د/عبدالعزيز المقالح -
الأسعار، نَعَمْ الأسعار، وليس أيَّ شيءٍ آخر، هي ما يشغل الناس في هذا الوطن العزيز، وفي شهر رمضان الكريم بخاصَّة، الشهر الذي أضحى مُناسبةً، لا للتقرُّب إلى اللَّه تعالى والتخفُّف من الذُّنوب، وإنَّما لارتفاع أسعار كُلِّ شيءٍ ما عدا سعر الإنسان.
والجُوع، وليس غيرهُ، هُو الذي يجعل الإنسان في أيِّ مكانٍ لا يرى غير بطنهِ ولا ينظر في أيِّ اتِّجاهٍ سواها، ومن هُنا، فالمسؤولون العُقلاء في أيِّ بلد - سواءً أكان مُتقدِّماً أو مُتخلِّفاً، غنيَّاً أو فقيراً - يُحاولون، بكُلِّ إمكاناتهم، أنْ لا يجعلوا المُواطن يتحسَّس بطنهُ وينشغل بها.
كما أنَّ الحكومة المسؤولة لا بُدَّ أنْ تفترض أنَّ أسعار الضروريات الأساسية لكُلِّ الأُسر بمُختلف مُستوياتها وإمكاناتها، في حالة ارتفاعٍ دائم، وأنَّها وصلت، عالمياً، إلى درجةٍ قياسيةٍ لا ينفع معها نقد المُستوردين وتُجَّار الجُملة والتجزئة، لذلك فإنَّ عليها توفيرها للشعب وبالأسعار المقدور عليها من قِبَل الغالبية التي تُعاني من انخفاض دُخولها وضيق ذات اليد، وهُو الأمل الذي تعيش عليهِ الأحياء الفقيرة في المُدن، ويعيش عليهِ المُوظَّف المطحون الذي لا يتجاوز راتبهُ الحدَّ الأدنى من أُجور السُّلَّم الوظيفي العام.
إنَّ الحكومة - أيَّة حكومةٍ في دُنيا اليوم وفي دُنيا الأمس - تصرف المليارات لحماية الحُدود وتوفير الأمن، ومن حقِّها - أي الحكومة - أنْ تُخصِّص في ميزانيتها الجُزء الأكبر لحماية الأمن، كمهمَّةٍ وظيفيةٍ أُولى، لكنَّ عليها - أيضاً - أنْ لا تنسى، في الوقت نفسهِ، أنَّ توفير الضروريات للمُواطنين يدخل ضمن قائمة حماية الحُدود وتوفير الأمن للبلاد، فالجُندي الرابض فوق الرمال الساخنة يُريد أنْ يطمئنَّ على أنَّ أفراد عائلتهِ يحصلون على ما يكفيهم من الخُبز، فلا ينشغل فكرهُ سُوى بواجبهٍ وبمهمَّتهِ التي نذر نفسهُ لأدائها، وهكذا، فإنَّ توفير الرغيف يُعدُّ جُزءاً لا يتجزَّأ من توفير أمن الحُدود وأمن الوطن.
ومن هُنا - أيضاً - فإنَّ ترك لُقمة العيش بأيدي التُّجَّار والمُضاربين - سواءً أكانوا أبراراً أطهاراً أو جشعين طامعين - لا يصحّ ولا يجوز، وهذا أمرٌ تفرضهُ الضرورة الرأسمالية، كما تفرضهُ ضرورة العدل الاجتماعي.
وكان لا بُدَّ أنْ تكون هذهِ الحقيقة واضحةً وماثلةً في أذهان السياسيين مُنذُ وقتٍ مُبكِّر، وأنْ لا تكون صيحة الخصخصة شاملةً كاملةً، حتَّى لا تجد الدولة نفسها في مأزقٍ حَرِج، ويجد الشعب نفسهُ غير قادرٍ على الرُّضوخ لما يفرضهُ التُّجَّار من أسعار، سواءً أكانت حقيقيةً ونابعةً من منشأ السلعة أو كانت المُبالغة في الأسعار واردةً، فالشعب - في كُلِّ الحالات - أبقى وأحقّ بالفوارق السعرية من التُّجَّار الذين يستطيعون توفير أرباحٍ أُخرى من سلعٍ لا تتعلَّق بقُوت الشعب وغذائهِ اليومي، ولا أظنُّ إلاَّ أنَّ الحكومة قد وَعَتْ الدرس وَوَعَتْ معهُ دورها، بعد أنْ كادت الضائقة تلوح في الأُفق، والكبسولة تُوشك على الانفجار.
ومن حُسن الحظِّ - حظّ الحكومة وحظّ المُواطنين معاً - أنْ يتمَّ تدارك الخطأ الذي حدث، وأنْ تعود الحكومة إلى الإمساك بكُلِّ ما يتعلَّق بلُقمة العيش، وستجد الشعب إلى جوارها يُدافع عن كُلِّ قرارٍ تتّخذهُ في هذا الخُصوص، ولن يتخلَّى عنها لحظةً واحدةً، لأنَّهُ يُدرك، بوعيهٍ البسيط والصادق، أنَّها إنَّما تُدافع عن حياتهِ وعن حقِّهِ في العُثور على احتياجاتهِ الضرورية بأسعارٍ معقولةٍ ومقدورٍ عليها ولا تدخل في قائمة الأسعار الفلكية التي يُريد البعض أنْ يفرضها أو يسعى إلى فرضها تحت اعتباراتٍ ومُسمَّياتٍ لم يَعُدْ لها وجودٌ ولا معنى.
المُناضل الشريف الأُستاذ أحمد مُحمَّد الرضي في رحاب اللَّه
< بعد سنواتٍ من الغياب الذي فرضهُ المرض الطويل، يرحل الصديق العزيز والمُناضل الشريف والإداري الأمين الأُستاذ أحمد مُحمَّد الرضي، الذي عرفتهُ اليمن، بمواقفهِ الوطنية، قبل الثورة وبعدها، واحداً من فُرسانها الشُّجعان، وسيظلُّ الذين عرفوهُ واقتربوا منهُ، يتذكرون باحترام ابتسامته التي تنشرح لها الرُّوح، والتي لا تغيب عن وجههِ المُشرق في السرَّاء والضرَّاء.
تغمَّدهُ اللَّه بواسع الرحمة والرضوان، وألهم أهلهُ ومُحبِّيه الصبر والسلوان، «إنَّا للَّه وإنَّا إليهِ راجعون».
تأمُّلاتٌ شِعْرِيَّة :
وَمُنْذُ أَتَيْتُ إِلَىْ هَذِهِ الأَرْضِ
مَا كُنْتُ أَبْحَثُ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ
سِوَىْ لُقْمَةِ الْعَيْشِ،
إِنْ أَقْبَلَتْ، أَقْبَلَ الأَمْنُ والمُعْجِزَاتْ
وَإِنْ أَدْبَرَتْ، أَدْبَرَ الضَّوْءُ وَالحُبُّ
فِيْ المُقَلِ الجَائِعَاتْ.
فَلاَ تَجْعَلُوْهُ يَلُوْبُ عَلَىْ ظَمَأٍ
تَحْتَ عُمْرٍ مِنَ الجُوْعِ
كَيْ لاَ يَهدَّ الْقُصُوْرَ عَلَىْ سَاكِنِيْهَا
وَيَرْتَكِبَ المُوْبِقَاتْ!!