شاهد عيان محامي/ محمدالمسوري -
توجهت برفقة الاستاذ محمدالبكولي نحو القاعة الكبرى بشارع الخمسين بالعاصمة اليمنية للقيام بواجب العزاء للأستاذ محمد الرويشان واللواء جلال الرويشان وبقية أسرة الفقيد الشيخ علي الرويشان كغيرنا من اليمنيين الذين بادروا للذهاب لتقديم العزاء.
فكرت في اختيار طريق مختلف لتجنب الازدحام المعتاد في الجهة الغربية للقاعة ولكنني فوجئت بأن الازدحام في الطريق الأخرى أكثر مما توقعت.
وتأخر وصولنا أكثر فأكثر. وكنا على عجلة من أمرنا لنتمكن من أداء صلاة العصر في مصلى القاعة بعد تقديم العزاء لأسرة الفقيد.
أخيراً تجاوزنا تلك الزحمة، ووصلنا إلى مدخل مواقف السيارات بوسط شارع الخمسين الممتلئ بمئات السيارات. كان المعزون حينها يدخلون ويخرجون من القاعة وبأعداد كبيرة جداً لأن العزاء كان ليوم واحد حسبما تناقلته وسائل الإعلام.
في الساعة (20:3 أو25:3) بالتحديد من عصر السبت 8أكتوبر2016م وأثناء قيامي بإيقاف السيارة والاستعداد للنزول منها للتوجه نحو القاعة التي كانت على يسارنا بالضبط. سمعنا صوت انفجار الصاروخ الأول وكان مختلفاً عن الانفجارات التي تعودنا على سماعها يومياً لأننا كنا على مقربة كبيرة من انفجار الصاروخ.. فوراً.. وفي ثوانٍ أو أجزاء منها كان الأستاذ محمدالبكولي يقول أين هذا القصف.
وشاهدنا في تلك اللحظة قاعة العزاء تتطاير في الهواء نحو الأعلى.
موقف ومشهد مرعب بكل معنى الكلمة لا يمكن أن يُتوقع ارتكابه من أي شخص يحمل في قلبه ذرة من الإنسانية.
شاهدنا سقف القاعة يتطاير في السماء محاطاً بكمية كبيرة وكثيفة جداً من الغبار والدخان وهو يرتفع للأعلى أكثر فأكثر. وكانت الأعمدة الحديدية وأجزاء كثيرة من الهنجر (سقف القاعة) تتطاير داخل هذه الهالة الضخمة من الدخان والغبار والتي لم تخلُ أيضاً من أشلاء الشهداء والجرحى.
كانت لحظة ذهول.
تجمدت فيها الدماء في العروق.
أخيراً خرجت الحروف من أفواهنا ومن قلوبنا التي امتلأت حرقة وقهراً وغضباً: (يااا الله) (ياااساتر) (ياااا رب)
كانت أجسادنا خارج القاعة. وعيوننا داخلها تتخيل حجم الكارثة التي ستحل بآلاف المتواجدين داخل القاعة من أهل العزاء ومن المعزين الأبرياء.
تنبهنا حينها إلى كل المتواجدين حولنا وهم ينفرون من محيط القاعة وبشكل عشوائي ودون وعي أو إدراك خوفاً من وصول الصاروخ الثاني والثالث.
وطلب منا وهو ما كان لزاماً عليّ وعلى جميع أصحاب السيارات الموجودة إخراج السيارات من الشارع العام الذي تحول بسبب الازدحام إلى موقف سيارات لكي نسمح لسيارات الإسعاف وسيارات الإطفاء بالدخول إلى ما تبقى من القاعة المقصوفة المتبعثرة بمن فيها من الضحايا الأبرياء.
وفور إخراجي للسيارة نحو الجهة الشرقية للقاعة بعد دقائق يسيرة من القصف الأول وفي الوقت الذي تمكن فيه الكثير من الشرفاء والأحرار المتواجدون من الدخول لإسعاف ضحايا هذه الجريمة التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الجديد والقديم. فوجئنا حينها بالصاروخ الثاني يقصف قاعة العزاء التي أصبحت عزاء لكل من دخل إليها..
وكانت الكارثة الأشد والأعظم.. قصف تلو قصف استهدف الضحايا والمسعفين. وأصبح الجميع ضحايا للعدوان السعودي وحلفائة ومرتزقته.
كانت دموع الكثير تنهمر تلقائياً دموع المقهورين والمغدور بهم. دموع الحسرة والأسف على الأبرياء. كانت الدموع إجبارية وهي تشاهد كما شاهدتم وشاهد العالم تلك الجثث البريئة المنتشرة في أرجاء القاعة وخارجها والجرحى الذين بترت أرجلهم وأيديهم ومعظم أجزاء أجسادهم.
شاهدتم ما تبقى من تلك الجثث المتقطعة والمتفحمة وبأعداد مهولة مازال الكثير منها تحت الأنقاض.
مشهد لم ولن يفارقني..ما حييت. وسيبقى الدم يغلي ويثور ما حيينا. ولن يكفينا حتى القصاص الذي كتبه الله عز وجل منذ الأزل. ولن يشفي غليلنا حق الاقتصاص الذي منحه لنا القانون الدولي الإنساني الذي أقرته الأمم المتحدة.
لن يذهب الشهداء الأبرياء هدراً.. ولن نتخلى عن دمائهم مدى الدهر.
ولاعزاء بعد اليوم.. إلا باجتثاث العدو وأخذ حقنا دون انتقاص. العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص، والبادئ أظلم وجبهاتنا في الحدود..لا توقفوها..
وتوقيفها خيانة لدماء الشهداء والجرحى.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.. وهيهات منا الذلة.
حفظ الله اليمن وشعبه العظيم
السبت 8 أكتوبر 2016م
|