الإثنين, 24-أكتوبر-2016
الميثاق نت -   عبدالله الرويشان -
في الثانية والنصف ظهرًا الثامن من الشهر الحالي.. رن جوالي الخاص اجبت في عجالة كان صهيري صالح
- الو ..
- مرحباً..
- هيا اخي قد تأخرنا من المفترض اننا هناك..
- الآن انا في طريقي اليك خليك واقف برصيف الشارع..
وبعد وصولي اليه تدرجنا مسرعين من جولة دار سلم شارع الخمسين متجهين غربا بنفس الشارع وفي جولة شهران تقاطع الخمسين عكست الاتجاه لاضع السيارة بمواقف الجامعة اللبنانية
أحكمت إغلاقها غير متوقع بأن صواريخ السماء ستحكم ضرباتها وتصب سموم المنايا على مئات الحضور وتغلق آمال واحلام حياة القادمين ..
إتجهنا مترجلين نحو القاعة الكبرى وبعد دخول بوابتها الخارجية دخلنا بوابتها الداخلية دون ان ننتظم بطابور المعزين لاننا من ضمن المستقبلين
وبعد ان لمحت في صف المستقبلين الذين يتقدمهم العم حفظ الله بن علي الرويشان شقيق المرحوم ويليه نجلا المرحوم.. الاستاذ / محمد واللواء جلال بن علي يليهم العم ناجي بن يحيى ثم الاستاذ خالد بن عبدالله ثم عبدالكريم بن علي ويليه زياد بن صالح ويليه اولاد المرحوم الاخوة ناجي وعبدالله وصالح بن علي ويليهم علي بن محمد حفيد المرحوم وشبان آخرون
في وسط الصالة وجدت الملاك الشهيد المرحوم عبداللطيف بن ناجي .. عبداللطيف .. لطيف الكلمة ، لطيف الود ، لطيف الحنان ، لطيف الاخاء لطيف الجود والشجاعة والكرم، لطيف الصمت وعذب الحديث تصافحت معه وهو يقول وين انت الى الآن .. رديت في حشمة واستعداد لاي عمل وانا اقول اعذرني .. وما الذي اعمل ثم اشار لي نحو الاتجاه الشمالي للقاعة وهو يقول اشتيك تهتم لي بهذا الجناح ، وتتفقد تغذية الماء فيه ..
اجبته حاضر الآن اباشر العمل عملت اول لفة على دواوين ذلك الجناح وعدت وقلت له الامور طيبة وكل شيء موفر، كان يحدق بأنظاره شمال وجنوب القاعة ومع ان القوم المتوافدة كانت تأتي بشكل امواج هائلة غير منقطعة لفت نحوي وقال يا عبدالله ضروري نفتح الدور الارضي للصالة الناس بدأت تتضايق والقاعة كادت تمتلئ اذهب احضر لي عضواً من ادارة القاعة وبعد ان اتيت ومعي احد موظفي القاعة أشرت الى عبداللطيف وانا اقول للموظف اسمع للشيخ وما يريد منكم وفي صوت منخفض ونحن وسط القاعة بالضبط وانا على بعد ما لا يزيد عن مترين منهم وهو يوجه للعامل ما يجب ان يعمله وخلال ثانية واحدة لم اجد نفسي الا وانا ارتفع للهواء ثم سقطت على وجهي تتطاير الاشلاء وترتفع الاصوات وتتعتم الصالة بالظلام الدامس لم اعرف اين اتجاه الباب ولا اين اتجاه شمالها من جنوبها كانت النيران تلتهب بكثافة والاصوات ترتفع بهولٍ شديد وانات مؤلمة ، تتفاوت الناس هروباً بازدحام متخبط، واغلب ما كنت اسمع من يرددون الشهادة ومنهم من يصيحون صيحة موتٍ محقق قائلين انقذونا ،، وقد رأيت منهم مَن قُطِعت ساقه وآخر يده واخر تنتثر بطونه وامعاؤه وآخر يحرق الغاز جسمة ووجهه ونحن في تخبط وتصادم وارتباك نبحث عن مكان البوابه رأيت ملامح ضوء بدأت تظهر اتجهت مسرعاً نحوها معتقداً انها بوابة القاعة وكانت قدماي تشن دماء وبكثافة وبالتحديد خلف معطف الرجل اليمنى وانفاسي تكاد تختنق من غازات سموم الصاروخ.. وصلت الى قرب المخرج لأتفاجأ انها فهوة انفجار الصاروخ وفي تزاحم شديد وبعد ان اشرفت على شرفات ذلك المخرج وجدتها ضاحة على ارتفاع طابقين اي اثني عشر متراً تراجعت عن السقوط بعد ان رأيت من يسقط تجلخه اكوام الحديد الذابحة بل والبعض يسقط فوق الآخر او قد يسقط فوق سيارات كبار الضيوف التي بدأت تحترق ،، كنا نسمع النجدة ومكبرات الصوت ينادوننا اسرعوا في الخروج الصاروخ الثاني قادم الصاروخ الثاني قادم..
هنا لم استطع السقوط وهنا ايقنت فيما بعد ان قراري كان صائباً عدت الى جهة شمال شرق القاعة ووجدت ان المسافة بارتفاع طابق واحد، ارتميت بإتقان ووصلت بحمد الله دون اي كسر في قدميّ وانحدرت صوب بوابة حوش القاعة الخارجية لأتفاجأ بمضخة كبيرة ومولدات كهرباء القاعة بالاضافة الى خمسة براميل ديزل تعتلي الجدار المستندة اليه تلك المضخات لم يكن بي إلا ان تسلقت في ذلك المولد العملاق وتبهوست قدماي من حرها لارتمي الى رصة البراميل الديزل المجاورة ثم على شرفات الجدار وبخطوات ممدودة ممطوطة ارتميت الى البوابة الخارجية لحوش الصالة وهنا كانت قدماي المدميتان المحروقتان المبهوستان تعتقدان انهما قد وضعتا على ابواب الجنة ناجيتين من جحيم الاجرام الانساني المأساوي الجبان الذي لا يُنسى ..
قبل ان اقطع شارع الخمسين كنت اشعر بأن جمجمة رأسي تتوسع وتنتفخ كبالونة ضخمة تكاد ان تطير ويسيل الدم من جرح فخذي الايمن بسيلان لا يكاد ان يتوقف والهبوط يزداد ومن هنا بدأت افقد الوعي، اتذكر انني على مشارف شارع الخمسين بعد خروجي من البوابة الخارجية للقاعة بعشرين ثانية سقط الصاروخ الثاني والتفت نحو القاعة عند ارتفاع اصوات صاخبة وكان الامر امامي كحلم بالمنام غير واقع لم اعرف اين انا ولا ادري ما اسمي ولم استحضر شيئاً دخلت شوارع تلك الحارة المقابلة للقاعة ورأيت الناس تسعف بعضها وتنقذ جرحاها وكأنني غير ما هم فيه ،، رأيت شاباً واقفاً على ابواب فيلتهم وهو ينظر الي كان يقول تحتاج اسعاف تحتاج شيء اشرت له ماء ماء دون ان انطق احتضنني وادخلني حوش بيته كنت انظر اليه وانا كالطفل الذي لا يتجاوز عاماً او كالبليد او المجنون صديق براميل القمامة غير اني اتميز عنهم بالدماء التي لطخت ثيابي الممزقة ..ظهرت حرمته من باب البيت اظنها والدته مذهولة مذعورة صائحة يا اااااالله وهو يقول لا تخيفيه هو بخير اسرعي لنا بما، ورباط اربط جروحه لم اتحرك ولم استطع التكلم كنت انظر اليهم وهم يفتحون فمي ويسقوني ويحاولون ربط جراحي فتوقف قليلاً ذلك النزيف ثم اوقف لي سيارة تسعف حالتين مغمي عليهما كان اقرب مشفى الينا هو اللبناني جوار مسجد التوحيد اقرب مسجد من مكتب العمل ادخلوني الى باب المشفى وكان دكتور الطوارئ يقول ليس لدينا مقاعد أخرجوهم ثم اخرجوني للرصيف وقفت غير واعي كنت مبلوداً وبالصدفة كان زميل العمل عبدالمنعم حاضراً هناك يقول عبدالله انت عبدالله ولم آبه لكلامه غير متذكر له، ظهر العم نجيب رعاه الله يقول هاه عبدالله ما بك رأيته ولانه من اقدم زملاء العمل احتضنته وبدأت ذاكرتي تتحرك قليلاً ووعيي يعود تدريجياً كنت اقول له اين انا ما الذي يحدث قال لا تخف انت هنا انت بخير ..
كان الوعي يذهب ويعود كنت اقول له لا تتركني لا تغادرني وهو يقول لا تخف انا معاك
لم اعرف إلا وانا بسرير مشفى الموشكي.. حظر فواز واكرم وعبدالمنعم اخوة العمل يطمئنوني انت بخير رأيتهم فذرفت عيناي دون انقطاع.. كان ذلك دموع الرجال دموع الصمود دموع قهر الرجال الذي لا يأتي بعده إلا النصر والعزة والكرامة والشجاعة والوطنية دموع إخوتي التي لم تلدهم إمي ونخوة اليمنيين ..
لقد كانت براكين من نيران لا ترحم ..
ولقد احترت في نقلها وكتابتها وحاولت جاهداً متسائلاً كيف اكتبها.. وكيف انقلها؟!.. لقد كان حدثاً ظننت انه حديث الغاشية ،، كان الفرار فيه كفرار المرء من ابيه وصاحبته واخيه وفصيلته التي لا تستطيع ان تنجيه..
جنبكم الله واهاليكم كل مكروه ورحم الله الشهداء وشفى الله الجرحى ..
وحمداً لله على سلامة من نجا..
14/10/2016م

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:28 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-47685.htm