الميثاق نت -

الثلاثاء, 28-مارس-2017
أ.أحمد الحبيشي -
يحتفل شعبنا اليمني بذكرى مرور عامين من الصمود البطولي في وجه حرب غشوم تشنه على بلادنا 17 دولة بقيادة النظام الوهابي التكفيري في مملكة آل سعود.
لا نبالغ أن نقول في ضوء تحليلنا لوقائع ومآلات هذه الحرب العدوانية، إن عبدربه منصور وجنرالاته يلعبون دور (مقاولي الأنفار) في توفير وحشد مرتزقة محليين، مقابل أموال هائلة تدخل في جيوب أولئك المقاولين وتجار الحروب الداخلية وحساباتهم المصرفية في الخارج، وهو ما يفسر الانكسارات الهائلة التي تصيب المرتزقة المحليين في جبهات القتال، وما يرافق تلك الانكسارات من خسائر في الأرواح والعتاد.
يتناسى الخونة المحليون ان سلاح الجو السعودي شن ما لايقل عن 4000 غارة جوية خلال ايام معدودة على مواقع عسكرية للجيش واللجان الشعبية في نهم والمخا، لدعم بضعة مئات من المرتزقة ومساعدتهم على التقدم، حيث اكتسب مقاتلو الجيش واللجان خبرات قتالية غير مسبوقة في الالتفاف والحصار المضاد وتكوين كمّاشات ميدانية تنتهي بقتل واستسلام المئات من قوات المرتزقة وقياداتهم، واستعادة المواقع التي قصفتها القوات السعودية بآلاف الصواريخ المتطورة (جوــ أرض) التي تكفي لهزيمة جيش كبير واحتلال بلادنا بضربات سريعة ومدمِّرة!!
والطريف جداً ان قادة المرتزقة يتحدثون عن السيطرة على منفذ ميدي البحري استناداً الى بلاغات اعلامية تهريجية، بينما كان مقاتلو الجيش واللجان الشعبية قد التفوا بنجاح على الجيوب البريّة التي حاولت التسلل الى مدينة وميناء "ميدي" بقيادة الجنرال العجوز علي محسن الأحمر بغطاء جوي اسطوري، حيث أسفر ذلك الصمود والالتفاف عن هروب علي محسن وقادته الميدانيين الى العمق السعودي، واستسلام وأسر الكثير من المرتزقة، وتأمين سواحل وصحارى ميدي كلهاّ..
خلافات ميدانية
خلال عامين من الحرب يكشف (الفار هادي) في أحاديثه الصحقية جانباً من الخلافات الميدانية في أهداف كل من القوات الغازيّة السعودية والاماراتية على الأرض، حيث يزعم أن السعودية تمدّ قوات مرتزقته بما تحتاجه في عدن والجنوب، بينما قدمّت له الامارات 150 مدرّعة تم توزيعها على بعض الألوية، موضحا انه طلب من حكام الامارات الدخول في المعركة برّاً، لكنهم رفضوا واكتفوا بالقصف الجوي، على الرغم من أنه أبلغ الشيخ محمد بن زايد عندما قابله بأن المطلوب تدخل بري، وليس دعماً بالطيران، بحسب قوله!!
من نافل القول ان (الفار هادي) كشف في الكثير من هذه الخطابات ــ بكل خفة ــ أكبر قدر من الكذب والمغالطات، متناسياً ان الامارات تدخلتْ برياً في عدن ولحج وباب المندب والمخا وصافر وصحن الجن وجنوب وغرب وشرق تعز، وحرصتْ على تقديم تغطية استعراضية تليفزيونية لهذه التدخلات بهدف تضخيم قدرات ذلك البلد الصغير الذي لا يزيد عدد مواطنيه الأصليين عن 19% من إجمالي سكان الامارات، بموجب إحصاءات رسمية ودولية.
وبقدر ما حرصت الامارات على الاستعراضات التلفزيونية لتدخلها البري، فقد كانت مضطرة لتقديم تغطيات استعراضية لتوابيت القتلى ومواكب الجرحى الذين تم دحرهم بواسطة القوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية في معارك بريّة عدة انتهت بتدمير عشرات الآليات والمدرّعات ومصرع وجرح المئات من ضباط وجنود جيش الامارات الذي لم يصمد أمام قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية، رغم مراهناتهم على الاستقواء بالآف الغارات الجوية غير المسبوقة في تاريخ الحروب الحديثة.
ولا ننسى ان دولة الامارات العربية أرسلت قوات ومدرعات الى مارب وسط حملة دعائية وحربا نفسية هدد قادتها العسكريون الميدانيون فيها باقتحام صنعاء، وخيّروا أبناءها وبناتها بين الاستسلام أو الدمار الشامل عبر استعراضات تليفزيونية بثتها وسائل إعلام العدوان حينها.
وربما نسي البعض ما أعلنه حكام الامارات العربية المتحدة يوم الثلاثين من نوفمبر عيدا وطنيا للشهداء، واعتمدوه يوم إجازة عامة.. والمثبر للدهشة ان هذا القرار ارتبط بإعلان قائمة بأسماء وصور قتلى الامارات في اليمن ومن بينهم كبار القادة والضباط، وهي قائمة أدرك حكام الامارات جيدا ان قوائم لاحقة ستنضم اليها إذا أصروا على مواصلة المشاركة البرية في العدوان على اليمن وانتهاك سيادته واستقلاله، وتدمير مقدراته وقتل وسفك دماء أبنائه وبناته من الرجال النساء والأطفال، ولم يسلم من مشاركتهم في هذا العدوان الآثم الجبل والحجر والشجر والطير والسابلة.
مما له دلالة ان وسائل الاعلام في دولة الامارات حرصت على شحن سكان الامارات بمشاعر الكراهية ضد اليمن واليمنيين، فيما ظهر الشيخ سلطان القاسمي أحد حكام الامارات وهو يتحدث عن ضرورة (الثأر لشهدائهم)!!
المضحك ان أحدا من تلك القوائم لم يسقط في ميادين الدفاع عن أراضي وجزر وسيادة دولة الامارات العربية المتحدة التي تقول ان ايران احتلتها في عهد الامبراطور محمد رضا بهلوي، بل قُتلوا عندما كانوا يعتدون على سيادة وأراضي وجزر اليمن.
كان ذلك أواخر شهر أغسطس 2015م الماضي قبل أن يرد عليهم أبطالنا الميّامون في الميدان بموقعة (توشكا صافر) في الرابع من سيتمبر 2015م، الذي دمّر أول دفعة من مقاتليهم وأعادها الى بلادهم في طائرات نقلت نعوش 105 من قتلاهم وطائرات إسعاف امتلأت بالمئات من جرحاهم .
بعدها بحوالي عشرة أيام، تناولت وسائل إعلام العدوان على نطلق واسع خبرا كاذبا زعموا فيه ان قوات الإمارات والمرتزقة سيطرت على خولان، وانها تتجه الى صنعاء بمسافة لا تزيد عن 40 كيلومتراً، فيما تشرت ماكنة الدعاية السوداء صوراً مفبركة عبر القنوات الفضائية السعودية والخليجية ومواقع التواصل الاجتماعي.
ولم يعد خافياً ان الامارات لم تقدم 150 مدرعة فقط بحسب مزاعم (الفار هادي) في حديث أدلى به لصحيفة (عكاظ) أواخر العام الأول من العدوان، بل انها قدمت للميليشيات الارهابية والجماعات الانفصالية المسلحة مئات المدرعات، حيث اتضح أن أكثر من مائة مدرعة أصبحت في حوزة تنظيم (القاعدة) وتنظيم (أنصار الشريعة) وتنظيم الدولة الاسلامية (داعش)!!
أبين والقاعدة
* أسرف (الفار هادي) أثناء أحاديثه الصحفية في عرض كمية ضخمة من المغالطات حول واقعة سقوط أبين تحت سيطرة تنظيم (القاعدة) أثناء أحداث 2011م، متجاهلاً ان شقيقه ناصر منصور كان منذ انتهاء حرب 1994م حتى اعتقاله من قبل الجيش واللجان الشعبية عام 2015م، المسؤول الأول عن جهاز الأمن السياسي في عدن وأبين ولحج، وهي المحافظات التي شهدت بعد تلك الحرب المشؤومة، عمليات تفريخ وتوطين للجماعات الارهابية والأفكار التكفيرية بإشرافه شخصيا الى جانب علي محسن وغالب القمش وشقيقه ناصر منصور ومحمد الشدّادي ومحمد قحطان وعبدالمجيد الزنداني وبعض المسؤولين في رابطة العالم الاسلامي التابعة لجهاز المخابرات السعودية!!
في هذا الاتجاه يتجاهل عبدربه منصور ان مدينة زنجبار كانت واحدة من 17 ساحة (شبابية) أعلنت اللجنة التظيمية لما كانت تسمى ثورة 11 فبراير عن وجودها في معظم محافظات الجمهورية .. وكانت ساحة زنجبار كلها تمثل مشاركة الجماعات الارهابية التي زرعها ورعاها عبدربه منصور وعلي محسن في ابين ومختلف المناطق الجنوبية طوال الفترة من 1995م حتى 2011م.
وفور سقوط زنجبار وجعار اختفت ساحة زنجبار (الثورية) التي كان ناشطوها يؤكدون عبر قناة (الجزيرة) القطرية بأنهم لن ينسحبوا من الساحة إلا بعد اسقاط النظام .. وقد انسحبوا فعلا بعد سقوط مدينتي زنجبار وجعار بأيدي (القاعدة وأنصار الشريعة)، وتحوّلوا الى مقاتلين يرفعون الرايات السوداء تحت مسمّيات مختلفة تراوحت بين أنصار الشريعة واللجان، بإشراف ناصر منصور هادي وكيل جهاز الأمن السياسي في محافظات عدن ولحج وأبين!!
وفي سياق مغالطاته، حاول عبدربه منصور تقمُّص مكانةً نديَّة للرئيس السابق عندما كان نائباً له ــ على غير الحقيقة ـــ حيث زعم في حديث مع إحدى الصحف السعودية في العام الماضي، أنه سأل الرئيس علي عبدالله صالح عندما سقطت زنجبار وجعار : (أين معسكرات المنطقة العسكرية الجنوبية ؟ .. فأجابه : انسحبت) بحسب زعمه!!
والمعروف ان معسكرات المنطقة العسكرية الجنوبية موزّعة بين عدن ولحج وأبين والضالع وتعز وأبين ولودر، فيما كان معسكر واحد منها موجوداً في زنجبار وهو اللواء 25 ميكا بقيادة اللواء محمد الصوملي، بالاضافة الى معسكر للأمن المركزي يتبع قيادة المحافظة المعروفة بولائها لعبدربه منصور، والتي انسحبت الى دوفس فور الهروب الغامض لمحافظ أبين العميد صالح الزوعري قبل سقوط زنجبار، ما أدى الى انسحاب أفراد المعسكر الى منطقتي دوفس والكود بسبب تزامن هروب المحافظ مع ظهور عشرات الأطقم المسلحة التابعة لعناصر القاعدة، من المدارس السلفية و المزارع والقرى السكنية التي تم توطينهم فيها .
وقد أبدى أفراد اللواء 25 ميكا بقيادة العميد محمد الصوملي صمودا اسطوريا في وجه حصار دام أكثر من شهرين فرضه عليه مقاتلو أنصار الشريعة بهدف إسقاط المعسكر، فيما خرج اللواء 31 مدرّع بقيادة اللواء مهدي مقوله من معسكره في البريقة الى تخوم عدن المحاذية لمحافظة أبين والممتدة الى منطقة العماد المجاورة للمدينة الخضراء في محافظة لحج، للدفاع عنها وحمايتها، ثم توغلت بعض وحدات هذا اللواء لعدة أيام داخل مدينة زنجبار حتى تمكنت من الالتحام باللواء 25 ميكا المحاصر في مشهد بطولي نادر المثال.
ومما له دلالة ان محمد قحطان الرئيس الدوري للمجلس الأعلى لأحزاب (اللقاء المشترك) عام 2011م، وجه رسالة خطية الى الجنرال علي محسن يطالبه فيها بضرورة التدخل لوقف ما أسماها المجازر التي يرتكبها اللواء 31 مدرع في أبين بقيادة اللواء مهدي مقولة، والمجازر التي يرتكبها الحرس الجمهوري في أرحب ضد من أسماهم (اخواننا في ابين وارحب)، كما أن اللجنة التظيمية لما تسمى ثورة 11 فبراير 2011م، ومنابر المساجد التي يسيطر عليها الاخوان المسلمون، كانت تدعوا الى مساندة من كانت تسميهم ( إخواننا في ارحب وأبين )، وتحريرهم مما كانت تسميه (بطش قوات النظام).. والمقصود بذلك وقف القتال الذي خاضه اللواء 31 مدرع بقيادة مهدي مقوله في مواجهة قوات (القاعدة وأنصار الشريعة) داخل مدينة زنجبار أثناء تقدم هذااللواء نحو معسكر 25 ميكا المحاصر، كما كان المقصود أيضا وقف القتال الذي كان تخوضه وحدات الحرس الجمهوري في معسكر الصمع المطل على مطار صنعاء الدولي في مواجهة ميليشيات القاعدة والاخوان المسلمين في أرحب شمال العاصمة صنعاء.
مقدمة أولى للتفكيك
* لايحتاج القارئ الى جهد كبير لإدراك انعكاس فشل العدوان السعودي في تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية، على فشل الحكومة العميلة لقوى العدوان في تحقيق أهدافها المتمثلة في مخرجات مؤتمر الرياض الذي انعقد بعد بضعة أسابيع من بدء العدوان!!
اعترف الفار في حديث له مع صجيقة (عكاظ) في مارس 2016م بمناسبة مرور عام على العدوان بأن مشروع تفكيك اليمن الى ستة أقاليم لم يعد ممكناً، لكنه يؤكد أن من الممكن حتى الآن أن يتم تفكيك البلاد الى ثلاثة أقاليم .. بمعنى أنه يقيم فرضيته الأخيرة على نجاح العدوان في احتلال الجنوب، والرهان على احتلال تعز والسواحل اليمنية الغربية في البحر الأحمر، الأمر الذي سيساعد على تنفيذ مخطط بريطاني سعودي قديم أحبطه الامام يحي من خلال التوقيع على اتفاقيتي 1934م مع كل من بريطانيا والسعودية قضت بوضع الجنوب المحتل عهدة لدى بريطانيا، ووضع نجران وجيزان وعسير عهدة لدى السعودية لمدة اربعين سنة قابلة للتجديد بموافقة الطرفين .
وكان الهدف الرئيسي من مشاركة القوات الجوية والبرية للجيش البريطاني في العدوان على المملكة المتوكلية اليمنية عام 1934م ونجاحها في احتلال الضالع والبيضاء ورداع، والالتفاف على إب من خلال التوغل في أطراف ذمار الجنوبية عبر رداع وبيت الكوماني، هو تفسيم المملكة المتوكلية الى كيانين طائفيين زيدي وشافعي بالاضافة الى تقسيم الجنوب المحتل، حيث كان مخططا سلخ مدينة عدن عن اليمن والجنوب، وضمها الى مجموعة الكومنولث، وتفكيك ما تبقى منه الى كيانين جيوسياسيين شرقي وغربي.
ولئن كان تلويح عبدربه منصور في نهاية مارس 2016م عبر صحبفة (عكاظ) السعودية بإمكانية المراهنة على تفكيك اليمن في المرحلة الراهنة الى ثلاثة أقاليم، يوجه ضربة صادمة للنخب السياسية المناطقية والمأزومة التي تقاطعت نزعاتها المريضة مع أهداف العدوان السعودي، لكن هذا التلويح يشكل أيضا مؤشراً على أن قوى العدوان تخطط الآن للاكتفاء مؤقتاً بالحد الأدنى (الممكن تنفيذه الآن) بحسب تعبير عبدربه منصور، وهو تفكيك اليمن الى ثلاثة كيانات جيوسياسية لوقف تداعيات الفشل السياسي والعسكري، والخروج من هذه الحرب بما يحفظ ماء الوجه!!
* اللافت للنظر ان عبده هادي كان يوجه رسالة الى الحكام السعوديين الذين يحتلون عدن وجنوب اليمن عبر صحيفة سعودية بصفته عميلاً لمستعمرين جدد، بعد ان كان عميلاً قديماً للاستعمار البريطاني، بحسب سجل القيد الوظيفي لملفه الشخصي في إدارة قلم المخابرات البريطانية في مستعمرة عدن على نحو ما سنأتي اليه لاحقاً.
ولعل ذلك ما يفسر حرصه على استخدام الكذب والتضليل والمغالطات في تجميل وجه الاحتلال البريطاني لعدن والجنوب المحتل سابقا، كمدخل لتجميل وجه الاحتلال السعودي الجديد حاليا.. ومن أبرز هذه المغالطات ادعاؤه " أن الحكومة البريطانية اتخذت قراراً بإنهاء الثأر القبلي، حيث تم انهاء هذه الثأرات، ومن قتلَ أحداً كان يهرب الى الشمال حيث الشعب متأخر 70 سنة ولا يزال يمارس الثأر حتى الآن دون أن تتدخل الدولة ".
والحال ان الثأرات الاجتماعية كانت واحدة من أبرز مخلفات الاستعمار البريطاني والنظام الأنجلوسلاطيني التي ورثتها الدولة الوطنية المستقلة، بعد أن أجبرت ثورة 14 اكتوبر الاستعمار البريطاني على الرحيل في الثلاثين من نوفمبر 1967م، وهو ما يفسر القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس قحطان محمد الشعبي في الأيام الأولى بعد الاستقلال، والذي قضى بوقف الثأرات لمدة 30 عاماً وتسوية النزاعات الناجمة عنها بضمان الدولة على النقيض مما قاله عبدربه منصور عندما زعم -زوراً وبهتاناً- أن الاستعمار البريطاني هو الذي أصدر قراراً بمنع الثأرات!!
ومما له دلالة ان علي محسن وعبدربه منصور وضعا في صدارة ملف الجنوب الذي تحملا مسؤوليته بعد حرب 1994م، تشكيل لجان ميدانية لحصر قضايا الثأرات القديمة قبل الاستقلال، والتي تم تجميدها في المحافظات الجنوبية بضمان الدولة لمدة 30 عاماً تنفيذاً للقرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس الأسبق قحطان محمد الشعبي في العاشر من ديسمبر 1967م.
ولم يكن الهدف من حصر تلك الثأرات المجمدة هو حصرها، بل إحياؤها وفق سياسة (فرِّق تسد)، بهدف تمزيق النسيج الوطني وإغراق المحافظات الجنوبية بالنزاعات الداخلية بعد حرب 1994م، وتمكين علي محسن الأحمر من ابتزاز المتضررين من تلك النزاعات والثأرات القديمة التي انتشرت بسرعة ملحوظة بعد تلك الحرب.
لا يمكن أن ينسى اليمنيون دور التدخلات السعودية في إغراق اليمن بالحروب الداخلية والنزاعات الفبلية، وسعيها لشق الصف الجمهوري وتنظيم المؤتمرات الانشقاقية في داخل اليمن والسعودية ابتداءً بمؤتمر خمر 1965م ومؤتمر الطائف 1966م، مرورا بالمصالحة مع الملكيين عام 1970م، وانتهاءً بالمؤامرات التي استهدفت طمس وتفريغ مبادئ وأهداف ثورة 26 سبتمبر، وعرقلة بناء الدولة بعد قيام الثورة، وقيامها باغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي عام 1977م بسبب نزوعه للتمرد على مطالب السعودية بالتوقف عن تطوير الجيش وتعزيزه بأسلحة حديثة، وتوجهاته لتحرير القرار الوطني من الارتهان للهيمنة السعودية.
كما واصلت السعودية بعد اغنيال الرئيس الحمدي تآمرها على الرئيس علي عبدالله صالح بعد وصوله الى الحكم عام 1978م بمختلف الوسائل الداخلية والخارجية، وصولا الى دورها في إشعال حرب 1994م ودعم وتمويل كافة الأطراف المتحاربة قبل وأثناء الحرب، وتخريب الوحدة وتشويه صورتها بعد تلك الحرب.
ولا يمكن أن ينسى اليمنيون دور عبدربه منصور بالتنسيق مع الأوليغارشيات القبلية والدينية ومراكز القوى العسكرية، في التمهيد لتلك الحرب وقيادتها ميدانياً، وإدارة مخرجاتها السلبية والمدمّرة بعد الحرب!!
والحال اني سمعت الدكتور عبدالكريم الأرياني رحمه الله، قبل أن يصبح مستشاراً سياسياً للرئيس التوافقي عبدربه منصور وجليساً دائماً له، يردد فكرته الأثيرة عن إعادة جذور الدولة العميقة الى عهد الامام يحيى مؤسس المملكة المتوكلية، دون أن يخفي رأيه في أن السعوديين وقفوا دائما ضد أي توجهات لبناء الدولة الحديثة سواء في عهد الامام يحيى أو في العهد الجمهوري من خلال حرصهم على تسويق الشوكانية الوهابية في عهد الامام يحيى، وصولا الى تسويق الوهابية بشحمها ولحمها بعد المصالحة بين الملكيين والجمهوريين عام 1970م وذلك بهدف تكريس التخلف والعزلة عن العصر الحديث.
وأتذكر انني سألت الدكتور الأرياني عن أسباب تجاهله دولة الشطر الجنوبي الذي قامت فيه دولة عميقة تعود جذورها الى عهود الحكم الاستعماري الأنجلو سلاطيني، ثم ورثها الحزب الاشتراكي اليمني بعد الاستقلال..
كان جواب الدكتور الأرياني حصيفاً وذكياً كعادته ــ رغم الاختلاف معه في محطات عدة ــ حيث أوضح أن الاستعمار بأسبابه وأهدافه، لم يكن حريصاً على بناء دولة حديثة في الجنوب المحتل .
ثم جاء الحزب الاشتراكي اليمني فأبقى على جذور التخلف التي ورثها من الدولة العميقة قبل الاستقلال، ثم قام فقط بطلاء قشرتها الخارجية ببعض الألوان الزاهية .. بمعنى أنه قام بإعادة إنتاج دور السعودية في الشمال ونقله الى الجنوب بعد الاستقلال .. حيث عمل على تطبيق سياسات يسارية متطرفة ومدمِّرة عرقلت تطور الدولة والثورة في الجنوب حتى أصبح اليمن بشطريه في الهمِّ شرقُ!!
وأتذكر انني كنت ذات يوم في حضرة ابن عدن البار المستشار حسين علي الحبيشي رحمه الله، والذي كان قريباً جداً من رؤية الدكتور الأرياني بشأن إشكاليات " الدولة العميقة" في اليمن بشطريه.
يرى المستشار حسين الحبيشي ان السمات (الرعوية) للدولة العميقة تشكل قاسماً مشتركاً بين الجنوب والشمال، خلال مائة عام قبل الاستقلال وخمسين عاماً قبل الثورة .. وكان هذا الحديث في منزله بالعاصمة صنعاء قبل عشرين عاما!!
وأضاف : " كان الامام يحيى يُعيلُ دولته وجيشه وموظفيه وفقهاءه من خلال نهب وإفقار الفلاحين وعموم المواطنين بالضرائب والأتاوات والواجبات الثقيلة، فيما كان الاستعمار يُعيل الدولة والجيش المحلي والحرس القبلي في الجنوب من خلال دعم ريعي يقدمه من خزانة الحكومة البريطانية، مقابل المصالح التي يحققها وجوده العسكري في الأرض والبحر والجو".
ويضيف المستشار الحبيشي : "بعد الثورة والجمهورية استمر الدعم الريعي للدولة الرعوية من قبل مصر والسعودية في مرحلتين متعاقبتين قبل وبعد 1970م في الشمال .. فيما واصل الحزب الاشتراكي الدعم الريعي للدولة وموظفي مؤسساتها البسيطة التي تعمل بخسارة في الجنوب، من خلال السياسات التقشفية والانكماشية بالاضافة الى الضرائب والمساعدات التي كان يقدمها الاتحاد السوفييتي مقابل الامتيازات التي يتمتع بها الأسطول السوفييتي في خليج عدن ".!!
* في ضوء ما تقدم يمكن القول ان إصرار وسائل اعلام المرتزقة على المبالغة في ما أسماها الانتصارات الكبيرة التي حققها العدوان السعودي على اليمن، يجسد مأزق الاتجاه السائد في السعودية حول عدم القدرة على تحقبق الأهداف السياسية والعسكرية لهذا العدوان الذي دخل عامه الثالث.
لانبالغ حين نقول ان ذلك يفسر الادعاء بأن حكومة المرتزقة تسيطر على 85% من الأراضي اليمنية، بمعنى ان القوات السعودية والاماراتية نجحت في احتلال المحافظات الجنوبية التي تبلغ مساحتها 347 الف كيلومتر مربع، فيما يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة بعد انسحاب الجيش واللجان الشعبية منها وتسليمها لفصائل الحراك الجنوبي.
والمعروف ان الجنوب يشكل ثلثي مساحة الشمال ويحتوي على مساحات واسعة من الجبال والصحارى والسواحل والرمال المتحركة، ويتميز بالمناخ الاستوائي الحار جداً وشحة الأمطار ونقص المياه الجوفية ومحدودية المناطق الحضرية والزراعية، على العكس من الشمال الذي تبلغ مساحته 137 الف كيلومتر مربع، ويتميز بغلبة الطقس البارد وكثرة المناطق الزراعية والحضرية واستمرار الأمطار التي جعلت من أراضيه الزراعية وسواحله مراكز حضرية يكثر فيها السكان الذين يبلغ عددهم نحو 21 مليون نسمة تقريباً.
وعليه فإن الزعم أن القوات السعودية والاماراتية تسيطر على 85 % من الأراضي اليمنية يتجاهل الحقائق الطبغرافية والديمغرافية لمساحات الأرض وعدد السكان، ولا يعدو عن ان يكون سوى تهريج اعلامي في سياق البحث عن نصر اعلامي لا غير.
في سياق متصل، اعترف (الفار هادي) في الكثير من أحاديثه وتصريحاته وخطاباته بعجز جيوش الاحتلال عن ضبط الأمن في المناطق المحتلة على الرغم من قيام الحكومتين السعودية والاماراتية باستئجار عدة آلاف من جنود الجنجويد وبلاك ووتر وعصابات تهريب المخدرات في كولومبيا لضبط الامن في الجنوب المحتل، والقتال في مقاولة دولية تحت مسمى (تحرير تعز)!!
بوسعنا القول إن الخطاب الإعلامي للمرتزقة لم يقدم تبريراً مقنعاً لتزايد الفوضى والانفلات الأمني وانتشار الارهاب وتمدُّد وتغوُّل الجماعات الارهابية، بالاضافة الى ما تعانيه مدينة عدن وسائر مناطق الجنوب المحتل، من تدهور حاد في مجال الخدمات الضرورية التي يحتاجها المواطنون، وفي مقدمتها خدمات التعليم والصحة والاتصالات و المياه والكهرباء والنظافة والمشتقات النفطية والرواتب والمعاشات والإعانات الاجتماعية والإنسانية الجارية بموجب فوانين البلد الواقع تحت الاحتلال العسكري الأجنبي.
تحاول قوى الاحتلال السعودي الخليجي، التهرب من مسؤولياتها بموجب القانون الدولي تجاه المواطنين في الجنوب المحتل، من خلال تسويق مغالطات إعلامية للتنصل عن هذه الالتزامات القانونية تحت مسميات خادعة، لعل أبرزها (المقاومة الشعبية ــ التحرير ــ عودة الشرعية) بما يوحي ان السعودية التي قادت ومازالت تقود وتنظم وتموّل حرباً من الجو والبر والبحر على اليمن ــ تمكنت فيه من احتلال جنوب البلاد ــ تحاول التنصل عن مسؤولياتها القانونية تجاه توفير احتياجات المواطنين في المدن والمناطق الجنوبية التي احتلتها بواسطة الغزو العسكري الجوي والبري والبحري، وإحالة هذه المسؤولية المؤقتة الى قوى افتراضية من صُنع الاحتلال السعودي، تحت مُسمّى (الحكومة الشرعية والمقاومة الشعبية).
تعد النصوص والقواعد التي تنظم الاحتلال، من المواضيع المهمة في القانون الدولي العام عموماً والقانون الدولي الإنساني خصوصاً، وذلك بالنظر لخطورة وأهمية الموضوعات التي يعالجها، ونظراً للمقاصد والأهداف التي ترمي أحكامه إلى تحقيقها.
لا تعني دراسة هذه القواعد الإقرار بمشروعية الاحتلال، فهو وضع مؤقت غير مشروع بكل الأحوال، بل ان هذه القواعد في القانون الدولي تم تشريعها لأجل حماية وحفظ حقوق الأفراد وممتلكاتهم، عندما تكون تحت سيطرة سلطة محتلة، وهذا هو الوضع الذي يحدد كون دولة ما تحت الاحتلال تعد حالة واقعية فعلية، أي متى تتحقق شروط ميدانية على الأرض، تتحقق حالة الاحتلال مهما أسبغت عليها الدولة القائمة بالاحتلال من أوصاف لها، أو ما يمكن أن تناله من اعتراف، وهي أوصاف فشلت السعودية حتى الآن في تمريرها على المستوى الدولي!!
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 05:10 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-49759.htm