أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور -
بعد كل ما لحق بالشعب اليمني كل هذا الأذى والظلم والتدمير والقتل والحصار ولزمن تجاوز العام والنصف، من حقه أن يبتهج فرحاً، وتعلو محياه ابتسامة عريضة ويردد في أعماق ذاته: (إن الله يمهل ولا يهمل)، وأن لكل ظالم نهاية، الله سبحانه و تعالى أمهل آل سعود مدة طويلة كي تراجع حساباتها ، وتحقن دماء العرب والمسلمين في كل بقعة عربية يطالها النفوذ الديني والمالي لبني سعود، و أن دماء و أرواح العرب والمسلمين في كلٍ من العراق ، سوريا ، ليبيا ، تونس، لبنان و اليمن وقبلهم جميعاً الجزائر ، كل هذه الشعوب والأقطار العربية قد أصابها حيفٌ عظيم وظلمٍ شديد، و أن الملايين منها قد تضرروا بشكل مباشر وغير مباشر من سلوكهم الصبياني في تدمير دول وحكومات عربية قائمة منذ عقود خلت ، وتشريد الملايين من مواطني هذه الأقطار من بلدانهم لتركهم فريسة عصابات الإتجار بالبشر ، ولقبهم في لُجج البحر الأبيض المتوسط وخلافه.
المواطن العربي يتابع بإهتمام بداية غرق سفينة بني سعود ، وسقوط حكمه التدريجي في دوامة من التحديات التي تتوالى عليها من كل حدبٍ وصوب ، نعم هذا النظام وحلفائه من بعض دول الخليج قد أدمنوا على التمتع بمشاهدة آلام و جروح الشعوب العربية من خلال النظر إليها من قنواتهم واسعة الانتشار ومن خلال شراء ولاءات وذمم عدد من المرتزقة والمأجورين لتنفيذ أجندة الفكرة الصهيونية التي جزّأت المجزّأ وقسّمت المقسّم كما يقولون ، نعم هؤلاء يشتركون في مخطط إستعماري جديد قديم وهو تجديد اتفاقية سايكس بيكو التي مر على توقيعها 100عام ، وعلى أسس وقواعد تخدم الحركة الصهيونية في مداها الأوسع .
ألم تبحر سفينتهم مُنذ مارس 2015م إلى يومنا هذا في بحار من دماء وأشلاء شعبنا اليمني ، أبحرت فوق دماء الأطفال والنساء والرجال شيوخاً وشباباً ، ألم تتصيد طائراتهم مصانعنا ، مدارسنا ، جامعاتنا ، مساجدنا ، جسور طرقاتنا ، مطاراتنا ، موانئنا ، أسواقنا ، آثارنا ، وكم سأعدد من كل فعلهم القبيح ، ليس لأنهم يبحثون عن سلاح إستراتيجي يخيفه ويدمروه ، وليس لأنهم بلدان ديمقراطية ويروجون لنشرها ، لا لا .. إنهم يسعون لتدمير إرادة وكرامة ومستقبل شعوب هذه الأقطار العربية ، لأنهم و ببساطة ينفذون أجندة أسيادهم في الغرب الرأسمالي المتوحش لتغذية الصراعات السياسية والعسكرية والعرقية والطائفية الداخلية ، و لأنهم جزء أصيل من المشروع الإستعماري الغربي الموجه ضد منطقتنا العربية .
لم يعودوا يسمعوا سوى صدى أصواتهم ، لم يعودوا يستمعوا لصوت عُقلائهم إن بقي فيهم عاقل ، أحاطوا ذواتهم بمستشارين وبطانة لا تعرف غير لُغَة المال والقوة المتوحشة ولهذا هم غرقوا كما أغرقوا بلداننا العربية ، ها هم الآن و إن كابروا يتجرعون بذات طعم الكأس المُر الذي أذاقوه لشعوبنا وأقطارنا العربية ، لأنها حِكْمَة ربانية إلاهية بأن ليل الظلم لا يطول وإن تراءى للظالمين ذلك ، وأن الحق مع الشعوب لا مع هؤلاء النخب التي باعت ضمائرها للشيطان .
مُنذ عام ونصف و أكثر والطغمة العسكرية السعودية تتخبط في البحث عن أهداف إستراتيجية لقصفها وتدميرها ، ولم تجد سوى المدنيين من أطفال ونساء وحتى مرضى في داخل المستشفيات ومن شريحة ذوي الإحياجات الخاصة ، إنها حرب جنونية ليس لها أفق وليس لها مدلول عسكري إستراتيجي ، وتخلوا من أخلاقيات المقاتل الفارس النبيل ، وتتناقض كلياً مع كل القيم والتعاليم الإسلامية التي يرددون مفرداتها من على أعلى منابر المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
في عام ونصف من حرب تحالف العدوان ( العربي ) بقيادة مملكة بني سعود على الشعب اليمني ظهرت المؤشرات الآتية التي شكلت بداية السقوط والتدمير للأسرة وهي :
أولاً :
بداية إنكسار جنودها ووحداتها العسكرية في جبهاتها في الحدود الجنوبية للملكة حيث شهد العالم عبر كل وسائل التواصل الإجتماعي مشاهد مُخيفة لَّهُم لإقتحام متارسها العسكرية وقراها ومشارف مُدنها كنجران وجيزان وعسير من قبل الجيش اليمني وأفراد اللجان الشعبيّة .
ثانياً :
للمرة الأولى في تاريخ المملكة بأن يظهر عجز مالي في موازناتها ، التي قُدّرت بمائتي مليار دولار أمريكي ، وعليه اتخذت سياسات تقشفية مؤلمة على المواطن في المملكة منها أنه تم رفع الدعم عن المشتقات النفطية ، وإقرار رفع الضرائب و الرسوم على العديد من السلع القادمة للسوق المحلية .
ثالثاً :
لأول مرة في تاريخها تنادي الأجهزة الإدارية والإعلامية وحتى كهنة وحاخامات الفرقة الوهابية المُتطرفة بالدعوة لرجال المال والأعمال بطلب التبرع للجيش الذي يقاتل في جنوب المملكة ، تصوروا و كأن السعودية بلد فقير مثل جيبوتي أو السنغال أو السودان تطلب المساعدة عبر التبرع ، إنها لعنة الحرب على السعودية بسبب جارتها اليمن العظيم .
رابعاً :
عجزت العديد من الشركات السعودية العملاقة من أن تدفع مرتبات ومستحقات عمالها وموظفيها لعدة شـهور تجاوزت العشرة أشهر ، وكان السبب هنا هو عجز وزارة المالية السعودية عن سداد مستحقات الشركات ( كمدينه مالياً ) لهذه الشركات وأبرزها شركات سعودي أوجيه التابعة للحريري ، وشركات بن لادن الشهيرة .
خامساً :
السياسة الخارجية السعودية أصبحت محط إدانات عالمية وفقاً للتقارير الدولية بانها مُرتكبة لجرائم حرب في اليمن وتقارير منظمة أطباء بلا حدود (Medecins Sans Frontier) في اليمن و منظمة العفو الدولية (الامنستي Amnesty) و منظمة حقوق الانسـان (هيومن رايتس ووتش Human Rights Watch)، وحتى الامين العام للأمن المتحدة/ بان كي مون أدخلها في قائمة العار باعتبارها قاتلة لأطفال اليمن ، وحتى الصحف العربية مثل رأي اليوم و غيرها ، و الصحف الغربية البريطانية والأمريكية مثل الإندبندنت والجارديان و الواشنطن بوست قد أشارت بموضوعات وأخبار في هذا الشأن وآخرها كانت صحيفة الجارديان البريطانية التي أبرزت بتقرير صحفي حمّلت فيه العدوان السعودي بأن ثلث الضحايا من اليمنيين كانوا بسبب قصف طائرات السعودية على المدن والقرى اليمنية .
سادساً :
ليس هناك ضربة موجعة وُجهت للسعودية وفرقتها المذهبية الوهابية كقرارات مؤتمر جروزني عاصمة الشيشان حينما أجتمع فيها 200 عالماً دينياً من الطائفة السنية الكريمة تتقدمهم مرجعية الأزهر الشريف ومرجعيات حضرموت و زبيد والقيروان كمرجعيات فكرية للمذهب السني ، وجميعهم أقروا بالإجماع إستبعاد (الفرقة الوهابية المُتطرفة ) من مذهب أهل السنة والجماعة ، وبذلك القرار تمت تبرأة أهل السنة جميعاً من فكر الغلو والتطرف والإرهاب ، اليس في ذلك حكمة ربانية إضافية بأن جروح أهل اليمن كانت أحد الأسباب .
سـابعاً :
تابع الرأي العام اليمني والعربي والأجنبي القرار التاريخي الصادر من مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين ليوم الأربعاء بتاريخ 28 سبتمبر 2016م ، والقاضي بإبطال مفعول ( فيتو ) الرئيس/ باراك بن حسين أوباما الذي اتخذه ضد قانون يتيح لأسر ضحايا تفجير برجي التجارة العالمية بنيويورك ، في ما سُمي بحاثة ( ناين إلفن – 9/11) ، وبهذا القرار غير المفاجئ ستبدأ رحلة طويلة من معاناة آل سعود ولن تنتهي إلا بعد أن تتحول السعودية من دولة الرفاه إلى دولة فقيره تقبع في قلب الصحراء وستعود مرة أُخرى إلى من حيث بدأت في صحراء نجد القاحلة ماءً وفكراً وثروةً ، وكما تشير العديد من المصادر ومن ما أورده الإعلامي الكبير / عبدالباري عطوان فإن التعويضات قد تصل الى 3.3ترليرن دولار ، إلا إذا بدلت المملكة كل إستراتيجيتها رأساً على عقب وعادت للحضن العربي والإسلامي بفكرٍ جديد يحترم الآخر وبالذات جاره الجنوبي ربما تستعيد عافيتها .
الخلاصه :
كل ما راهنت عليه الأسرة المالكة في السعودية طيلة الخمسة عقود الماضية تبخر وضاع بين ليلة وضُحاها ، وتجارتهم فشلت على كل الصعد ، وهناك مازال باب واحد مفتوح لأمل إستعادة مكانة المملكة ، وهو الكف نهائياً عن أَذًى محيطها العربي وترك شؤون الغير للشعوب العربية تقرر ما أرادت بإرادتها ، وإلتقاط فرصة السلام الذي تقدم به الرئيس/ صالح علي الصماد - رئيس المجلس السياسي الأعلى بالجمهورية اليمنية بمبادرته للسلام بين اليمن والسعودية على قاعدة الندية والتكافؤ ، وعلى العقلاء في المملكة السعودية أن يستمعوا لصوت الحكمة والعقل القادم من الزعيم/ علي عبدالله صالح الرئيس الأسبق لليمن ورئيس حزب المؤتمر الشعبي العام الذي حددها في كلمته بمناسبة الذكرى الـ 54 لثورة الـ 26 سبتمبر المجيدة .
المثل الحضرمي يقول : اذا كانت التجارة خسارة فترك التجارة تجارة ، وآل سعود اذا تعلموا من هذا المثل وحكمته سيتركون كل حروبهم مع أشقائهم العرب ومع جيرانهم اليمن ، والله يهديهم ، والله أعلم منا جميعاً
? وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ?
محافظ محافظة عدن – رئيس جامعة عدن السابق
[email protected]