أحمد غيلان -
نتفق جميعنا أن اختيار النهج الديمقراطي يعني أوَّل ما يعنيه الاعتراف بحقوق الناس السياسية وحريتهم في ممارسة تلك الحقوق على الوجه الذي يرونه ملائماً لأفكارهم ورؤاهم وتوجهاتهم وعبر الأطر والأشكال والتكوينات المنظماتية المعلنة التي حازت الشرعية الدستورية واعترفت بها المؤسسات المعنية بتنفيذ القوانين ذات الصلة بالعمل الحزبي أو التنظيمي أو الجماهيري..
^ وعلى أساس من ذلك يغدو من الإجحاف والزيف والارتداد عن النهج الديمقراطي الانتقاص من حق أيٍّ كان في أن يعبِّر عن رؤاه وأفكاره وتوجهاته وتطلعاته وهمومه ومعاناته بأية طريقة من طرائق التعبير المشروعة، سواءً أكان ذلك بالقول أو الكتابة أو تنظيم الفعاليات والمهرجانات والمسيرات شريطة أن يتم ذلك في إطار القوانين والتشريعات المنظمة لذلك.
^ وحين نتحدث عن القوانين والتشريعات المنظمة لممارسة الحقوق السياسية فإننا نتحدث عن تلك التشريعات التي تحفظ الحقوق وتصونها لجميع المواطنين حكاماً ومحكومين.. وهي ذات التشريعات التي تمنح أصحاب الحقوق والمطالب والمظالم حق المطالبة بحقوقهم المشروعة والدفاع عنها بطرق ووسائل مشروعة أقرها ونظَّمها القانون، ومنها على سبيل المثال التظاهرات والمسيرات والاعتصامات وغيرها من الفعاليات ذات الطابع الاحتجاجي أو المطلبي وهي فعاليات تكتسب مشروعيتها من القوانين التي ترجمت وفصَّلت كيفية واشتراطات الممارسات التي تجسد النهج الديمقراطي..
^ وحين تكون الحقوق مكفولة بتشريعات نافذة وأساليب انتزاعها أو الحصول عليها أو المطالبة بها مفصلة في تلك التشريعات فإن الجميع ملزمون بما جاءت به تلك التشريعات التي يعد القفز عليها أو الخروج عنها أو تجاوزها جريمة يعاقب مرتكبها فضلاً عن أن تجاوز القوانين والأساليب المشروعة في المطالبة بالحقوق يثير الشكوك حول مشروعية تلك الحقوق التي تتحوَّل إلى مجرَّد شماعات لاقتراف الأخطاء ووسائل للزيف والابتزاز والمزايدة حين يجعل منها البعض حقاً يراد به باطل..
^ نقول هذا ونحن نتابع ما شهدته بعض المدن والمحافظات من فعاليات وتظاهرات رُفعت فيها شعارات ومطالب بعضها تتعلَّق بحقوق المتقاعدين وبعضها الآخر تندد بالغلاء والفساد والممارسات التي يرى البعض أنها غير مشروعة.. وليس لأحد الحق في أن يعترض على المطالب المشروعة أو الرؤى الناقدة لأي فعل غير مشروع أو يضر بمصالح الناس أو يؤثر سلباً على معيشتهم واستقرار حياتهم، لكن المرفوض وغير المبرر وغير المعقول أن تتحوَّل تلك المسيرات والمظاهرات والفعاليات إلى أعمال شغب وفوضى ودمار، ووسائل للاعتداء على حقوق الآخرين وأرواحهم وممتلكاتهم، وذرائع سخيفة لقطع الطرقات وممارسة أعمال العصابات والقراصنة والنهابة والمخرِّبين..
^ ولنا شواهد على خلط الحق بالباطل فيما حدث للمواطنين الآمنين وأصحاب المحلات والباعة المتجولين والبساطين من اعتداءات ونهب في مدينة المكلا وفي عدن وما شهدته مدينة الضالع من أعمال قطع الطريق الآمنة، وغير ذلك من جرائم الفوضى والشغب والتخريب أثناء وعقب المسيرات المظاهرات التي بدأت سلمية مطلبية وانتهت فوضوية عبثية تخريبية إجرامية مورست خلالها أعمال وسلوكيات محرَّمة ومجرَّمة في تشريعات الأرض وشرائع السماء..
^ لقد ارتضينا الديمقراطية والحرية المكفولة في دستور البلاد وقوانينها، ولنا وعلينا- ونحن نمارس الديمقراطية- أن نلتزم بالقوانين التي كفلت حقوقنا دون المساس بحقوق الآخرين المكفولة بذات القوانين، وما عدا ذلك فإننا نشرِّع للفوضى.. والتشريع للفوضى عدوان على الديمقراطية التي ننعم بها ونزايد عليها.. وما لم نضع حقوق الآخرين- أفراداً وجماعات ومجتمعاً- نصب أعيننا ونحن نطالب بحقوقنا فإننا كمن يحاول أن يعلم الناس الأدب وهو غير مؤدب..
وفي كل الأحوال فإن الديمقراطية والحرية لا تلغيان حقوقاً ولا واجبات ولا تعنيان الفوضى..