أمين الوائلي -
تخلُّف أحزاب سياسية عن لقاء موسَّع دعا إليه رئىس الجمهورية يعني أكثر من مجرد عدم حضور أو امتناع عن المشاركة. ذلك أن الدعوة لم تصدر عن جهة مضيفة أو شخص عادي حتى يمكن القول أن الأحزاب المتخلفة لم تحضر وكفى. كما أن الدعوة لم تكن تشير إلى عزومة -مثلاً- أو مأدُبة ما، لأن الاجتماع حدد له نهار الاثنين والوقت رمضان.. أي أن الصيام يحول دون إكرام الجماعة. إضافة إلى ذلك فإن رئىس الجمهورية سبق ووجّه بإنفاق مخصصات المآدب الرمضانية الرئاسية والمساعدات الأخرى على الفقراء والمحتاجين - وهذا لا يشمل الأحزاب وقياداتها بكل تأكيد، وإن كان في الأمر ما فيه من الاختلاف معهم حول وجهة النظر هذه! > فإذا تخلفت أحزاب عن تلبية دعوة من رئىس الجمهورية إلى لقاء، ليس عزومة ولا مأدبة ولا ما شابه، فإنه بذلك تسجل موقفاً في خانة الغياب المتعمد كأسلوب لمواجهة استحقاقات وطنية وسياسية هي من صلب واجباتها ومهامها.. ومن ذلك الحوار، والتنكر لمقتضيات الشراكة بين السلطة والمعارضة، وهذا يأتي بخلاف ما درجت عليه هذه الأحزاب في خطاباتها وبياناتها من التباكي الدائم على الحوار والشراكة في سائر الأيام والليالي. حتى إذا وقعت الواقعة ونصبت مائدة الحوار قالوا: لا.. لا، كنا نريد مائدة أخرى ليست هذه بالمطلق!! > دعوة رئىس الجمهورية كانت واضحة، ومقتضبة، ومركّزة في الإشارة إلى موضوعها ومضمون الدعوة، التي أنها لم تتجاوز أربعة أسطر وتداولتها الصحف والمواقع الإعلامية طوال أربعة أيام. وكانت تحدد دعوة رئىس الجمهورية قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية - أو أمناء العموم إلى لقاء للتناقش والحوار حول القضايا الوطنية في إطار «جدول عمل مفتوح». > المشكلة هي أن هذه تحديداً ما أفقدت الأحزاب المتخلفة رشدها وجعلتها تحجم وتمتنع عن الحضور، أعني كونها دعوة مفتوحة لحوار مفتوح. وعهدنا بالأحزاب هذه أنها لا تريد حواراً مفتوحاً بالمرة، كما لا تقبل بدعوة مفتوحة للجميع. فهي معتزة -أو قل مغترة- بنفسها حد النرجسية.. ولا تعترف بالآخرين زاعمة أن ما عداها ليس إلا «كومبارس» وهي وحدها البطل، وقد فعلت ذلك مراراً، ولا تزال. حيث تشترط حواراً - أقل من وطني، وأضيق من «مفتوح» يقتصر عليها وحدها. ولا أفهم لماذا هذه الحساسية المفرطة - والمرضية - تجاه الآخرين في الساحة؟ فإذا كانت الأحزاب متأكدة من أن الآخرين «أصفار» بالفعل، أو أنهم لا يمثلون رقماً، فلماذا تخافهم وتهاب الجلوس إلى جوار أصفار أو من ليس برقم؟! ولماذا لا يتم إثبات ذلك عملياً وإحراج الجماعة الكومبارس في النقاشات والأفكار؟! من جهة ثانية، هناك ما يشبه الرهاب الفكري والسياسي لدى البعض من حكاية «حوار مفتوح» هذه إما لتجارب تفيدنا أن البعض يتشدق علناً بالحوار وقضاياه العامة والوطنية، فيما خلف الكواليس تدار قضايا أخرى لها علاقة بأشياء «خاصة» وخاصة جداً لا علاقة لها بالعامة ولا الأقل عمومية! > لطالما قيل أن الحوار هو السبيل الأمثل لمعالجة القضايا والمشكلات وفق رؤية توافقية ترجّح المصلحة العامة والجماعية، وبعيداً عن لغط البيانات والمشادات الكلامية والمناكفات الإعلامية والكيد السياسي. لكن ذلك كله غير كافٍ من دون عقول الأحزاب وقياداتها، لأن الحوار من دون العقول يبقى نوعاً من المماحكة والمحازات، وخصوصاً العقول المفتوحة أو المتفتحة. ويمكننا هنا تذُّكر: لماذا يخشون -أيضاً- حواراً مفتوحاً!. > الذين تخلّفوا عن لقاء الاثنين الماضي تحالفوا ضد أنفسهم تماماً وقدّموا إثباتاً جديداً ومجافياً على استخفافهم بقيم الديمقراطية الملتزمة. لأن الهروب من جلة حوار يترأسها رئىس الجمهورية، يحتمل أكثر من تأويل وتفسير، ليس إلا أقلها مرارة هو أن أحزاباً كهذه تبحث عن صفقات ومقايضات بينية -مغلقة- برغم جميع مظاهر الشغب والصخب والغبار الذي أثارته خلال أسابيع مضت باسم الحوار والشراكة والقضايا العامة. العجيب -فوق ذلك- هو ما تضمنه بيان تبريري عن هيئة «المشترك» قال أن الأحزاب لم تحضر لأنها أرادت «لقاء ودياً» بمناسبة الشهر الفضيل وأنها -تالياً- اكتشفت تغيّره إلى «حوار مفتوح»!! وقد قلنا بأن دعوة الرئىس تحدثت عن الحوار ولم تتحدث عن لقاء ودي أو تعارفي. والسؤال هو: هل الأحزاب مرتاحة إلى هذا الحد بحيث لا ينقصنا سوى لقاء ودي وتعارفي بين شركاء ثلاثة عقود من العمل والمنافسة والمقايل؟! وكأنهم لا يعرفون بعضهم البعض! فلماذا كانت الأحزاب، ولا تزال، تؤزِّم وتهيِّج وتحرّض، ثم تفوِّت فرصة الحوار وتريد استبدالها بالتعاون وتبادل التهاني بمناسبة الشهر الفضيل؟! شكراً لأنكم تبتسمون..!!