محمد حسن شعب -
< استغلت ارتيريا بالتزامن مع سقوط نظام منجستو هيلا مريام، في اثيوبيا عام 1993م وبروز عصر اسياسي أفورقي الذي أدار الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا على مدى أكثر من عقدين التي واجهت بشكل مزدوج نظام مانجستو هيلا مريام في اثيوبيا بقصد تقرير المصير، وواجهت في نفس الوقت جبهة تحرير ارتيريا التي كانت تناضل في نفس الخندق مع أفورقي وكانت تميل الى تعريب ارتيريا باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي، جغرافياً ودمغرافياً، ولكن ببروز الجبهة الشعبية وأسياسي أفورقي عام 1993م بقت ارتيريا كدولة تحتكم بعقل رجل الثورة، أكثر منها بعقل رجل دولة.. فبدلاً من تحسين علاقة ارتيريا مع دول الجوار فضل أفورقي الأزمات وافتعال الحروب مع دول الجوار، كبديل للحوار الهادئ معها.. وانطلاقاً من نظريات الأزمات مع دول الجوار خاض أفورقي في 15 ، 16 ديسمبر 1995م هجوماً بحرياً على جزر حنيش اليمنية، ولم تستجب اليمن لهجوم ارتيريا العسكري على جزيرة حنيش وفضلت احتواء الأزمة ودخلت اليمن في تحكيم دولي على أحقية الجزيرة، وفي عام 1998م صدر حكم المحكمة الدولية بأحقية اليمن بالجزيرة، وفي نفس العام دخلت ارتيريا بحرب مع اثيوبيا على مثلث بادمى الحدودي بين ارتيريا واثيوبيا وسقط عشرات الآلاف من القتلى وأغلبهم من المدنيين الارتيريين والاثيوبيين ودخلت ارتيريا بحرب مع السودان، في همشكوريب وفي أماكن أخرى، وتدخلت عسكرياً في الصراع في أماكن أخرى، وتدخلت عسكرياً في الصراع المحتدم داخل الصومال، فتارة تدعم حبرى وتارة تدعم قيادات حرب ضده وهكذا حتى صدر قرار مجلس الأمن عام 2009م الذي قضى بتجميد أرصدة الدولة الأرتيرية وحظر السفر على أغلب أركان الدولة الارتيرية بتهمة خوض الحروب بالوكالة وباعتبارها خطراً قائماً على دول الجوار وعلى الممرات الملاحية جنوب البحر الأحمر.
واستمر خطر ارتيريا برغم التذمر الدولي والإقليمي من هذا النظام أوتحاشي خطره او الاصطدام معه بسبب موقع النظام الحساس والقريب من باب المندب كممر دولي عام.
وبقت ارتيريا تبحث عما ينغص جوارها وخاصة مع اليمن وانطلاقاً من هذا المعيار قام اسياسي أفورقي بزيارة الى طهران عام 2008م بهدف تلقي الدعم الايراني والاتفاق مع طهران على فتح قاعدة بحرية عسكرية في جزر ارتيريا وعلى تدريب قوات الحوثيين المناوئين لحكم علي عبدالله صالح، والذين هم في حالة حرب مع صالح، واستقبلت ارتيريا زيارات مسؤولين إيرانيين، منهم قاسم سليماني، وكانت إمارات الخليج العربي في وضع الساكت على هذا التقارب الايراني الاريتري ولم يحرك أنظمتها ساكناً تجاه مثل هذا التقارب.
وفي مطلع عام 2015م قادت السعودية حرباً عدوانية جوية وبحرية ضد اليمن وتنبهت لأهمية الوضع الجيوبوليتيكي لارتيريا تجاه اليمن واختلاط الجزر اليمنية الارتيرية وتقارب الشواطئ مع اليمن إذ لا يفصل بين عصب والمخا اليمنية سوى 60 كم بحيث تستطيع أن ترى شواطئ عصب من المخا اليمنية بالعين المجردة في أغلب الأوقات.
وانطلاقاً من هذا التقارب الجغرافي ومن الحقد الذي يكنه افورقي لحكام الشعب اليمني قام عدد من المسؤولين الخليجيين يتصدرهم القطريون بزيارات مكوكية لأسمرة خاضوا معهم حوارات عديدة حول المهام المطلوبة من ارتيريا، تجاه اليمن، وكان أبرزها إقامة قاعدة عسكرية للإمارات في عصب، وقامت الإمارات بمسح مساحة في حدود 60كم2 في شواطئ عصب بينها مرفأ بطول حوالى 700 م على الشاطئ، وأقامت مطاراً عسكرياً قرب مطار عصب الدولي، وقامت بإنشاءات عسكرية على شواطئ عصب وتحولت ارتيريا الى مزار لحكام وجنرالات الخليج، ووفقاً لطروحات عديدة، ان ارتيريا رضت بهذا الدور تجاه اليمن، استجابة لفقر الدولة من جهة والعزلة الدولية المضروبة حول نظام أفورقي مقابل وعود، في دعم أفورقي وإخراجه من الحظر الدولي المضروب حوله، وتبني اسقاط القرارات الصادرة بحقه وحل الكثير من أزمات النظام في نفس الوقت.
وتحولت ارتيريا الى منطلق لغزو شواطئ اليمن من عصب والموانئ الأخرى، وكذلك الى منطقة لوجستية تنطلق منها الطائرات المغيرة على المواقع اليمنية سواءً منها الطائرات النفاثة أو الحوامات الخليجية التي تربض في قواعد عصب الجوية.
وبالتالي نجد هذا النظام يبحث عن مقومات الأزمات لجواره، أكثر مما هو باحث عن مقومات الأمن والاستقرار لبلده والبلدان المجاورة له والواقعة جنوب البحر الأحمر وقرب مضيق باب المندب.
|