أمين الوائلي -
صومكم مقبول.. بإذنه تعالى.
> لسبب وجيه بالمرة يهدأ الناس في رمضان من دوشة السياسة والسياسيين ويتفرغون لهموم وقضايا أخرى أكثر وأقرب إلى واقع الحياة اليومية، بعيداً عن أوهام وخيالات الشطح السياسي، والسبب هو أن الأحزاب تغلق دكاكينها خلال هذا الشهر ويغالب أمراء الحرب الحزبية أنفسهم في تعلم فضيلة الصمت، والصوم عن الطعام والكلام الذي يفطر القلب ويُفطر الصائمين!
> ولحكمة إلهية لا تخفى تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، إذا جاء رمضان، كما ورد في الأثر، ولعل من آثار ذلك ما قلناه عن إغلاق الأحزاب لدكاكينها في رمضان، حتى في هذه الجزئية تظهر بركات الشهر الفضيل، وإن كانت ضرباً من المحال إلا أن المرء يتمنى لو أقام رمضان بيننا عاماً كاملاً ربما استشعرنا آنذاك كم هي الحياة رائعة وأخف وطأة بدون أحزاب ولا نضالات من هذه التي سممت الحياة وجعلتنا أشبه بالكائنات المحكوم عليها بالنكد المؤبد!
> ثمة من يتحايل على شهواته ومطامعه في رمضان بطريقة أكثر شهوانية وأوفر طمعاً، فالتاجر الجشع يلجأ إلى تقديم وجبات مجانية وإفطاراً للصائمين في الجوامع وغيرها، ولا يعرف البسطاء الذين يقعون في فخ الوجبة المجانية أنهم سوف يضطرون إلى دفع ثمنها مضاعفاً في اليوم التالي عند ذهابهم إلى السوق لشراء سلعة ما أو مادة غذائية من تلك التي يجلبها التاجر نفسه -فاعل الخير- ويبيعها بأسعار زائدة أو مبالغة.
> وهكذا.. يغدو فعل الخير، في حالة كهذه، نوعاً من التستر والتحايل لتمرير مطامع ومخالفات عديمة الخير والإنسانية!
والبعض يعمد إلى الصدقة -بطرق مختلفة قد تكون دعائية وترويجية أكثر منها صدقة لوجه الله- طمعاً في الهرب من تأنيب الضمير والشعور بالذنب حيال سلوكيات غير أمينة يغلب عليها الطمع والاحتكار والربح غير المشروع في المغالاة والمتاجرة بأقوات الناس وحاجيات المستهلكين البسطاء.
وعلى ما في هذه النوعية من «أعمال الخير»!! من انتهازية وشعور ناقص بالذنب، فإننا إنما نتحدث عن أولئك الذين عادوا يستشعرون فعلياً تأنيباً للضمير أو شعوراً ما بالذنب عند أي مستوى ودرجة، حتى وإن لجأوا إلى التكفير عن الذنب بطريقة لا تخلو من إثم مضاعف، فكيف أنتم -إذاً- بآخرين ما عادوا قادرين أو قابلين لتأنيب الضمير، أو الشعور إجمالاً، بالذنب أو بغيره؟!
> أعجب من ذلك -وأنكأ- تجار وأصحاب «بيزنس» يغالون ويحتكرون ويؤزمون السوق من جهة، وفي الجهة الأخرى يغدقون العطاء والمسميات -خيرية- «جمعيات» أو غيرها، لا أحد يعلم أو يسمع بها إلا في رمضان، ظانين أنهم بذلك يكفرون عن خطاياهم وأخطائهم بحق السوق والمستهلك وبحق أمانة التجارة، هذا كما يبدو في الواجهة وأمام الرأي العام، أما ما وراء الستار وما لا يراءه الرأي العام ولا ابن عمه، فإن الحقيقة تشير إلى أن حتى تلك المسميات من جمعيات وغيرها مملوكة لهؤلاء التجار أنفسهم بطريقة أو بأخرى، فكأن الجماعة يتفقون على أنفسهم زيادة في إغراء النفس وإغوائها وامعاناً في تدوير المصلحة وتزوير الفعل الانتهازي ليبدو خيراً، وليس بخير.
> زد على ذلك أن هؤلاء يتوسعون في التحليل -والتحايل- فما يدفعونه للجمعيات -المملوكة لهم أنفسهم- يجعلونه جزءاً من الزكاة الشرعية الواجبة أو الضريبة القانونية المستحقة، ويقتطعون المبالغ بعد احتساب إجمالي المستحق الشرعي، فلا يبقى إلا الفتات، وهذا يعني أن الحذاقة أو التحذلق تجعل الواحد من هؤلاء -الأخيار- يرمي عصافير كثيرة بحجر واحد أو أقل بانتهازية واحدة و«خيرات»!
> دعونا لا نتوسع في جرح صومنا أكثر وقد يفاجئكم -أخيراً- لو علمتم بأن «الخُبرة» -فاعلي الخير هؤلاء.. أو التجار الذين نتحدث عنهم- هم الحزبيون ذاتهم الذين غلقوا دكاكينهم في رمضان، وفتحوا أبواباً أخرى زائدة على التجارة والمتاجرة، سياسياً أو اقتصادياً، لا فرق!!
> وبعد ذلك وقبله، هم أنفسهم لا يكفون عن تكريه الناس في الدولة والدعاء على الحكومة ولعن الفساد وإطعام الجماهير بيانات فاسدة وخطابات منتهية الصلاحية، ووجبات مجانية -رمضانية -يُقال- يقال بأنها «فعل خير».. وصومكم مقبول.
شكراً لأنكم تبتسمون