عبدالناصر سلامة ٭ - تبقى أرقام تكلفة العدوان على اليمن غير معلنة، إلا أن هناك مصادر موثوقة تتحدث عن نحو 400 مليار دولار أنفقتها المملكة السعودية وحدها خلال العامين الماضيين، وكشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مؤخراً أن الجيش اليمنى واللجان الشعبية لحركة أنصار الله تمكنوا أخيراً من تحقيق انتصارات غير متوقعة فى العمق السعودى، وقالت الصحيفة، التى استندت إلى تقرير مخابراتى أمريكى، إنه تم تدمير 98 موقعاً عسكرياً سعودياً فى نجران وجيزان وعسير وظهران الجنوب وخميس مشيط تدميراً كلياً، إلى جانب 76 موقعاً عسكرياً تم اقتحامها وتفجيرها بالألغام الأرضية، كما تم تدمير منطقتى القيادة والسيطرة فى نجران وعسير بشكل كلى، ومقر العمليات للجيش السعودى فى الخوبة والطوال وأبوعريش والحرث والربوعة، كما تم تدمير قصور الإمارة فى نجران وجيزان وظهران، وحسب واشنطن بوست فإن الخسائر البشرية تمثلت فى مقتل 2326 جندياً وضابطاً، و22 جنرالاً من الرتب العليا، ويتصدر القائمة الفريق محمد الشعلان، قائد القوات الجوية، وأكثر من 36 طياراً، فضلاً عن تفجير عدد كبير من الطائرات الحربية فى مواقعها، ومنصات الصواريخ، ومئات الدبابات والمدرعات والأطقم العسكرية.
على الجانب الآخر، تعدت الخسائر اليمنية عشرة آلاف قتيل، معظمهم من النساء والأطفال، والمدنيين بصفة عامة، وضعف هذا الرقم من الجرحى، إضافة إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين نازح، بينما تكلفة خسائر البنية التحتية أكثر من 20 مليار دولار، بعد أن استهدف القصف الجوى تدمير المطارات، والموانئ، ومحطات الكهرباء، وخزانات المياه، والمنشآت الحكومية، والمساجد، والمدارس، والمستشفيات، والمواقع الأثرية، ومخازن الغذاء، والأسواق، والمصانع، بما يعني أننا أمام حرب انتقامية استهدفت فى المقام الأول تدمير مقومات الحياة لشعب بأكمله، على غرار قصف قوات التحالف للعراق عام 1990، والغزو الأمريكى عام 2003، لذا فقد أصبح هناك ما يزيد على 15 مليون يمنى يعانون انعدام الأمن الغذائى، ناهيك عن انتشار الأمراض، وفى مقدمتها شلل الأطفال، والملاريا، والطاعون.. أى عاقل يمكن أن يوافق على استمرار مثل هذا العدوان، أو هذه الحرب غير المبررة.. منذ اليوم الأول للقصف الجوى على الأراضى اليمنية قبل عامين، وتحديداً فى مارس 2015، والعالم لا يكترث بالأحداث اليومية هناك، لا إعلامياً ولا سياسياً، بما يؤكد أن هناك تنسيقاً كبيراً بين دول العدوان والعالم الغربى تحديداً، الأهم من ذلك أننا إزاء قصف مئات المدارس والمستشفيات والمصانع والمناطق الأثرية، ولا نسمع صوتاً لأحد، ولو حتى من المنظمات الحقوقية، أما فى حالة قصف اليمنيين سفينة إمداد إماراتية، أو بارجة سعودية تشارك فى العدوان، تنطلق الإدانات من كل صوب وحدب، وكأن عليهم أن يستسلموا للقصف والقتل!!
الحرب على اليمن، أيها السادة، تكشف إلى أى مدى اختفى الضمير العالمى أو الإنسانى، تكشف إلى أى مدى لم يعد هناك مكان للضعيف فى ذلك العالم الأخرق، تكشف إلى أى مدى بلغت الأحقاد على الدول ذات الحضارات الموغلة فى التاريخ، تكشف إلى أى مدى بلغت الوصاية والتدخل فى شؤون الآخرين، سواء من دول الجوار، أو من دول الاستعمار على السواء، تكشف إلى أى مدى وصل التردى العربى، سواء على مستوى العواصم، أو على مستوى الجامعة العربية، التى بدا أنها لا حول لها ولا قوة، فى ظل هيمنة أصحاب النفوذ بها، أو بمعنى أدق أصحاب المال والتمويل.
يجب أن نعترف بأننا الآن أمام حروب بالوكالة، الخاسر الأول والأخير منها هو المواطن العربى والأرصدة المالية العربية، حرب على اليمن تستهدف فى المقام الأول إيران ، وتمويل حرب أخرى على سوريا، تستهدف أيضاً إيران، وتمويل التوتر والتفجيرات فى العراق، بهدف الحد من نفوذ إيران، نفس الحال فى لبنان، وحتى فى البحرين، لم تسفر مثل هذه السياسات أبداً عن الحد من النفوذ الإيرانى بالمنطقة، على العكس تماماً، المد الإيرانى آخذ فى التوسع يوماً بعد يوم، حتى داخل كل دول الخليج دون استثناء، بما كان يستوجب البحث عن استراتيجية أخرى، تحمل على عاتقها الدخول فى علاقات قوية ومتوازنة مع هذه الأنظمة العربية بالدرجة الأولى، والتى لم تكن فارسية أبداً، حتى لو بدا أن المعتقد الدينى يمكن أن يكون مؤثراً.
فى الوقت نفسه، أعتقد أنه آن الأوان للحوار مع إيران ذاتها، الأرضية المشتركة أكبر بكثير مما يروج له البعض، نقاط الالتقاء أكبر بكثير من نقاط الاختلاف، المصالح المشتركة كثيرة ومتعددة، لا يستطيع أحد أن ينكر أن إيران يمكن أن تمثل دعما كبيراً للقضايا العربية من كل الوجوه، حتى وإن كانت هناك خلافات حول بعض القضايا، ذلك أن الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية على سبيل المثال لم يَحُلْ دون تواصل العديد من العواصم العربية معها، كما أن الانحياز الأمريكى لإسرائيل لم يَحُلْ دون وجود معظم الاستثمارات العربية بالأراضى الأمريكية.
لتكن الأراضى اليمنية هى مائدة المفاوضات، نزيف الدم والمال لم يستثنِ أحداً، بما يؤكد أن الحروب ليست نزهة، كما الطائفية بدا أنها أكذوبة كبرى، الهدف الأول والأخير منها هو الاستنزاف، وها قد تحقق الهدف، حتى إن أحداً لم يعد يكترث لدمائنا، وهذا فى حد ذاته كان يجب أن يكون كافياً لإعمال العقل والعودة إلى الرشد، أيضاً يمكنكم أن تحاربوا إيران إذا شئتم، لكن لتكن الحرب فى إيران، الجغرافيا الإيرانية واضحة وشاسعة، كفاكم خلطاً للأوراق.
٭ رئيس تحرير «الأهرام» السابق
|