الميثاق نت -

السبت, 19-نوفمبر-2016
عبدالرحمن مراد -

< منذ بدء العدوان على اليمن، والطيران يحوم بشكل مستمر على أماكن بعينها فهو في صنعاء لا يكاد يبرح عطّان ونقم والحفا، وفي مأرب لا يكاد يغادر صرواح حتى يعود إليها، وفي حجة التي تعرضت مدنها الحدودية وخاصة حرض وميدي الى حركة تدمير شاملة إلا أنه لا يكاد يبرح منطقة «الخذالي» بمديرية كحلان عفار.. الموضوع في ذاكرة العدوان ليس محصوراً في دائرة الاستراتيجيات العسكرية، ولكنه كما يبدو لنا يتمحور في بُعدين أساسيين هما: الانتقام من المكان، ومن التأريخ، ومن الإنسان، من المكان باعتباره الحامل للموضوع والمضمون التأريخي، ومن التأريخ باعتباره هو القوة المحركة والقاهرة للعدوان، ومن الإنسان باعتبار يقظته وبأسه في مواجهة كل التقنيات والأسلحة الحديثة، وأما البعد الثاني فهو الفراغ الذي يشعر به نظام آل سعود، وخلو حيزه الوجودي من المفردات المعززة للهوية المكانية والتأريخية والحضارية، كما أن النظام لا يستند الى مقومات الامتلاء الوجودي ومن عناصره الحيوية بل كاد ينحصر في دائرة التعويض المادي، ولذلك تحركت الأموال كي تعوض تلك العناصر، ويبدو أن النظام العالمي الجديد، الذي سوف تتضح معالمه مع هلال العام الجديد 2017م، قد أوضح موقفه من حركة المال في التأثير على السياسات العامة العالمية، فترامب أبدى في رده على الوليد موقفاً واضحاً حين قال: «أيها الأمير البليد تريد التحكم في سياسات الولايات المتحدة، بفلوس أبوك، لن تستطيع ذلك عند انتخابي رئيساً»، وعزز هذا التصريح أو الموقف بآخر حين قال: «السعودية بقرة حلوب، حين يجف ضرعها لن نقف معها»، وحين قال في مكان آخر: «على السعودية أن تدفع مقابل حمايتنا لها» وبتركيب هذا التناقض في التصريحات في ظل المناخات التي أنتجتها، وهي مناخات تنافسية انتخابية، نجد أن جوهر الموقف لن يتعدى الصدق الموضوعي في رد ترامب على الوليد، فالقضية هنا هي قضية وجودية، وهي تأخذ بعداً جدلياً بين طارئ لا و سيلة له إلا المال، وبين عمق تأريخي وجذر حضاري، وهذه الجدلية لن تكون في مصلحة نظام كان طارئاً وفرضته ضرورات تأريخية وسياسية وهو الآن يعيش فراغاً وجودياً ويعيش عدماً، ولذلك كان عداؤه للحضارات القديمة التي تحيط به كالبابلية في العراق، والآشورية والكنعانية في الشام والحميرية والسبئية في اليمن.. والمتأمل في نظام آل سعود وفي حركته في الجغرافيا المحيطة يجده يعبر عن عداء شديد لكل المظاهر الحضارية والتأريخية، ولذلك ليس بمستغرب أن يستهدف منطقة «الخذالي» في كحلان عفار باعتبارها آية حضارية حديثة، يقف المرء حين يصلها في ذهول وخشوع وهو يتأمل المكان ومغامرة الإنسان في صميم الصخور الصلدة، وكيف استطاع أن يتعامل مع الطبيعة في وعورتها وصلادتها وفي الهيئة المرعبة والقاهرة التي تشكلت بها، والذين ينكرون مثل هذا التفسير عليهم أن يتأولوا لنا الهدف الحقيقي من وراء استهداف الأماكن التأريخية في اليمن وفي العراق وفي سوريا، والهدف الحقيقي من وراء تواتر الغارات على منطقة الخذالي باعتبار تلك المنطقة طريقاً ومنتجعاً ومتنفساً وملاذاً للنفوس التي تعشق القمم وتأبى الحفر والقيعان والوديان السحيقة، لا هدف للسعودية سوى التعبير عن الحالة النفسية والنكوص الحضاري والفراغ التأريخي، وهي تفصح عن هوية غير مستقرة ثقافياً ولا اجتماعياً من خلال جملة التفاعلات مع إسرائيل وأمريكا وبريطانيا، ومثل ذلك الدوران في فلك المنظومة الثقافية ليس أكثر من تعويض عن قوة حقيقية في الواقع تفقدها في المعنى وفي الهوية وفي الانتماء، أي أنها تبحث عن امتلاء موازٍ يعادل ما تعيشه من عدمية حقيقية وإن تشدقت بالحضور والقوة، إلا أنها تشعر أن قدم الجندي اليمني أكثر ثباتاً وقوةً وبأساً من قدم الجندي السعودي الذي يلبس البيادة، ثم لا يجد تحت بيادته إلا أرضاً رخوة سرعان ما تتهاوى وتعلن عن عدميتها وهوانها وما تفتأ حتى تولّي الأدبار، وربما كانت المشاهد التي يبثها الإعلام الحربي اليمني شاهدة على صدق ما نذهب اليه من قول.
لقد تواترت الغارات على «الخذالي» وعلى اليمن كله، لكنها لم تفت من عضد الإنسان اليمني لأنه يقف على أرض صلبة ذات عمق حضاري وتأريخي.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:11 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-47929.htm