محمد علي عناش - جبهتا حرض وميدي من أكثر جبهات العزة والشرف سخونة وصموداً إلى درجة كبيرة تفوق التصورات وتعجز الأقلام عن أن تصف ما يدور هناك من تفاصيل وحكايات يومية مذهلة وخرافية، وملاحم أسطورية في الفداء والانتصار للقضية النبيلة والمبدأ السامي، ومن ثبات الجيش اليمني واللجان الشعبية طوال«600» يوم في مواجهة الباطل بكل ما يمتلكه من امكانات وسلاح حديث، ثبات لا نبالغ أن قلنا إن مصدره طاقة إيمانية كبيرة وهائلة، بعدالة القضية وحتمية الدفاع عن كل ذرة من ذرات اليمن، مايزال يجهلها العدو السعودي المتعجرف وتجهلها قيادات المرتزقة الذين يدفعون بالآلاف من المنافقين والسذج إلى محارق يومية في صحراء شاسعة هي الأخرى باتت تكره الخيانة وتشمئز أن يطأ رمالها مرتزق.. «600» يوم من العدوان الهمجي والغارات الكثيفة بمختلف الطوائر الحربية الحديثة والأباتشي التي غالباً ما تكون مصاحبة للزحوفات التي لا تنقطع رغم مرارة الهزائم والخسائر وحجم الاستنزاف البشري الهائل لقطيع المرتزقة، من أجل أن يجد له العدو السعودي ومرتزقته موطئ قدم في هذه المساحة كحلم استراتيجي بائس وحقير، غير مبالين بفداحة النتائج ولا بمصير المئات من جثث قتلاهم التي تُترك في الصحراء، البعض منها لا تجد من يواريها سوى بطون الكلاب الشاردة.. هوس العدو السعودي وإفراطه في استنزاف أمواله وأخلاقه وإنسانيته، وجنون السلطة وشهوتها لدى قيادات العمالة والارتزاق، تتجلى في أكثر من ثلاثين ألف غارة على حيران وحرض وميدي والقصف الذي لا يهدأ من قبل البوارج بما فيها البوارج الأمريكية، وأكثرمن مائتي زحف، لكنهم لم يتمكنوا من أن يحققوا لهم موطئ قدم هناك، سوى صناعة الوهم في الإعلام الذي غدا مسخرة واحترافاً لممارسة الفضيحة وتسويقها، خاصة عندما يكون حديثهم عن أنتصار في حرض وميدي، لأن المسافة بينهم وبين الحقيقة شاسعة ومخجلة، باتوا يشعرون بمرارتها ويلمحون عن صعوبة تواجههم هناك، لأن المعركة في هذه الصحراء فيها مكاشفة ووضوح إلى درجة كبيرة، هو وضوح القضية ووضوح الثبات والاستبسال ووضوح فارق الإمكانات العسكرية والمادية، ثم وضوح الانتصارات الميدانية التي يسطرها الجيش واللجان الشعبية، مقابل وضوح الهزائم والخسران والخزي والعار لجموع المرتزقة، وبالتالي لامجال هناك لإبداع الفوتشوب والابتعاد عن الحقائق وصناعة الوهم، لاشيء هناك يعكس ثمة انتصاراً للعدو ومرتزقته كما تروج له العربية والجزيرة وقنوات المهلكة نقلاً عن خبير الخيانة والخزي محسن خصروف، بقدر ما يعكس حجم انحطاط العدوان السعودي وحقارة مرتزقته وسقوطهم الأخلاقي، يتجلى في مشاهد الدمار الهائل والكلي الذي هناك وكأنها مشاهد حرب كونية دارت هناك.. فبدءاً من مثلث الجر بمديرية حيران تتلاشى الحياة وتختفي الحركة، فقط تتجلى مشاهد الدمار في أبشع صورها تحكي في صمت عن مستوى كبير من همجية العدو السعودي وحقارة حربه العبثية، الذي أغار بعشرات الآلاف من صواريخه وقنابله على كل شيء على امتداد الطريق الأسفلتي التي هي الأخرى كانت هدفاً لغاراته التي استهدفت الجسور والكباري لتصبح أثراً بعد عين مدمرة وممزقة، بيد أن الصورة الأكثر بشاعة هي مشاهد الدمار الكلي لمدينة حرض التي أحالها العدوان الى مدينة أشباح إلا من العيون الساهرة التي تذود عنها وتعيق بكل بسالة وشرف مرتزقة العدوان أن يمروا من هناك كي يسلموا اليمن للمحتل ومملكة الإرهاب.. صارت مدينة أشباح بعد أن كانت مايشبه سنغافورة مصغرة في اليمن تعج بالحركة وتثب بقوة كمدينة تجارية وسياحية واستثمارية تنمو بشكل يومي وتستقطب الآلاف من الأيادي العاملة.. هذا هو الانتصار الذي يقصدونه ويتغنون به، وهو انتصار الواهم والمهزوم والمبتذل المتجرد من كل القيم والأخلاق، بينما الانتصارالحقيقي هو ما يصنعه الأبطال وأحرار اليمن في بيداء الشرف وتحت حرارة الشمس وهدير الـ«f16» وأحدث طوائر الأباتشي ومختلف الأسلحة الثقيلة.. المعركة في جبهتي حرض وميدي أرهقت العدو السعودي ومرتزقته واستنزفتهم على جميع المستويات، رغم فارق الإمكانات العسكرية والمادية لصالح قوى العدوان والارتزاق، غير أن هناك فارقاً في الإمكانات الأخرى لصالح المدافعين عن وطنهم وشعبهم وكرامتهم، هي الإمكانات الأخلاقية والإمكانات المعنوية والروحية النابعة من عدالة القضية المحفزة على الصمود والاستبسال وصناعة الانتصار.
وهي عوامل مهمة وجوهرية في صناعة الانتصار لليمن في معركة العزة والقضية العادلة، أكثر من عوامل الإمكانات التسليحية والعسكرية، ولقد رأينا ذلك جلياً بشكل عام في جميع الجبهات إلا أنها في جبهة ميدي تجلت بشكل خاص طوال فترة «600» يوم من العدوان والتحشيد والزحف والغارات، مقابل «600» يوم من الصمود والثبات وصنع الملاحم والانتصارات الأسطورية التي سيخلدها التاريخ في أنصع صفحاته، في صحراء قاحلة استأنست وبشكل حميمي بأحرار وشرفاء من هذا الوطن يواجهون خونة ومرتزقة من هذا الوطن باعوا أنفسهم ووطنهم وكرامتهم لعدو غاشم ومجرم، حتى صارت الصحراء تكره الخيانة وهذا الصنف من البشر وتساهم بقوة خفية في تحقيق الانتصارات المذهلة على رمالها والتي يتداولها الناس بفخر ويصفونها بالمعجزة.. «600» يوم في جبهة ميدي ليست أياماً عادية وإنما استثنائية وحافلة بالكثير من التفاصيل الدقيقة والحكايات العميقة والمحسوبة بالساعات المليئة بالدهشة والمعاني العظيمة، التي تستحق ان نصفها ونسردها ونؤرخها بشكل لائق، كي نعبر عن حقيقة جوهرية مفادها أن النصر وتاريخ اليمن العظيم مَرَّ من هنا من ميدي.
|