عبدالرحمن مراد - في العاصمة العمانية مسقط تم التفاوض وصدر بيان من وزارة الخارجية يتحدث عن اتفاق لوقف العدوان على اليمن، ووزير خارجية أمريكا أعلن بنود الاتفاق في تصريح صحفي.. الموضوع من حيث المبدأ لا غبار عليه، وإن كان التفاوض والحوار من طرف سياسي بعينه، إلاّ أن الطرف الآخر سارع الى التأييد والترحيب بالمتفق عليه، مؤكداً على سد بعض الثغرات التي تجاوزها الاتفاق كالوحدة الوطنية، والسيادة، وعدم التدخل في المسار السياسي اليمني من أي طرف ورفع الحصار وعودة العملية السياسية الى مجراها الطبيعي، وكان اتفاق مسقط لا يتجاوز اتفاق ظهران الجنوب بين المملكة والحوثيين، فالسعودية كانت تحرص على حصر الحرب في الجغرافيا اليمنية وهي تسير في نفس المسار في اتفاق مسقط، وقد خرج ناطقها العسيري -وفق بعض المواقع الالكترونية- يقول إن التحالف غير معني بما تمَّ بين كيري والحوثيين ويؤكد أن حكومة هادي لم تطلب من التحالف وقف العمليات العسكرية، وهي مراوغة حظها من الحمق والغباء أكثر من حظها من الذكاء، ذلك أن الشارع العربي يدرك أن التحالف والسعودية لا تتجاوز الخطوط المسموح بها وهي غير قادرة على امتلاك القرار أو المبادرة لصنع لحظة جديدة، فبمقياس التحولات في البيت الأبيض هي مضطرة الى إنهاء تفاعلات الملف اليمني، وبمقياس الميدان العملياتي العسكري تتكبد السعودية وعملاؤها خسائر فادحة وتسقط مواقع وثمة تقدم في الجغرافيا التي تحت سيطرة المملكة من الأراضي اليمنية المحتلة سعودياً، وقد نضيف في هذا الاطار انكشاف الغطاء السياسي والإعلامي عن كثير من الجرائم والتجاوزات للقوانين الدولية مما جعل العالم أمام سؤال أخلاقي في غاية الإصرار على محاكمة الضمير الإنساني العالمي.
ما أثار الانتباه في تصريحات كيري هو تجاوزه للأدوات التي كان يستخدمها التحالف كذريعة لفرض ثنائية الهيمنة والخضوع على القرار اليمني، وهو الأمر الذي شكل نكوصاً سياسياً وأخلاقياً ووضع جماعة العمالة والارتزاق في الخانة التراتبية الأضيق، فيما يتشابه مع حالها من العمالات والخيانات الوطنية في كل تحولات الأحداث وسياقاتها التاريخية، وقد تواترت بعد ذلك الاخبار والأنباء المصنوعة والتي كانت تهدف الى إحداث حالة التوازن النفسي للعملاء وقد ظهرت صناعتها وظهر زيفها وكذبها من خلال ما وقعت فيه من تناقض، فالذين تحدثوا عن وصول مساعد وزير الخارجية الأمريكي للرياض للاعتذار لهادي وزمرته، خرجوا هم أنفسهم ليقولوا إن مساعد وزير الخارجية جاء ليقول لهادي مفردات الخطوة القادمة ويضع حداً واضحاً لكل الذي مضى، وقد سارعت مواقع الاخوان والمحسوبة عليهم والتي تؤيد هادي وزمرته الى فبركة خبر عن اعتذار كيري لهادي، وقد جاء تصريح العسيري ليصب في تماسك جبهتهم في الداخل خوف الانهيار قبل الوصول الى خطة إجرائية تضمن سلامة التنفيذ لما تمَّ الاتفاق عليه، وهدف العسيري كان مزدوجاً فهو ينظر الى جنوب المملكة بنفس القدر الذي ينظر به الى الجبهة اليمنية الداخلية، ذلك أن معنويات الجندي السعودي أضحت تحت الصفر وقد يسارع الى فتح ثغرات ينفذ منها الجيش واللجان الشعبية، أما الاخوان الذين كانوا يتوقعون -كما تدل المؤشرات- أو كانوا يحسبون حساب لحظة الاتفاق، فقد سارعوا الى تحقيق قدر من الحضور في تعز في جبهة القصر والجحملية، فكان السقوط الأخلاقي يسابق وهج القدرة على التأثير في مسار الأحداث، لذلك كان دخولهم الجحملية هزيمة نفسية وأخلاقية وثقافية، وبالتالي هي هزيمة سياسية في المقام الأول وقد بدا لهم الانتصار كالسراب الذي يحسبه الظمآن شيئاً حتى اذا جاءوه تناثر ذرات من الهزائم المتوالية والتي قد تستمر لقدرتها على الاستمرار والديمومة.
ما أخلص الى قوله هو أن الحرب بدأت تضع أوزارها سواءً شاء هادي والمخلافي والاخوان أو رفضوا فقد بلغت أمدها الذي أراده الله لها في التدافع وقد امتاز الناس وتمايزوا، ووضع كل فريق نفسه في المكان الذي يريده، ومثل هذا التدافع الذي حدث هو من سنن الله في كونه ليميز الخبيث من الطيب ودفعاً للفساد الذي كاد أن يعصف بكل شيء في حياة الناس وهو في سياقه العام ابتلاء حتى يعود الناس الى الله، والى قيم الحق والخير والعدل والسلام.
|