عبدالملك الفهيدي - ولسنا بحاجة الى التأكيد ان ما شهده اليمن في فبراير 2011م من انطلاق لأزمة سياسة غير مسبوقة تحت مسمى المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام يتصل بشكل وثيق بمفهوم الفوضى الخلاقة الذي استهدف دولا عدة في المنطقة، ومنها اليمن وذلك على خلفية مواقف الرئيس الاسبق علي عبدالله صالح الذي ظل رافضاً بكل قوة منح القوى الاجنبية حق اقامة قواعد عسكرية على أراضٍ يمنية، ورفضه تسليم الصواريخ الباليستية التي تملكها اليمن الى الخارج، ووقوفه ضد مشروع مد خط انابيب خليجي الى البحر العربي عبر الاراضي اليمنية، ورفضه تسليم مواطنين يمنيين الى دول اجنبية ومواقفه القومية ضد الكيان الصهيوني ودعمه للقضية الفلسطينية واحتضانه لقيادات المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن وقوفه ضد مشروع دخول القوات الاجنبية الى المنطقة وغزو واحتلال العراق .
حيث بدأت الادارة الامريكية بممارسة ضغوط سياسية وإعلامية على الرئيس الشرعي صالح بالتنازل عن السلطة، وزار عدد من دبلوماسيي واشنطن في صنعاء ساحة الجامعة التي كانت مسرحاً للمظاهرات، واحتضن مقر سفارة واشنطن في صنعاء لقاءات عدة اكثرها سرية مع قيادات وناشطين من المشترك وفي المقدمة منهم الاخوان المسلمون (الاصلاح) وتركزت تلك اللقاءات في بحث الدعم الامريكي لمظاهراتهم المنادية بإسقاط النظام وممارسة ضغوط على الرئيس صالح لتسليم السلطة.
ونقل ناشطون مستقلون -حضروا تلك اللقاءات- معلومات مفادها ان قيادات اصلاحية وعلى رأسهم توكل كرمان طالبت الدبلوماسيين الامريكيين حينها بالمساعدة على اسقاط صالح ولو كان ذلك باستبداله بحاكم امريكي على غرار بريمر في العراق .
صالح وحكمة التعامل مع الأزمة
عمدت قيادات المشترك الى استغلال واستثمار المظاهرات التي خرجت في صنعاء وبعض المدن اليمنية لاثارة حالة من المواجهة مع مؤسسات الدولة بغية ارغام السلطة على رد فعل عنيف يتم استثماره سياسياً وإعلامياً للضغط على الرئيس صالح للتنازل عن السلطة على غرار ما حصل في تونس ومصر، وجندت في سبيل ذلك آلة اعلامية ضخمة مدعومة بقنوات خارجية على رأسها قناة الجزيرة القطرية التي حاولت تكرار تجربتها في اثارة الرأي العام العربي والدولي ضد الرئيسين التونسي والمصري في اليمن، محاولة الدفع بالمتظاهرين لمواجهة مؤسسات الدولة بشتى الوسائل ومنها العنف لاستثماره اعلامياً ضد الرئيس صالح والمؤتمر الشعبي العام الحاكم .
وبدأت بوادر ذلك النهج في ارتكاب مجزرة جمعة 18 مارس حيث سقط عدد من المتظاهرين في ساحة الجامعة شهداء بعد قيام قناصة باستهدافهم، لتحاول قيادة المشترك وداعميوها الإقليميون والدوليون استثمار تلك المجزرة في اثارة الرأي العام المحلي والدولي ضد الرئيس صالح والمؤتمر الشعبي العام بشكل ممنهج ومدروس .
ورغم مخطط المشترك وفي المقدمة قيادات الاخوان التي استغلت تلك الحادثة لتكشف عن توجهها حيث اعلن قائد الفرقة الاولى مدرع الفريق علي محسن انضمامها الى ساحة المظاهرات وتأييده لمطلب اسقاط النظام في اول مشهد من مشاهد تفكيك وشق صفوف القوات المسلحة، ليتبعه في انشقاقه ذلك عدد من قيادات الدولة التي كانت محسوبة على المؤتمر الشعبي العام وهي قادمة من احزاب الاصلاح والاشتراكي والناصري، إلا ان تلك الخطة سرعان ما فشلت خاصة بعد انكشاف تورط تلك القيادات في الوقوف وراء مجزرة جمعة 18 مارس، حيث أُلقي القبض على عدد من المتورطين في تلك المجزرة وتم تسليمهم الى قيادة الفرقة الاولى مدرع التي اخفتهم ورفضت تقديمهم الى القضاء للمحاكمة .
انكشاف مخطط الاخوان ومعهم احزاب المشترك وانضمام علي محسن اليهم وارتكابه جريمة الانشقاق عن القوات المسلحة خلافاً للدستور والقوانين العسكرية النافذة، وتزايد جنوح هذا الفريق لتحويل المظاهرات الى اعمال عنف وفوضى وتخريب، جُوبِه بتزايد وصلابة من قبل جماهير الشعب اليمني التي ظلت تخرج بالملايين في مختلف المدن لاسيما العاصمة صنعاء معلنة تمسكها بالشرعية الدستورية ورفضها إسقاط النظام، وهو ما افشل المخطط الذي كان معداً مسبقاً من قبل قيادات الاخوان والمشترك في اسقاط النظام باستثمار نهج العنف .
وخرجت الجماهير اليمنية المؤيدة للشرعية وللرئيس صالح وللمؤتمر الشعبي العام في تظاهرات غير مسبوقة، وهو ما شكل عاملاً حاسماً في افشال تكرار تجربة تونس ومصر في الانقضاض على الدولة والشرعية وإسقاطها، حيث اعلنت الملايين التي نزلت الى الشارع وواجهت مظاهرات الفوضى تمسكها بدستور الجمهورية اليمنية وبالنظام التعددي وبشرعية الرئيس المنتخب شعبياً ورفضها للفوضى.
ورغم استمرار التأييد الشعبي الكبير للرئيس صالح ولقيادة المؤتمر الشعبي العام إلا ان الاخير حرص على ادارة الازمة باللجوء الى نهج الحوار وتبنى مبادرة يتم بموجبها تسليم السلطة سلمياً وعبر العملية الديمقراطية حرصاً على حقن الدماء ومنع انزلاق البلاد الى الفوضى والاحتراب، وتم تسليم تلك المبادرة الى دول الخليج لتتبناها بمسمى المبادرة الخليجية لحل الازمة في اليمن، وبدأت حوارات سرية بين قيادة المؤتمر الشعبي العام ونظرائهم في احزاب المشترك والأخيرة ظلت تقابل كل تنازل بمزيد من الاصرار على المضي في مشروع اسقاط النظام بأي وسيلة، متمسكةً بضرورة تقديم الرئيس استقالته وإعلان تنحّيه وهو ما قوبل بإصرار من الرئيس صالح وقيادة المؤتمر على التمسك بمبدأ تسليم السلطة ديمقراطياً وبشكل سلمي .
الجريمة الإرهابية الشنعاء
وخلافا عما كان يعتمل وراء الكواليس من حوارات سرية بشأن المبادرة الخليجية، كانت قيادات الاخوان والمشترك تخطط لاسقاط الرئيس الشرعي صالح عبر نهج العنف، ففي يوم الثالث من يونيو 2011م الذي صادف اول جمعة من رجب الحرام كان الرئيس صالح وقيادات المؤتمر الشعبي العام يعقدون اجتماعاً في دار الرئاسة تم بموجبه مناقشة موضوع الحوارات التي كانت تدور مع قيادات المشترك وأبدى الرئيس صالح موافقته على التوقيع على المبادرة طالباً من وزير خارجيته آنذاك الدكتور ابو بكر القربي ابلاغ نظيره السعودي الامير سعود الفيصل بذلك والترتيب لتوقيعها مع قيادات المشترك، وإذا باليمنيين والعالم يفاجأون بالتفجير الارهابي لجامع دار الرئاسة الذي استهدف اغتيال الرئيس صالح ورفاقه من كبار قيادات الدولة والمؤتمر الشعبي العام اثناء ادائهم صلاة الجمعة، وهو الحادث الذي سارعت قيادات الاخوان ووسائل اعلامها للتهليل له والثناء عليه وإعلانه بداية لسقوط النظام وانتهاء عهد الرئيس صالح، الذي فاجأ الجميع يومها وبمجرد افاقته من غيبوبته باستدعاء نائب الرئيس آنذاك عبدربه منصور هادي وقائد الحرس الجمهوري العميد احمد علي عبدالله صالح وإصداره توجيهات ملزمة لهم بعدم اطلاق رصاصة واحدة رداً على الحادث، مجسداً بذلك حكمة وحنكة وتسامحاً فاجأ الجميع خصومه قبل مؤيديه .
وفيما نُقل الرئيس صالح ورفاقه من كبار قيادات الدولة المصابون في تلك الجريمة الارهابية الى السعودية لتلقي العلاج، واصلت قيادات المشترك وفي المقدمة قيادات الاخوان تزعم عبر وسائل اعلامها عن وفاة الرئيس صالح تارة وعجزه الدائم تارة اخرى، وعمدت الى تصعيد نهجها في تحويل المظاهرات الى مسيرات عنف ومواجهات وتخريب وفوضى لمؤسسات الدولة واستهداف معسكرات الجيش في اكثر من منطقة ما عكس حقيقة المشروع الذي كشفت عنه وثائق ويكليكس عن سعي الاخوان الى إسقاط الرئيس الشرعي صالح عبر مفهوم الفوضى الخلاقة كما جاء على لسان القيادي الاخواني حميد الاحمر مع الدبلوماسيين الامريكيين في تلك الوثائق .
وعلى العكس من توقعات الكثيرين ومنهم بعض خصوم الرئيس صالح والمنادين بإسقاطه من انه في حال نجا من تلك الجريمة الارهابية سيعمد الى الانتقام والثأر لنفسه ولرفاقه الذين سقط بعضهم شهداء وعلى رأسهم شهيد اليمن ورفيق دربه رئيس مجلس الشورى عبدالعزيز عبدالغني الذي استشهد متاثراً بجروحه جراء تلك الجريمة الارهابية، إلا ان الرئيس صالح فاجأ الجميع فبعد ان تماثل للشفاء وفي اول لقاء له مع مستشاره السياسي آنذاك الدكتور عبدالكريم الارياني في المستشفى في السعودية حرص الرئيس صالح على اصدار توجيهاته باستكمال الحوار مع قيادات المشترك حول موضوع المبادرة الخليجية، وهو ما اكده ايضاً مستشار الرئيس الامريكي للأمن القومي جون برينان الذي زاره ايضاً في المستشفى حيث اشار خلال لقائه بقيادات في المؤتمر الشعبي العام في صنعاء التي زارها قادماً من السعودية الى ان الرئيس صالح اكد له ضرورة الاستمرار في الحوار بشأن حل الازمة سلمياً عبر المبادرة الخليجية .
وعقب عودته الى ارض الوطن من السعودية بعد استكمال رحلة علاجه وتعافيه اطلق الرئيس صالح تصريحه الشهير اثناء وصوله مطار صنعاء قال فيه انه عاد ليس للانتقام وانما حاملاً غصن الزيتون وحمامة السلام، مؤكداً اصراره على المضي في استكمال مشروع الحوار حول حل الازمة السياسية بطريقة سلمية تجنب اليمن الانزلاق نحو الحرب والفوضى مجسداً بذلك قمة الحرص على حقن الدم اليمني، حيث دخلت الامم المتحدة عبر مبعوثها الخاص الى اليمن السابق جمال بنعمر على خط الحوار الذي استمر بين قيادات المؤتمر الشعبي العام وقيادات المشترك حول موضوع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي تم استكمال صياغتها في شهر نوفمبر من العام 2011م بين الطرفين .
ورغم كل تلك التنازلات والتعالي على الجراح التي جسدها الرئيس الاسبق علي عبدالله صالح وقبوله بالتنازل عن السلطة سلمياً وبشكل ديمقراطي وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية فقد رفضت قيادات المشترك ان يتم توقيع المبادرة في دار الرئاسة في العاصمة صنعاء كما طلب ذلك الرئيس صالح وهو ما عكس اسلوب الحقد والانتقام الذي كانت تتعاطى به قيادات المشترك مع الرئيس صالح وقيادة المؤتمر الشعبي العام، قبل ان يتم الاتفاق على توقيع تلك المبادرة في العاصمة السعودية الرياض بحضور ملك السعودية الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في 23 نوفمبر 2011م حيث تم بموجب تلك المبادرة نقل صلاحيات الرئيس صالح الى نائبه عبدربه منصور هادي حتى اجراء انتخابات توافقية تم بموجبها الاستفتاء على تولي هادي رئاسة الجمهورية لمدة عامين .
وعمد صالح الى بذل كل ما في وسعه لانجاح مشروع تسليم السلطة سلمياً وبطريقة ديمقراطية ومن مقر تواجده في واشنطن دعا الرئيس صالح جماهير الشعب اليمني للخروج الى صناديق الاقتراع وانتخاب هادي رئيساً خلفاً له، وكان مشهد ذهاب نجله احمد واقاربه لانتخاب هادي صورة ديمقراطية غير مسبوقة، الا انه ورغم كل ذلك فقد ظلت قيادات المشترك تتعاطى مع الرئيس صالح وكل ما قدمه من تنازلات بنفس الاسلوب وبعقلية الحاقد ومثلما رفضت توقيع المبادرة الخليجية وآليتها في دار الرئاسة بصنعاء، فقد كررت رفضها حضور حفل تسليم السلطة من الرئيس الاسبق علي عبدالله صالح الى خلفه هادي والذي اقيم في دار الرئاسة في 27 فبراير 2012م في مشهد ديمقراطي اثار اعجاب العالم كله .
نقل السلطة لم يمنع استمرار مشروع التدمير
ورغم ان اصرار الرئيس صالح على تسليم السلطة سلمياً وبطريقة ديمقراطية كان يمثل الطريقة الانسب لاخراج البلاد من دوامة الازمة السياسية والذهاب نحو اعادة الاستقرار السياسي اليها، الا ان قادة فوضى ازمة العام 2011م ذهبوا لاستكمال مشروع انتاج الفوضى بطرق جديدة، فبدأت حكومة الوفاق التي كانوا على راًسها في السعي للانقضاض على مفاصل الدولة واخونتها عبر عملية اقصاء ممنهجة لكوادر وقيادات المؤتمر الشعبي العام الشريك لهم في الحكومة، واستمروا في انتهاج سياسة اعلامية تكرر ذات المزاعم والادعاءات عن الرئيس صالح الذي سلم السلطة، وكيل اتهامات ضده وضد قيادات المؤتمر الشعبي العام دون سند او دليل سوى رغبة في تصفية حسابات الماضي وتنفيذ مطالب اسقاط النظام والدولة كلها بحجة انه نظام صالح ودولته .
ووجد الحكام الجدد الذين استولوا على السلطة انفسهم عاجزين عن تحقيق أي نجاح يذكر مما كانوا يعدون به الناس اثناء ازمة 2011م فعمدوا الى تبرير فشلهم وعجزهم على شماعة (عفاش) بحيث باتت كل صغيرة وكبيرة سببها الرئيس صالح .
ورغم ان الرئيس الاسبق صالح وقيادات المؤتمر الشعبي العام حرصوا على عدم الانجرار الى اشعال ازمات مع شركاء حكومة الوفاق وحاولوا بكل ما استطاعوا ان يكونوا عوناً لها وللرئيس هادي لتنفيذ ما تضمنته الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية وفي مقدمتها انجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل الا ان قيادات المشترك الذين رغم خلافاتهم وتبايناتهم التي ظهرت عقب تسليم السلطة لم يتفقوا على شيء مثلما اتفقوا على استكمال مشروع تدمير الدولة ومؤسساتها، وحولوا مؤتمر الحوار من مؤتمر يبحث صياغة مشروع لمستقبل اليمن ويتجاوز ازمات الماضي ويؤسس لمصالحة وطنية الى مؤتمر أشبه بمحكمة هم فيها المدعي والقاضي والخصم والحكم، وتعمدوا السعي لصياغة مبادىء واسس تستهدف اقصاء واجتثاث المؤتمر الشعبي العام وتفصيل نظام سياسي على مقاساتهم.
وانضم الرئيس هادي الذي كان اميناً عاماً للمؤتمر الشعبي العام ونائبا أولاً لرئيسه وجاء الى منصب الرئيس لانتمائه للمؤتمر وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية الى قيادات المشترك في مشروع اجثتاث واقصاء المؤتمر الشعبي العام وافتعال الازمات مع قياداته وفي مقدمتهم رئيسه الزعيم علي عبدالله صالح ووصل الامر الى حجز ومصادرة اموال المؤتمر الشعبي العام واغلاق القناة المحسوبة عليه (اليمن اليوم) .
ولم يقف الامر عند ذلك الحد بل عمد هادي ومعه قيادات الاخوان والمشترك الى البدء بتنفيذ سياسة تدمير مؤسسة الجيش والامن عبر ما سمي بإعادة الهيكلة التي سلمت لخبراء اجانب يعملون تحت اشراف مباشر من سفراء الدول الاجنبية، وعمد هادي الى ممارسة الانتقائية في تنفيذ نصوص الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وتجاوز كل ادبيات مؤتمر الحوار ونظامه الداخلي واصر على السعي لانتاج مشروع تمزيقي لليمن عبر مسمى الاقلمة بعد ان كان انهى مشروع تمزيق وتفتييت مؤسسة الجيش والامن، وسعى معتمداً على الدعم الاقليمي والدولي الى استصدار عقوبات دولية ضد الرئيس السابق الذي اختاره ليكون خلفاً له وسلمه السلطة .
وبدلاً من ان يخرج مؤتمر الحوار بتوافق وطني على مشروع لرسم مستقبل اليمن حوله هادي ومعه قيادات المشترك الى مهرجان ينفذ من خلاله اجندة خارجية مشبوهة في تدمير مؤسسات الدولة، وضرب مشروع الشراكة الوطنية، والاصرار على عدم الذهاب الى انتخابات تنهي الفترة الانتقالية المحددة بعامين كما نصت على ذلك الآلية التنفيذية للمبادرة وتعمد التمديد لنفسه في منصب الرئيس عبر مؤتمر الحوار، والذهاب نحو افتعال ازمات جديدة بدأت برفض تنفيذ مخرجات الحوار فيما يخص تشكيل حكومة تضم كل المكونات، مروراً بمحاولة صياغة دستور غير توافقي قائم على تمزيق وحدة البلاد وتحويلها الى كانتوت مناطقية ومذهبية وكتابته خارج البلاد .
وبتأثير من قيادات المشترك وفي مقدمتهم الاخوان رفض هادي كل محاولات تهدئة الاوضاع التي شهدت اقتتالاً ومواجهات في اكثر من منطقة، بل سعى لتاجيجهاً ظناً منه انه بذلك سينجح في ضرب خصوم العملية السياسية ببعضهم البعض لتخلو الساحة له للانفراد بالسلطة وتنفيذ أجندته المشبوهة في تدمير مؤسسات الدولة والسعي لتمزيق الوحدة الوطنية، وتطبيق مشروع التقسيم المسمى الاقلمة، الا انه فشل في ذلك ووجد نفسه امام مظاهرات شعبية خرجت ضد قراراته التي اصر فيها على رفع الدعم عن المشتقات النفطية واسقطت حكومته وارغمته على توقيع ما سمي باتفاق السلم والشراكة الذي حاول التملص منه عبر تشكيل حكومة تعمد فيها اقصاء المؤتمر الشعبي العام وجماعة انصار الله .
وجاءت سيطرة جماعة انصار الله على العاصمة صنعاء لتخلق ازمة جديدة في مسار الازمات التي شهدتها البلاد منذ تولي هادي للسلطة ورغم المحاولات المتكررة لحل تلك الازمة عبر الحوار بين القوى السياسية للتوصل الى صيغة توافقية الا ان هادي استغل الخلافات بين المتحاورين وفر الى عدن ومنها اعلن رفضه كل مساعي الحل، بل ودعا الدول الخليجية الى التدخل العسكري عبر رسالة رسمية وجهها لهم رغم انه لم يعد رئيساً شرعياً للبلاد حيث انتهت شرعيته في فبراير 2014م .
عدوان التحالف السعودي واستكمال مشروع تدمير اليمن
ورغم ان القوى السياسية اليمنية كانت على مشارف انجاز اتفاق سياسي لحل الازمة الا ان عدوان التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن في 26مارس 2015م جاء ليقضي على ذلك الاتفاق وليدخل البلاد في دوامة جديدة عنوانها استكمال مشروع تدمير الدولة اليمنية الذي بدأ في فبراير من العام 2011م .
وعلى الرغم من ان العدوان السعودي على اليمن جاء مخالفاً لميثاق الامم المتحدة والجامعة العربية وكل الاعراف والمواثيق الدولية والانسانية باعتباره اعتداء على دولة ذات سيادة ودون أي مبرر، الا انه يمكن القول ان ذلك العدوان كان معداً له ومخططاً لتنفيذه سلفاً استكمالاً لمشروع تدمير الدولة اليمنية ومقدراتها حيث استهدف هذا العدوان ضرب مقدرات اليمن العسكرية والامنية التي عجز مشروع الهيكلة الذي نفذه هادي وقيادات المشترك عن استكماله، وباستثناء جماعة انصار الله فقد فرت كافة قيادات القوى التي تزعمت مظاهرات اسقاط النظام في فبراير 2011م الى السعودية وانضمت الى صف العدوان السعودي على بلادها وشعبها وشاركت في كل جرائمه، وتحولت تلك القوى الى ميليشيات مسلحة تقاتل بمساندة ودعم عسكري ومادي وسياسي من العدوان ضد وطنها وشعبها بحجج ومبررات واهية لعل اكثرها اثارة للضحك والسخرية هو مواجهة التمدد الايراني في اليمن .
وعوداً على بدء فإن العدوان السعودي على اليمن لم يكن الا استكمالاً لمسلسل الفوضى الخلاقة الذي دُشن بغزو العراق واحتلاله في العام 2003م ثم انطلق بشكل علني في العام 2011م تحت مسمى الربيع العربي مستهدفاً تدمير مقدرات الدول التي ظلت ترفض مشروع الهيمنة الغربية على المنطقة، وتقف في وجه التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتنادي بإقامة وحدة عربية شاملة .
ومثلما نفذ مشروع تدمير ليبيا عبر مظاهرات تطالب باسقاط النظام وصولاً الى تشكيل تحالف دولي نفذ عدواناً عسكرياً على ليبيا وادخلها في دوامة فوضى واقتتال وتمزيق، لم تكن اليمن ببعيدة عن ذات المشروع الذي انطلق بمظاهرات فوضى فبراير 2011م وانتهى بعدوان 26 مارس 2015م الذي قادته السعودية عبر تحالف ضم نحو 17 دولة وبمباركة ومساندة ودعم من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا .
وليس مبالغة القول ان نكبة 11 فبراير 2011م كان الهدف منها تدمير الدولة اليمنية بدءاً بأسقاط نظامها الديمقراطي التعددي القائم على الوصول الى السلطة عبر الانتخابات واستهداف الرئيس الاسبق صالح لم تكتمل تفاصيلها الا باعلان العدوان الخارجي الذي تقوده السعودية على اليمن منذ 26 مارس 2015م، والذي عمد الى تدمير كل ما تملكه البلد من مقدرات عسكرية وامنية واقتصادية وتعليمية وتنموية وبنية تحتية فضلا عن تعمده قتل اليمنيين اطفالاً ونساء وشيوخاً وشباباً وممارسة حصار جائر ضدهم تسبب في مجاعة، وكارثة انسانية لم تشهدها اليمن منذ ما يزيد على نصف قرن.
|