عبدالرحمن مراد -
< يبدو أن العدو السعودي سيرمي بكل ثقله العسكري والإعلامي والدبلوماسي والسياسي على الساحل الغربي وبحيث يتمكن من فرض سيطرته على المنافذ البحرية والساحل بكل امتداده وميناء الحديدة، وهو يستخدم لبلوغ هذا الهدف كل طرق ووسائل التضليل ويوظف كل حدث أو نشاط عسكري من قبل الجيش واللجان الشعبية كما رأينا ذلك في تفاعله مع منظومة الصواريخ التي أطلقت ثلاثة صواريخ دفعة واحدة على قاعدة خميس مشيط، حتى يتمكن من تبرير احتلال ميناء الحديدة ليطبق حصاراً جائراً على سُكان الهضبة الممتدة من يريم الى سراة نجران.
القضية هنا- بعيداً عن التفسيرات الاستهلاكية- هي قضية وجودية وقضية أخلاقية بالنسبة لعرب الصحراء الذين يرون في المال معادلاً وجودياً عليه أن ينتصر في معركته مع اليمن، فالصحراوي مهما بلغت به مظاهر التمدن وعوامل الاستقرار من مستويات نراها نحن متقدمة بالقياس على ماضيه، إلا أن العامل التاريخي والعامل الثقافي يظلان يفرضان هيمنتهما على المستويات المتعددة للحدث والتفكير بدليل أن الذي يحدث ليس حرباً عادية أو أخلاقية تحترم المواثيق والمعاهدات والقانون الدولي أو تحترم الأبعاد العقائدية والثقافية كالأشهر الحرم التي يحرّم الاسلام القتال فيها.. والأدهى أن عدوان آل سعود على اليمن استخدم القنابل الفراغية والعنقودية وكل أنواع أسلحة الدمار الشامل وهو يواجه شعباً أعزل فقيراً محاصراً وقد جمع حوله (17) دولة لتسانده، ومثل ذلك يؤكد أن العامل التأريخي المكاني والزماني والعامل الثقافي لعرب الصحراء في بعديه الأخلاقي والثقافي من حيث التجرد من قيوده العقائدية الدينية، كانا حاضرين وبقوة لم يشهد لها التأريخ مثيلاً، وهو بذلك ينتصر للفجوة الحضارية العميقة في ذاته، فقد استهدف كل المعالم الأثرية والتأريخية في كل اليمن ردماً لتلك الفجوة، لأنه لم يبرح تلك اللحظة الحضارية اليمنية التي كان اليمن يفرض ثنائية الهيمنة والخضوع على قبائل الشمال وقبائل الصحراء، فالانتقال الحضاري في البناءات المختلفة والمستويات الحضارية في المملكة ليس عميقاً لأنه لا يتجاوز أربعين عاماً تزيد أو تنقص في حساب عمليات التحول، لذلك فثقافة الصحراء لاتزال تهيمن على الحالات النفسية والوجدانية وطبيعة التفكير والتفاعل مع الأحداث، ويمكن أن نقرأ تلك المؤشرات الدالة على هيمنة الماضي الصحراوي الثقافي والأخلاقي على البناءات النفسية والأخلاقية والثقافية في الذات السعودية من خلال قراءة التفاعل وردة الفعل التي قام بها اللواء أحمد العسيري بعد استهدافه في لندن رجماً بالبيض الفاسد، وكانت إشارته بأصبعه السبابة للذين استهدفوه دلالة أخلاقية غير قويمة بل دلّت على المستوى الأخلاقي السوقي الذي هو عليه ودالة على هيمنة الماضي رغم المستوى التعليمي والتراتبي من حيث المنصب والقيمة الاجتماعية، وعلى مثل ذلك يمكن القياس.. ومن هنا يمكن أن نقول إن معرفة العدو والعلم به والقيام بتشغيل تلك المعلومات لإدارة معركتنا الوجودية والتأريخية والحضارية معه، هو من يحقق لنا الانتصار، فالمعركة العسكرية ليست معركة حقيقية في جوهرها وإن حققنا فيها انتصاراً ظاهراً وتأريخياً بالقياس إلى حالة التفاوت في القدرات والإمكانات، ذلك أن الانتصار الحقيقي يبدأ من نقطة التفاوت الحضاري والثقافي والأخلاقي وتلك معركة لم نخض غمارها بعد وعلينا خوضها بقدرات ذهنية ليست عبثية كما نرى في الكثير من التفاعلات بل لابد من خوضها بخطوات إجرائية ذات رؤية وغاية وهدف تكون تعبيراً عن رؤية استراتيجية ذات تموج وتفاعل وتمتاز بصناعة المستقبل وليس انتظار قدومه، لنكون نحن في المستقبل في تعبير حضاري وتأريخي للهوية اليمنية وليس انسلاخاً منها.
ومن هنا تكون معركة الساحل التي يسعى النظام السعودي من خلالها الى فرض شروطه الموضوعية على المستقبل هي النقطة التي علينا أن نبدأ من عندها لفرض شروطنا على مستقبل اليمن.