الجمعة, 05-أكتوبر-2007
الميثاق نت -    نصر طه مصطفى -
تمر منطقتنا العربية في هذه الفترة، بواحدة من أدق المراحل في حياتها المعاصرة، إذ لم يسبق أن تكالبت عليها المخاطر من قبل في فترة من الفترات كما هو الحال الآن، فإلى جانب الاحتلال “الإسرائيلي” المستمر منذ أكثر من عقود للأراضي العربية، فإن الولايات المتحدة تحتل ولأول مرة في تاريخ علاقاتها مع الوطن العربي، بلداً عربياً هو العراق، وتهدد بلداً عربياً آخر هو سوريا بين الحين والآخر، ناهيك عن تصاعد العصبيات الطائفية والمذهبية والجهوية بشكل غير مسبوق في كثير من دول المنطقة، إضافة إلى ما تعانيه هذه الدول أصلاً من مشكلات ناجمة عن تردي أوضاعها الاقتصادية واستشراء الفقر والبطالة، الأمر الذي يجعل مستوى المخاطر الداخلية مساوياً لما تتعرض له من مخاطر خارجية. ولم تقف المخاطر الخارجية عند الحد الذي أشرنا إليه ففيما تتغاضى الولايات المتحدة عن امتلاك “إسرائيل” للسلاح النووي فإنها تصعّد من نبرتها العدائية تجاه إيران بحجة سعي هذا البلد المسلم المجاور للوطن العربي لامتلاك الطاقة النووية وهو ما تعتبره واشنطن مقدمة الى امتلاك طهران السلاح النووي، ولاشك أن كل هذا التصعيد الخطير في العلاقات الأمريكية الإيرانية سينعكس على شكل مخاطر مباشرة على المنطقة العربية إلى جانب المخاطر التي أشرنا إليها من قبل، خاصة في حال قررت توجيه ضربة عسكرية ضد إيران. وهذا ما يجعلنا نتساءل عند متابعتنا لتصعيد الغرب نبرة التهديد بالحرب ضد إيران: من الأخطر على المنطقة وعلى أمنها واستقرارها بل ومن الأخطر على المصالح الدولية فيها والغربية بالذات، هل إيران أم “إسرائيل”؟ إن كل شواهد الحال في الماضي والحاضر تؤكد أن “إسرائيل” هي من يمثل هذا الخطر فمنذ وجودها في قلب الوطن العربي ونتيجة لسياساتها الرعناء والاستفزازية لكل دول المنطقة ورفضها لكل مبادرات السلام الدولية والإقليمية فإن المنطقة العربية ظلت في حالة من انعدام الأمن والاستقرار، فالسياسة “الإسرائيلية” في المنطقة، وما تجده من دعم أمريكي تحديداً كانا السبب الرئيسي لنمو كل أشكال التطرف الديني في الدول العربية بل وكانا السبب الرئيسي في إعاقة كل مظاهر التطور والتنمية والديمقراطية، والواضح أن الحال سيستمر كما هو عليه طالما تغافلت الولايات المتحدة وحلفاؤها عن هذه الحقائق، وهذا لا يعني أننا نريد منها لا سمح الله إنهاء دعمها ل”إسرائيل” بل يعني أن تضغط ولو قليلاً على “إسرائيل” للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة والانسحاب من بقية الأراضي المحتلة عام 1967 لتتمكن المنطقة العربية من العيش بسلام، وحيث يمكن لدولها حينئذ معالجة كل أسباب المخاطر الداخلية التي تتعرض لها وتعاني منها. من الأمور الغريبة التي تربك المراقبين السياسيين هذا التساؤل الذي يفرض نفسه وهو: هل الولايات المتحدة جادة في تهديداتها ضد إيران في وقت تبدو فيه في ذروة تورطها السياسي والعسكري في كل من العراق وأفغانستان، بل وفي وقت تبدو فيه قواتها داخل العراق رهينة للنفوذ الإيراني غير المسبوق في هذا البلد العربي؟ بالمعايير الأمريكية الخالصة فإن امتلاك إيران للسلاح النووي أمر يشكل خطراً مباشراً على مصالح واشنطن في المنطقة، وهذا الخطر لا يقتصر طبعاً على مصالحها بل يمتد ليشمل “إسرائيل” أيضا. ولم يكلف البيت الأبيض نفسه أن يسأل عن سبب لهفة إيران لامتلاك الطاقة النووية سواء منذ العهد الشاهنشاهي أم في العهد الإسلامي الحالي، والجواب السهل والتلقائي والحقيقي هو أن السبب في ذلك يقتصر على رفضها مبدأ إعطاء “إسرائيل” وحدها الحق في امتلاك هذا السلاح في المنطقة خاصة في ظل الانحياز الأمريكي الكامل لها، ولو أن “إسرائيل” لم تمتلك هذا السلاح لما فكرت أي دولة في المنطقة في امتلاكه. إيران حتى الآن أجادت وببراعة كاملة استخدام أوراقها السياسية وهي قالت بصوت عال للعالم كله إنها موجودة وحاضرة بقوة وإنها أصبحت رقماً لا يمكن تجاوزه في أي معادلة قادمة سلمية أو عسكرية، كما أن إيران تدرك جيداً أن الولايات المتحدة تعرف تماماً أنها لن تكون لقمة سائغة كالعراق، وأن أي اعتداء عليها سيحول المنطقة إلى جحيم، فهل تريد واشنطن خلط الأوراق في المنطقة إلى هذه الدرجة؟ ومن سيستفيد من عملية الخلط هذه؟ في الغالب إن “إسرائيل” هي المستفيد الأول إن لم يكن الوحيد، والأكيد كذلك أن إيران ستكون البلد الأقل تضرراً في حالة استهدافها بعمل عسكري، ناهيك عن أن نفوذها سيزداد في المنطقة بعد عملية كهذه من باب أن (الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك). كل ذلك يجعلنا نتساءل عما إذا كانت الإدارة الأمريكية تدرس خياراتها جيداً قبل أية أعمال من هذا النوع خاصة أن ما يحدث في العراق حالياً، يجعلنا نشك تماماً في صوابية ودقة مثل هذه القرارات. إن سوء وضعف الأداء الأمريكي في المنطقة يعطيان فرصاً كبيرة لا تعوض لتطور الدور الأوروبي فيها، وهو دور ينبغي أن يأخذ أبعاداً أكثر عمقاً تخدم فرص استتباب الأمن والسلام واستقرار المنطقة العربية التي هي أحوج ما تكون اليوم الى تعاون أمريكي أوروبي حقيقي لمعالجة كل أسباب المخاطر التي تتعرض لها والتي ستمتد لتشمل مصالحها جميعاً من دون أي تمييز، فالمخاطر واضحة والحديث عن أي معالجات من دون دور أمريكي هو ضرب من عدم الواقعية، إلا أن هذا الدور يمكن ترشيده من خلال شراكة أوروبية معه تعيد التعامل مع قضايا المنطقة برؤية أكثر واقعية وأكثر حرصاً على إشاعة أجواء العدالة الدولية فيها وهو ما سينعكس حتما على استقرارها ونزع كل فتائل الخطر التي تهددها بدءاً بالتطرف والعنف مروراً بالاستبداد السياسي وانتهاء بمصاعبها الاقتصادية كالفقر والبطالة. فهل نأمل من الإدارة الأمريكية الحالية أو القادمة أن تقف وقفة جادة لتقييم كل ما يجري في المنطقة لتتمكن من الحيلولة دون حدوث انفجار فيها قد يمكن توقع بدايته لكن من المستحيل توقع نهايته في ظروف كهذه. الخليج
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:18 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-4926.htm