د.عبدالغني علي السبئي - تحدق بالشعب اليمني -الى جانب مخاطر الحرب ومواجهة العدوان الذي تقوده السعودية- مخاطر الانهيار الشامل للاقتصاد الوطني الذي ينذر بتداعيات كارثية على حياة ومعيشة 27 مليون يمني.
حيث تسبب العدوان بتدمير مؤسسات الدولة، واستهداف القطاعات الانتاجية والعبث بالموارد العامة والتي تسببت في تدهور أوضاع البلد الاقتصادية والاجتماعية تدهوراً شديداً، والوصول بها الى الوضع الكارثي..
وفي هذا الإطار أصدر الرئيس المنتهية ولايته في 18 سبتمبر الماضي، قراراً بنقل البنك المركزي اليمني الى عدن وتغيير مجلس ادارته، في خطوة ضاعفت معاناة الشعب اليمنى وتشديد الحصار واستمرار تبديد وهدر الموارد والسطو على ماتبقى من الاحتياطي النقدي وتسخيرها لتمويل حربهم ضد اليمنيين..
ان نقل البنك المركزي اليمني وتحكم هادي وحكومته بإدارة الملف الاقتصادي الإنساني وراء مخاطر الانهيار المؤكد للاقتصاد الوطني المتهالك نتيجة استهداف القطاعات الإنتاجية والآثار المباشرة للحرب والحصار على اليمن ومؤسساتها، وتدمير البنى التحتية والمنشآت العامة والخاصة وتعطيل غالبية الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية.
حيث تركز دول العدوان ومرتزقتها من تحركاتها وفق عدة خيارات لتدمير اقتصاد اليمن، كان من بينها سحب عمليات البنك المركزي وانتهاكهم للهدنة الاقتصادية التي رعتها الامم المتحدة والمجتمع الدولي على الرغم من حيادية واستقلالية عمل البنك المركزي بصنعاء..
وبهدف عدم تزويد خزينة الدولة بالمال، وفي الوقت نفسه اضعاف الاقتصاد الوطني ليكون في حالة تدهور أكثر مما كان عليه، مع ضمان تدفق الأموال إليها، ووقف صرفها على المستحقين، بما في ذلك إيقاف صرف أجور العاملين في جميع المناطق".
مؤشرات اقتصادية كارثية ومقلقة
انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في اليمن من 13.3 مليار دولار عام 2014م إلى 7ر8 مليار دولار عام 2015م، أي بحوالي - 34.6% العام الماضي، وزاد الانكماش عام 2016م بحوالي 4%.
ويعود اسباب هذا الانكماش الكبير الى آثار الحرب والحصار وتعليق دعم المانحين لليمن الذي بلغ حوالي 7.1 مليار دولار خلال الفترة 2012-2014م، وتجميد البرنامج الاستثماري العام، فضلاً عن تعثر إنتاج النفط الخام، والسيطرة على منابع الإنتاج وتوقف الصادرات النفطية وغير النفطية وتقييد الواردات من الخارج.
وجراء ذلك تراجعت الايرادات العامة للدولة بنسبة7 .63% خلال العام الماضي، وقفز عجز الموازنة الصافي الى ما نسبته 4.16 %، من الناتج المحلي الاجمالي متجاوزاً الحدود الآمنة، وبنسبة ارتفاع تقارب أربعة اضعاف العجز المسجل عام 2014م قبل الحرب والبالغ 4.7 %.
وتقدر الفجوة التمويلية للموازنة للعام الجاري بحوالي 5.8 مليار دولار، في حين ارتفع إجمالي رصيد الدين العام من 22.1 مليار دولار عام 2014م، إلى 25.9 مليار دولار عام 2015م، وبما يمثل 65.5 % و94.4 % من الناتج المحلي الاجمالي على التوالي.
ويشكل الدين العام الداخلي النسبة الاكبر، حيث ارتفع رصيده من 14.8 مليار دولار عام 2015م إلى 19 مليار دولار عام 2016م، واستحوذت مدفوعات الفائدة على الدين المحلي ما يقارب ثلث النفقات العامة (29.9%) عام 2016م، وهذا يعني مزيداً من رصيد وأعباء الدين العام على الاقتصاد اليمني والأجيال القادمة.
وفي مسار موازٍ، تشير تقارير المستجدات الاقتصادية في اليمن، الى انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، الى حوالي 176 دولاراً للفرد عام 2016م، بعد ان كان 723 دولاراً للفرد عام 2010م.. ويوصف هذا الانخفاض بأنه وصل إلى "مستويات مقلقة"، ما يعني انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر وارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفع أصلاً، ومزيد من انتشار سوء التغذية بين الأطفال.
وبلغ معدل التضخم السنوي حوالي 30% في عام 2015م، وازداد بصورة أكبر مع استمرار ضعف أداء المالية العامة، في عام 2016م كما تدهورت القوة الشرائية للعملة الوطنية، مع ارتفاع سعر الصرف الموازي للدولار مقابل الريال اليمني بحوالي 40% في الشهر الجاري مقارنة بما كان عليه مطلع العام الماضي.. ان اقتصاد البلاد دخل بالفعل مرحلة حرجة هي أقرب إلى غرفة الانعاش، حيث انهارت الخدمات الأساسية وانكمش النشاط الاقتصادي واختفت المشتقات النفطية وتصاعدت أسعار السلع وانتعشت الأسواق السوداء وخاصة للمشتقات النفطية وأسعار الصرف.. إن اليمن وأمام هذا المشهد الاقتصادي المريع وفي ظل استمرار الاستهداف الممنهج والضغوط الداخلية والخارجية الكبيرة، معناه أن اقتصاد البلاد يتجه الى وضع كارثي.
انعكاساته الاجتماعية والإنسانية
انعكس التدهور الاقتصادي في اليمن جراء استمرار العدوان والحصار، بشكل مخيف على الوضع الاجتماعي والمعيشي، حيث تجاوز عدد الفقراء 85% من السكّان الذين يقدّر عددهم بـ26 مليون شخص، وفقاً لتقرير حديث اصدره البنك الدولي.
وتشير المعلومات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الانسانية إلى أن حوالي 21.2 مليون شخص (أي 82% من السكان) يحتاجون إلى مساعدة إنسانية في اليمن، منهم 9.9 مليون طفل، فيما بلغ عدد النازحين داخلياً حوالي 2.2 مليون نازح في يونيو 2016م.
وأكدت الأمم المتحدة أن الحرب والحصارعلي اليمن أدى إلى تدهور شديد في الاقتصاد، وتسريح 70% من العمالة لدى شركات القطاع الخاص، حيث إن واحدة من كل 4 شركات أغلقت في البلاد.. اضافة الى فقدان ما يزيد على 3 ملايين عامل لمصادر دخلهم وانضمامهم إلى صفوف البطالة.. ويشير البنك الدولي الى أن البطالة بين صفوف الشباب اليمني ارتفعت إلى 60%.
كما أن نزوح رأس المال الوطني إلى خارج البلد هرباً من الوضع سبب رئيس لتزايد البطالة إلى معدلات غير مسبوقة.. إن أكثر من مليوني عامل يمني فقدوا أعمالهم جراء الحرب، التي يشنها العدوان، ونتيجة توقف المئات من المنشآت الصناعية والتجارية عن مزاولة أنشطتها" ونحو 800 شركة مقاولات توقفت عن العمل بشكل كامل، وتعرضت الآلاف من المنشآت الصناعية والتجارية للاستهداف المباشر من طائرات العدوان وادوات العدوان بالداخل.
مرتبات الموظفين
بالرغم من التزام هادي وحكومته أمام المجتمع الدولي وصندوق النقد بأنه سيصرف مرتبات موظفي الدولة البالغ عددهم مليون و200 الف موظف (مدني وعسكري)، إلاّ أن ذلك لم يتم منذ اربعة أشهر، بالاضافة الى عدم التزامه بتأمين طريقة سليمة وصحيحة للتدفق النقدي السلعي في المعاملات الخارجية، بما يحافظ على التدفق السلعي والنقدي واستمرار مصالح الشعب وعدم التأثير عليها.
مع العلم أن دول الاحتلال وحكومة هادي شرعت في اتخاذ إجراءات لاستئناف إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز المسال المتوقف منذ بدء العدوان وسيطرته على المحافظات النفطية والغازية.. بالاضافة إلى استلامهم العملة النقدية المطبوعة في روسيا. التى كانت مخصصة لمواجهة مشكلة السيولة النقدية وبغرص استخدامها بما يحافظ على التدفق السلعي والنقدي، وصرف الأجور والمرتبات واستمرار مصالح الشعب وعدم التأثير عليها، ولكن ماحصل هو توقف الدورة الاقتصادية للبلد والتي يترتب عليها التدهور المتسارع للوضع الاقتصادي والإنساني والاجتماعي.
|