- نقف اليوم على عتبة بلوغ ثورة الـ 26 من سبتمبر نصف قرن ونيف من قيامها وما تزال هذه الثورة في أوج عنفوانها وتتجدد كل يوم.. الكُتاب والمؤرخون مازالوا إلى اليوم يرصدون أحداث وادوار مناضلي وأحرار ومفجري الثورة وهناك تفاصيل لم توثق أو تنشر بعد عن الإخفاقات والنكسات التي واجهت الثورة وأصحاب الأدوار الحقيقية الذين كافحوا من اجل تفجيرها.. في هذا الموضوع نتتبع جزءاً بسيطاً من الدور البطولي للشهيد علي عبدالمغني وفق دراسة علمية وتاريخية لأحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء الدكتور سعيد الغليسي وغيره، ممن رصدوا ووثقوا أحداث الثورة اليمنية .
كتب/ محمد العزيزي
تفجير الثورة وإطلاق أول رصاصة نحو قصر الإمام ونجاح الثورة من الوهلة الأولى كان ذلك بفضل نضال كوكبة من المناضلين الأبطال لهذه الثورة المباركة وعلى رأسهم مناضلو حركة الضباط الأحرار في المدرسة والكلية الحربية وكتائب المدفعية والمدرعات ، التي كانت تضم عدداً من الضباط الذين سطروا بتضحياتهم أمجاد الحرية وصنعوا التحول الشامل لبلد يعاني ويلات الظلم والفقر والجهل، ودحر النظام البائد وتحرير الشعب من قبضته الحديدية.. في هذه المادة التي أعددناها بمناسبة العيد الوطني الـ54 للثورة سنتناول فيها احد أهم وابرز قادة تنظيم الضباط الأحرار الذين فجروا الثورة .
تشكيل التنظيم
تشكل تنظيم الضباط الأحرار مطلع العام الذي قامت فيه الثورة من مجموعة من الضباط في المدرسة أو الكلية الحربية في العرضي والتي كانت خاضعة بشكل رسمي للإمام ؛ وبعد أن تأكد الضباط من وفاة الإمام احمد اتجهوا إلى البدر ولي العهد والمنصب لخلافة والده في الحكم محاولين نصحه في تغيير سياسة الحكم والبدء في إصلاح أوضاع البلاد .. بعد ذلك انتظر الضباط الأحرار وعود البدر في خطابه الأول ؛ وبعد أن ألقى الإمام الجديد خطابه بمناسبة توليه المنصب خلفاً لوالده وتأكيده بأنه سينهج نهج أبيه في الحكم .. تأكدت قناعة الثوار بسلامة وصحة توجههم بالقيام بالثورة وإسقاط النظام الإمامي بعد فشل الضباط في إقناع الإمام الشاب البدء بالتغيير وتصحيح مسار نظام الدولة .
وفي هذا السياق يقول الدكتور سعيد الغليسي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد بجامعة صنعاء: عندما صمم قادة الثورة على تنفيذ ثورتهم ضد الظلم الجاثم على صدور الشعب وذلك ليقينهم أن رياح التغيير قادمة في ظل ارتفاع رايات الثورة في العالم وفي الوطن العربي خاصة ؛ فقد ساعد ذلك في دعم الثورة وألقت هذه الثورات بظلالها على الساحة الداخلية في اليمن آنذاك ؛ ومثلما نجح تنظيم الضباط الأحرار في صنعاء بتفجير ثورة 26 سبتمبر بعد عدد من المحاولات والتراكمات النضالية لعدد من قادة الثورة والتغيير والتنوير داخل وخارج الساحة اليمنية .. كانت أيضاً المناطق الجنوبية الخاضعة للاستعمار هي الأخرى متأثرة بما يجري من حولها حيث بدأت الحركات والقوى الوطنية والنقابات العمالية والطلابية تتشكل على صورة تجمعات أدبية وثقافية ونقابية قبل أن تتحول إلى سياسية ومسلحة تقاوم الاستعمار البريطاني .
أول من فكر بالتنظيم
ويتابع الدكتور الغليسي أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة صنعاء في رسالته البحثية لنيل درجة الدكتوراة والتي كانت حول (ثورة سبتمبر اليمنية وقادتها وصراعاتها الداخلية والخارجية 1962-1970م): أن الشهيد على عبدالمغني هو أول من فكر في التنظيم العسكري الثوري والذي سمي بتنظيم الضباط الأحرار حيث بدأ الملازم على عبدالمغني الضابط الشاب والمتحمس والمتأثر بالتيارات القومية والتحررية بإقناع نفر من رفاقه العسكريين المعتنقين الفكر البعثي بالفكرة ثم بدأ بمساعدتهم في استقطاب الضباط الوطنيين الصغار وتم تأسيس تنظيم عسكري سري عرف بتنظيم الضباط الأحرار في بداية النصف الثاني من العام 1961م وكانت قيادته في معظمها بعثية وأما منتسبوه فقد كانوا خليطاً من البعثيين والحركيين والماركسيين فضلاً عن العديد من الضباط الذين لم تكن لهم أية انتماءات حزبية- حسب الباحث.
السيطرة على القيادة
ويؤكد الباحث الغليسي في دراسته التي نال بموجبها درجة الدكتوراة التي اشرف عليها الدكتور صالح علي باصرة وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة صنعاء- لقد تولى قادة التنظيم بزعامة على عبدالمغني عملية الإعداد للثورة بسرية تامة وفي نهاية العملية اتصلوا- بحذر- بالقوى الوطنية التقليدية وتم الاتفاق على مشاركة تلك القوى في عملية تفجير الثور وعلى هذا الأساس شاركت العديد من الشخصيات الوطنية الكبيرة كعبدالله السلال وعبدالله جزيلان وبعض المشائخ ...
ويستشهد المؤلف في دراسته على أن الصراع بين الجمهوريين على السلطة والنفوذ قد بدأ منذ اليوم الأول لقيام الجمهورية وبالذات اولئك الذين استعان بهم واحتاج إليهم تنظيم الضباط الأحرار لمساعدته في عملية تنفيذ الثورة والذين سعوا إلى السيطرة على قيادة تلك الثورة، مستغلين ترك قادتها الفعليين (قادة التنظيم) لمقر القيادة بسبب انشغالهم في معالجة التطورات المفاجئة التي ظهرت منذ اليوم الأول لتحركهم لإسقاط النظام الأمامي والتي كادت أن تفشل الثورة.. وبالرغم من أن الدخلاء على التنظيم الذين استعين بهم نصبوا أنفسهم على رأس القيادة العسكرية للثورة وسيطروا عليها إلا أن تلك السيطرة كانت صورية، لأن القيادة الفعلية كانت بيد علي عبدالمغني، ولكن بعد استشهاد الأخير (ويقصد عبدالمغني) وتشتت القادة الآخرين من رفاقه في المناطق البعيدة من العاصمة سهل لأولئك ومن خلفهم المصريين لأن يصبحوا هم المسيطرون فعلياً على قيادة الثورة .
صاحب القرار
وخلصت دراسة الباحث الغليسي من خلال الوثائق والمعلومات الجديدة التي حصل عليها أثناء جمعه للمادة العلمية للدراسة انه ومن خلال العديد من الدلائل الى أن علي عبدالمغني إضافة إلى كونه قائداً لتنظيم الضباط الأحرار فإنه أيضاً كان قائد ثورة 26 سبتمبر وصاحب القرار في قيادتها منذ اليوم الأول لقيامها وحتى تاريخ استشهاده .
وترجح الدراسة بأنه قد اُغتيل في 4 أكتوبر 1962م في وادي الأشراف المحاذي لسد مأرب لأهداف سياسية وان خروجه إلى مأرب لم يكن لقتال الملكيين كما تقول اغلب الآراء السابقة التي كتبها ودونها بعض المؤرخين وإنما كان بهدف الوصول إلى محمية بيحان الملاصقة لمحافظة مأرب على حدود الجمهورية وإبرام اتفاق مع أميرها الشريف الهبيلي ليؤمّن الثورة من أي خطر قد يأتيها من هذه الثغرة الحساسة وليقطع الطريق على أية محاولة قد يقوم بها الإمام الفار من تلك المنطقة الاستراتيجية .
|