربية والاسلامية السؤال هو: الى متى ستظل هذه الامة في حالة اللا وعي بأنها مستهدفة وبأن مايجري لها هو مخطط غربي صهيوني يهدف إلى تدميرها والقضاء عليها؟ والى متى سنبقى متقاعسين ومتصارعين ومفرقين ؟ ومتى سيكون لنا مخططنا الخاص لمواجهة هذه الهجمة البربرية على كل موروثنا وحضارتنا العربية والإسلامية.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:34 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-46905.htm