الإثنين, 05-سبتمبر-2016
الميثاق نت -    فيصل عساج -
< البترول بالنسبة للسعودية هو كل شيء، و«كل شيء» تعني لنا القيمة والسياسة والموقع المتميز على خارطة العلاقات الدولية وقوة السلطة على الصعيد المحلي وهو ما دفع أحد الكتّاب الى اعتبار أن كل ما في السعودية يتلخص في السلطة الملكية «العائلة والبترول»، وقبل ظهور أهمية البترول كمولد للطاقة في الحرب العالمية الثانية لم تكن السعودية في نظر العالم سوى صحراء تسرح في أرجائها النياق العطشى وبحار لا نهاية لها من الرمل الأصفر المتوهج كسبائك الذهب في هجير الظهيرة، وقبائل تُسفك دماؤها في نزاعات لا تنتهي على جرة ماء أو رأس غنم..
أما اليوم فالسعودية فقد عقدت واشنطن زواجها الكاثوليكي مع أبناء عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة، وقد وصف الاستاذ غسان سلامة الدور الذي تلعبه العائلة السعودية على الصعيد الإقليمي وضمن منظومة الدول الاسلامية بالامبريالية الفرعية وهو وصف صحيح، فأمريكا كانت بحاجة الى دولة غنية مثل السعودية تساعدها في بسط نفوذها على المجموعة الكبيرة من دول العالم الثالث، وهي لا تحظى بتقدم علمي أو تكنولوجي كي ترسل خبراء لمساعدة هذه الدول، بل ترسل المخربين والإرهابيين والقتلة الى سوريا والعراق وليبيا واليمن لتنفيذ الأجندة الأمريكية في الشرق الأوسط وأكبر دليل عملياتها الواسعة لتغيير المؤسسات الحاكمة كما حصل في باكستان واليمن الشمالي سابقاً أو إغراء أهل النظام نفسه لتغيير خط سيرهم، والاتجاه يميناً كما فعلت مع السادات أو جعفر النميري وغيرهما.. والتغيير الطفيف في حياة الشعب السعودي كان ذلك على حساب حريته، وفي هذا السياق رصدت الملايين من دولارات البترول لتطوير أجهزة القمع واستؤجرت أقلام الكتّاب والأدباء حتى غدا نصف الصحافة العربية والغربية وكأن شغلها الشاغل هو التسبيح بحمد العائلة المالكة واستعراض مفاخرها وإنجازاتها.. عمل دؤوب متواصل لصنع تاريخ وثقافة جديدة محورها المال السعودي المدنس لكافة الأخلاق الإنسانية، ولقد شخصت أمريكا بنظرها الى النفط السعودي وبقية دول الخليج، وصرح أحد مهندسي السياسة البترولية في أمريكا قائلاً: إما أمريكا أو النفط السعودي، وتلك المقولة توافق الكلمات المأثورة للقائد الفرنسي «جورج كليمنصو»: من الآن وصاعداً ستكون نقطة النفط عند الشعوب والأمم معادلة لنقطة الدم..
وكانت تلك الكلمات التي أطلقت بعد برهة وجيزة من سكوت مدافع الحرب العالمية الثانية، وعندما سلم عبدالعزيز آل سعود كل ما تحت يديه قال للشيخ جون فليبي كما كان يسميه: «إنني مستعد لأرهن كل الأرض التي تحت يدي مقابل عشرة آلاف جنيه.. إنني بحاجة الى المال يا فليبي»، وعندما جاء المال السعودي شنت السعودية أولى حروبها على اليمن عام 1934م، وكان الساسة الأمريكان يومها واقعيين الى أقصى الحدود، فبينما يطالب الأوربيون باحترام حرية الشعوب المغلوبة وحقها في اختيار مستقبلها السياسي فإنهم يعقدون أوثق العلاقات مع الأمراء العرب الذين فرضوا أنفسهم بالقهر والجبر على شعوبهم، ودماء شعب الحجاز لم تجف بعد الهجوم الوحشي الذي شنته قوات عبدالعزيز آل سعود على الأراضي المقدسة، حيث ارتكبت المجازر والذبح الجماعي وأحرقت القرى انتقاماً من الشعب الذي قاوم السيطرة ودافع عن حرماته وأرضه، وجاءت زيارة مندوب الرئيس الأمريكي يومها بعد فترة من تلك المجزرة، المستر «شارل كرين»، وأياً كان فإن آخر تلك المذابح لم تهم الأمريكيين لأن النفط هو همّهم الوحيد.
واليوم من يفكر أن عبدالعزيز آل سعود رهن أراضي السعودية المغتصبة من دول الجوار للبريطانيين بعشرة آلاف جنية استرليني حتى ان ابن سليمان وزير المالية حينذاك طلب فقط من الميجر فرانك هولمز بريطاني الجنسية الفي روبية لإرضاء ابن سعود والذي كانت دولته على شفا الإفلاس وحتى يطرد المفاوضين الأمريكيين، وعندما رفض البريطانيون الدفع غادروا السعودية والى الأبد.. يا إلهي كيف كانت السعودية فقيرة الى حد حاجتها الى ألفي روبية، وعندما حصلت على المال دمرت كل أنحاء الوطن العربي، ومع هذا ليس هناك بالطبع من يزعم أن ابن سعود كان يملك أرض الجزيرة العربية حينما تعاقد على تأجير الأراضي السعودية للأمريكيين فهو لم يشترها من أحد ولم يرثها عن أبيه، كما أن أبناءها وعموم المسلمين لم يقدموها هبة له وهي على أي ملك مشاع لعموم المسلمين، فمن سكنها وعمرها ملكية انتفاع ما داموا أحياء في الأرض، وهي لله وليست قابلة للبيع أو التوارث أو الهبة، وما حصل من نهب للثروة داخل أسرة آل سعود شيء مخجل.. ففي تاريخ 25 من شهر فبراير عام 1980م الموافق 8 ربيع الثاني عام 1400هـ حضرت الى إحدى الدوائر القضائية في مدينة الرياض الأميرة موضي بنت عبدالعزيز آل سعود وهي شقيقة فهد بن عبدالعزيز لتوكيل منصور شفيع دحدوح لبناني الجنسية لبيع كوتين بترول صادرتين عن مؤسسة بترومين والتابعة لوزارة البترول السعودية وقيمة الكوتين مليون برميل، وقد تم توريد المبلغ في حساب الأميرة وبسعر 31 دولار للبرميل الواحد.
واليوم السعودية تحكم بواسطة أسرة ملكية وراثية ديكتاتورية تشعر شعوراً عميقاً بضرورة التحالف مع واشنطن بالنظر الى افتقارها الى القوة الحقيقية على الصعيد الداخلي أو على المستوى الإقليمي، وأن الدعم الأمريكي السياسي والعسكري هو أمر حيوي في استمرارية النظام السعودي بالدرجة التي يمكنها حالياً من القوة والمرونة، ولذلك فقد طالب سياسيون أمريكيون في أوقات مختلفة بالمحافظة على النسق المتطور لهذه العلاقة رغم أن النظام السعودي بمختلف المقاييس لا ينسجم مع التطور السياسي الذي شهده العالم فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان ومشاركة الشعب في صناعة مستقبله الوطني، وأن حاجة الأسرة المالكة ورغبتها العميقة في استمرار العلاقة الوثيقة مع أمريكا تعتبر في نظر هؤلاء السياسيين أهم المحاسن التي تميز العلاقة بين واشنطن وأية دولة أخرى في العالم.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 02:16 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-47154.htm