ابــــن النيــل -
مع تسليمنا المبدئي بأهمية أن نحتفي بحلول شهر رمضان المبارك بما يليق وعظمة هذا الشهر الكريم، إلاَّ أن فضائياتنا العربية في معظمها إن لم يكن في مجملها.. عادةً ما تستقبل شهرنا الفضيل هذا كلٌّ على طريقتها، وإن تسابقت فيما بينها سعياً لتضمين خططها البرامجية ما تيسر من المسلسلات التلفزيونية وبرامج التسلية والترفيه، ومن ثم.. رفدها بجرعات روحانية متواضعة، على أمل أن تتناسب مع كونه بمثابة أوكازيون سنوي، لتعويض ما فاتنا قبل حلوله من شعائر الالتزام الحق بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.
ويبدو أن فضائياتنا هذه لم تشأ أن تأخذ بعين الاعتبار حقيقة ان في احتفائنا بحلول شهرٍ مُعظَّم كهذا ما يستوجب اعتبارها مناسبة للتذكير بأوضاع إخوة لنا هنا وهناك، منهم -على سبيل المثال- من يستقبلون رمضان تحت وطأة تضييق الخناق عليهم بغية تجويعهم، وإمعاناً في إذلالهم كذلك، مثلما هو حال أهلنا في قطاع غزة المحاصر، ومنهم من طال أمد افتقادهم للحد الأدنى من حيثيات الأمن والطمأنينة، حيث رائحة الموت والخراب.. وحدها التي تحظى بأحقية الانتشار بين ربوع بلادهم، مثلما هو حال أشقائنا العرب في عراق ما بعد صدام حسين، إلى غير ذلك مما ينبغي أن نتوقف أمام تداعياته الإنسانية الموجعة بقدر مستحق من التأمل والاهتمام، لعل في ذلك ما من شأنه استنهاض ما تبقى لدينا من دلائل نخوتنا العربية الأصيلة، خشية أن تستبد بها دواعي الإحباط والتيئيس، وقد أُتيحت لها حرية أن تتكاثر في زمننا هذا، بفعل تبلّد مشاعر أولي الأمر فينا، ممن أداروا ظهورهم لهموم بني قومهم، وأغمضوا أعينهم عن كل ما يتعلق بقضايانا المصيرية العليا.
ويكفي أن قوات الاحتلال الصهيوني.. باتت تتحكم في حرية أداء أهلنا هناك فريضة صلاة الجمعة في رحاب المسجد الأقصى المبارك، مثلما حدث يوم الجمعة الماضي والناس صيام.
وعلى الجانب العراقي.. نجد الرئىس الأمريكي جورج بوش وما قاله صراحة ودون مواربة في مستهل شهر الصيام ذاته، من أن قوات بلاده باقية في بلاد الرافدين إلى أجل غير مسمى، وحتى بعد انتهاء ولايته.
ولا غرابة في ذلك.. مادام أركان نظامنا الرسمي العربي بمنأى عن جراح بني جلدتنا، وما دامت فضائياتنا العربية زاخرة بالمسلسلات الاستهلاكية إياها.. وإلى حديثٍ آخر.