عبدالرحمن مراد - يبدو أن النظام العالمي يسعى الى تفكيك نفسه بنفسه من خلال حالة الاحتكاك والتفاعل مع قضايا المجتمع الانساني المعاصر، ولعله بمثل ذلك يكون قد أفصح عن شيخوخته ووصوله الى حالة الكمال التي يبدأ بالوصول اليها التعبير عنها بحالة التضاد والتناقض، وهو الأمر الذي يبدو عليه النظام العالمي القديم، وقولنا هنا بالناظم العالمي القديم يوحي كما تدلُّ الكثير من النظريات والكتابات بالاشتغال والتمهيد للنظام العالمي الجديد الذي تسعى المنظومة الصهيونية العالمية عبر أدواتها في العالم وعبر أنظمتها للوصول إليه.
ندرك كما يدرك الكثير من الحكماء والمفكرين أن النظام العالمي القديم كان يرى في البعد الانساني والحريات والعدل والمساواة والحقوق وفي البعد الاخلاقي وفي التعدد وتنوع الحضارات أدوات في فرض هيمنته وخضوع الأنظمة في الرقعة الجغرافية لشروطه ومقاصده، ومن خلال تلك الأدوات فرض ثنائية الخضوع والهيمنة وأدار العالم وفق شروط المصلحة الاقتصادية والنفع العام، ووصل من خلال تلك الأدوات الى مقاصده، ومثل ذلك أمر لا يمكن الشك فيه فالحروب التي تحدث أو التي حدثت منذ نشأته في القرن الماضي وبالتحديد في منتصفه حملت العنوان الانساني، وهي تخفي تحت إبطها المصالح الدولية كما يحدد معالمها -أي تلك المصالح- صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي وضرورات المجتمعات التي تملك حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، بمعنى أن الدول التي تدير العالم عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمنظمات الإنسانية التابعة للمؤسسة الدولية هي من كانت تدير العالم وهي من تحدد مساراته وتعدل في سياقاته وفق رؤية توافقية تتشابك فيها المصالح وتبدع عالمها بعيداً عن تفاعل الثقافات والحضارات المقهورة كالحضارة العربية مثلاً التي يراها المجتمع الدولي أنها ثقافة جامدة وحضارات غير انسانية كما يبدو من خطابه ومن حركة تفاعله مع الأحداث، ومن تصوراته الذهنية التي ما تفتأ الأجهزة الاستخبارية العالمية تمتّن أواصرها عبر شبكة المنظومة الإرهابية التي تمارس انشطتها في الجغرافيا العربية وتمتد بها اليد الى المجتمعات الغربية لترسم نموذجاً بدائياً قاتلاً ومدمراً ومستهلكاً غير منتج، وهو يحاول تمتين تلك الصورة من خلال حركة العدوان على اليمن وإمعان دول التحالف وعلى رأسها السعودية في انتهاك القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان.
ومثل ذلك العالم يقوم الآن بمرحلة الرصد والتوثيق للجرائم التي يرتكبها العدوان في اليمن وهو يغري نظام آل سعود بالقيام بها من حيث لا يدري كما أغراه من قبل ذلك بهجوم «11 سبتمبر» وهو في المقابل يعمل على توظيف الأحداث والوقائع وفق خطة إجرائية منهجية، كما نرى ذلك في قانون «جاستا» الذي يعمل الآن على توظيف حدث 11 سبتمبر 2001م بعد عقد ونصف من حدوثه، وقانون «جاستا» جاء بالتزامن من العدوان السعودي على اليمن وهو عدوان أمعن في الذنوب الإنسانية والأخلاقية ويملك في رصيده العشرات من الآثام المروعة التي ستكون سيفاً مشهراً ومسلولاً في وجه دول التحالف متى أرادت أن تعيد مراجعة مواقفها في المستقبل القريب أو البعيد، وقد جاءت تلك الآثام والجرائم لتحقق هدفين اثنين، الهدف الأول استمرار سياسة الهيمنة والخضوع وتدفق الأموال الى المصارف الدولية وعدم الخروج عن هذا المسار،والهدف الثاني تفكيك منظومة النظام الدولي القديم من خلال إظهاره في مظهر العاجز أمام الخروقات التي يقوم بها التحالف في اليمن، وقد تمثل ذلك العجز في مسارين، المسار الأول الصمت وعدم الإدانة، والمسار الثاني العجز عن فرض حلول، وثمة إشارات دالة على حالة التناقض كحذف السعودية من قائمة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان بعد إعلانها وتصريحات بان كي مون بشأنها، ويبدو أن النظام الدولي الجديد يسعى الى التفرد واقصاء الدول الدائمة العضوية من خلال تفكيك المنظومة الدولية وإعادة صياغتها بما يتوافق ومصالحه.
ويبدو أن العرب في هذه المرحلة المفصلية أمام حالة تترواح بين الوعي واللاوعي بها، ولذلك فالتفاعل مع المستقبل معناه عدم التشبث بالماضي ومعناه إعادة صياغة المنظومة الثقافية والحضارية بما يحقق التأثير لا الخضوع.
|