محمد العسيري -
اعترف مواطن من دولة مالي وهو احمدالفقي المهدي ويتصف بالتشدد وينتمي الى الحركة السلفية بأن التهم الموجهة إليه صحيحة وأقر بذنبه وبأنه أمر وشارك في تدمير أضرحة مدرجة على لائحة التراث العالمي للإنسانية، وقد عقدت محكمة الجنايات الدولية جلسة وجاء ذلك الاعتراف بعد تلاوة محضر الاتهام وقد أقر بأنه قاد عمداً هجمات على تسعة أضرحة في تمبكتو وعلى باب مسجد سيدي يحيى بين 30 يونيو وحتى 11 يوليو 2012م.. والسوال هنا متى نسمع عن محاكمة المجرمين والإرهابيين الذين نسفوا وهدموا القباب والأضرحة في بلادنا سواءً في تعز أو عدن أو أبين أو أية محافظة يمنية لأنهم عبثوا بحضارة اليمن والتي تتعدى مئات السنينن ولا تقدر بثمن..؟
والهدم هو نهج حديث يعود الى الحركة الوهابية وهذا ما يجمع عليه المؤرخون، وهي الحركة التي ينتسب اليها معظم السلفيين المتطرفين، والسلفية الوهابية مصطلح أُطلق على حركة إسلامية سياسية قامت في نجد وسط الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني الهجري الموافق الثامن عشر الميلادي على يد محمد عبدالوهاب (1703-1792م).
وشن الاثنان الغزوات ضد الخصوم، وقد اعتبر المؤرخون أنهم خرجوا على الخلافة الاسلامية (الدولة العثمانية) بينما يعتقد الوهابيون أنهم يقيمون دولة التوحيد والعقيدة الصحيحة وتطهير الأمة والاسلام من الشرك والتخلص من العادات والممارسات التعبدية التي انتشرت في بلاد الاسلام، وتراها الوهابية مخالفة لجوهر الاسلام التوحيدي مثل التوسل والتبرك بالقبور وبالأولياء، الأمر الذي جعل العديد من العلماء السنة يرى في اتهام محمد عبدالوهاب ومريديه للآخرين بالشرك مواصلة لطريقة الخروج في الأسناد لنصوص الكتاب والسنة التي نزلت في حق الكفار والمشركين وتطبيقها على المسلمين جغرافياً، ومع انتشار أتباع الوهابية المتطرفة ومع فسحة الحرية والتي تتمتع بها بعض الشعوب الاسلامية في الوقت الحاضر اتسعت أعمال هدم وتخريب ونسف المراقد والأضرحة والمساجد والحسينيات، فمثلاً تونس تواصل مسلسل حرق وتخريب أضرحة الأولياء الصالحين بتونس ليتجاوز (30) ضريحاً بعد ثورة الربيع العبري وآخرها مقام سيدي بوسعيد الباجي العالم المتصوف الذي منح اسمه للقرية التي تطل على خليج تونس بالضاحية الشمالية للعاصمة، وأصابع الاتهام تذهب الى أتباع الوهابية، حيث يعتبرون الضريح شركاً بالله، أما في الجماهيرية الليبية نجد أن مجموعات إرهابية مسلحة تقوم بهدم الأضرحة والقباب وقبور أولياء الله الصالحين في العاصمة طرابلس..
وقال أمين عام هيئة علماء ليبيا خالد الورشفاني إن من قاموا بهذه الأعمال من المتشددين قد استندوا الى بعض الفتاوى الدينية، وأن نبش القبور وتفجير الأضرحة بالمتفجرات مسألة خطيرة لم يعرفها العالم الإسلامي قبل هذا الوقت، ولم تسلم دولة مالي في أفريقيا عندما أقدمت جماعة أنصار الدين على هدم العشرات من المدافن والمراقد والأضرحة في تمبتكو في شمال مالي وهم من أتباع السلفية الوهابية، وقد احتوت مدينة تمبتكو على (333) ضريحاً من بينها (16) تم تصنيفها من طرف اليونيسكو كموقع للتراث العالمي كضريح سيدي معد بن عمار الذي يحظى بمكانة رفيعة لدى سكان تمبتكو، وأشار مصدر مطلع من شمال مالي الى أن هذه الجماعات قد توعدت بهدم مقامات أخرى، وأن تمبتكو تحت الصدمة لأنهم يريدون مهاجمة وتدمير مقامات ومراقد أخرى، وقد وصف المشهد مصور محلي لمراسل فرنس برس بالقول: لقد رأيت المقام مهدماً.. ما حصل خطير وقد سارعت الحكومة الانتقالية الى التنديد بالاعتداء.
ومما لاشك فيه أن الأضرحة والمقامات أصبحت معلماً أثرياً وتاريخياً وملكاً للعالم وللشعوب كلها، ولم يكن المسلمون يوماً ما ينظرون الى أصحاب المقامات والمراقد على أساس أنهم إله أو شركاء للإله بل أضحت هذه الأماكن مكاناً للعبادة والتوحيد وكانوا أناساً صالحين مؤمنين داعين الى عبادة الله و توحيده ليس هذا وحسب، ففي مصر لاتزال الاصنام والمسلات والاهرامات قائمة ومع هذا لم يعد المصريون يقدسونها ولا يعبدون الملوك الفراعنة، وفي شرق المتوسط وأوروبا لاتزال توجد الكثير من الأصنام مثل بعل ومينرفا وديانا وزيس، ومع هذا لم تهدم لتطور هذه الشعوب ولم تعد تنظر اليها كآلهة، ومن هذا المنطلق يستذكر المسلمون كل عام جريمة هدم أضرحة مقبرة البقيع.
وتدين الأمم المتحدة بشكل مستمر عمليات استهداف المساجد والكنائس والمعابد في العراق، فقد دان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بشدة التفجيرات التي تقع في العراق وخلفت العشرات من الشهداء.وقد أعربت اليونيسكو عن أسفها للتدمير المأساوي لأضرحة تمبتكو من جانب الاسلاميين المسلحين والذين يتبعون السلفية الوهابية، وقد دمرت الأضرحة قبل يومين من إعلان اليونيسكو للتراث العالمي المعرض للخطر، ووصفت اليساندرا كامينز رئيسة اليونيسكو في بيان لها هذا التدمير بالمأساة الجديدة لاسيما الأضرار التي لحقت من دون سبب بضريح سيدي محمود في شمال البلاد..داعية كل الأطراف المعنية في النزاع في تمبتكو الى تحمل مسؤوليتها، وبحسب البعثة الثقافية في تمبتكو فإن (16) ضريحاً في هذه المدينة الواقعة بمحاذاة الصحراء والمعروفة باسم مدينة (333) ولياً مدرجة على لائحة التراث العالمي، وقد استنكر علماء الاسلام عملية هدم ونسف الأضرحة والقبور.. وفي مؤتمر دولي في 2011م عقده ناشطون عرب في أوروبا -مؤتمر لحماية التراث الانساني - صدر عن المؤتمر عدة توصيات مهمة وهي مطالبة مراكز الفتوى والتجمعات الفقهية والمؤسسات الدينية ومن جميع المذاهب الاسلامية بإصدار الفتاوى الواضحة والصريحة بتحريم الاعتداء على أضرحة ومراقد الأنبياء والأئمة والأولياء والعلماء وتجريم من يعتدي باللسان أو باليد أو بأي شكل آخر على الزائرين لتلك المراقد، على أن تقوم المنظمات الدولية الرسمية بحملة شاملة للضغط من أجل إعادة بناء قبور أئمة البقيع وإرجاعها بشكل أفضل، مما كانت عليه قبل هدمها لأن بقاء مقبرة البقيع بهذا الشكل إهانة للعقيدة والتاريخ الاسلامي وانتهاك للتراث الانساني ويعد بقاؤها بهذا الشكل تحريضاً على العنف والكراهية وعلى شرعية استهداف أماكن العبادة المقدسة للشيعة والمسلمين ومختلف الأديان، وهذا يعتبر من المسؤوليات الكبرى للأمم المتحدة في التحرك من أجل الضغط على الحكومة السعودية لإعادة بناء مقبرة البقيع بما يتناسب مع أسس الكرامة الانسانية واحترام حقوق الإنسان، ومن واجب المنظمات الدولية أن تبين للسلطات السعودية أن المسؤولية الجنائية تقع عليها حول مقبرة البقيع.
وطالب الناشطون مؤسسات المجتمع الدولي والهيئات المختصة بمراقبة ومحاسبة القنوات الفضائية والأرضية والإذاعية ومواقع الانترنت والمؤسسات والمنتديات الإعلامية والثقافية والمكتبات والصحف والمجلات التي تخدم تلك الحركات الارهابية، والقيام بحملة تثقيفية علمية وواسعة على المدى القصير والبعيد لترسيخ قيم المحبة والسلام والتعاون والتعايش والتسامح والحوار التي حثت جميع الرسائل السماوية والمبادئ الانسانية على التمسك بها، كما اعتمدتها دساتير جميع دول العالم، ودعوة الحكومات والهيئات الدولية ومنظمات المجتمع المدني الى الشروع بحملة عالمية كبرى جادة للقضاء على دوافع نشوء العنف والكراهية والجريمة لدى الفرد والمجتمع «الفقر، المرض، الجهل، الاستبداد، والظلم والقهر والكبت والبطالة والقمع والاستعباد والاستغلال» ونتطلع الى صحوة إسلامية حقيقية ضد تلك الجماعات الارهابية المتخلفة والتي اتخذت من سفك الدماء والقتل وسيلة لتنفيذ أهدافها ومخططاتها غير النبيلة.