الميثاق نت -

الثلاثاء, 11-أبريل-2017
أحمد الزبيري -
موقف جمهورية روسيا الاتحادية من عدوان الولايات المتحدة الامريكية المباشر على الجمهورية العربية السورية باستهداف مطار الشعيرات في محافظة حمص بعشرات صواريخ «توماهوك» أطلقتها بوارجها في شرق البحر الأبيض المتوسط صباح السبت الماضي، موقف اتسم بالمسؤولية العالية ليس فقط نحو الدولة والبلد الحليف الذي يتعرض لحرب عدوانية ارهابية كونية بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وإسرائيل، بل وتجاه الإرهاب في المنطقة، وفي هذا الصدد لابد من الإشارة الى الدور الأساسي للأنظمة العربية التابعة للغرب وعلى رأسها السعودية وقطر والإمارات والأردن وتركيا وهاتان الأخيرتان أسندت إليهما وظيفة تجميع الارهابيين من الاخوان والقاعدة وداعش في معسكرات تدريب ثم الدفع بهم عبر حدودهما الى الداخل السوري..
قيادة الجيل الرابع من حروب الولايات المتحدة للهيمنة العالمية والتي مسرح عملياتها الدموية منطقة الشرق الأوسط تولته تركيا الاردوغانية في نطاق دورها القيادي في ثورات ربيع الفوضى الخلاقة اعتماداً على نجاحاتها في تونس ومصر والى حد ما في ليبيا واليمن، وكانت التقديرات أن الأمور لن تأخذ سوى أسابيع وفي أسوأ احتمالات أشهر لاسقاط النظام السوري والقضاء على جيشه وتقسيم أرضه تنفيذاً لمشروع الشرق الأوسط الجديد، ولكن سوريا تثبت مجدداً أنها عصية على الانكسار وبعد أكثر من ستة أعوام تقترب -وحلفاؤها وعلى رأسهم روسيا- من الانتصار لنفسها وأمتها والإنسانية جمعاء على الارهاب وكل قوى الشر في العالم.
في هذا السياق جاء العدوان الأمريكي على قاعدة الشعيرات الجوية العسكرية السورية ليثبت حقيقة الدول الراعية والداعمة والممولة للارهاب، والدول التي فعلاً تريد القضاء عليه انطلاقاً من إدراك أن الارهاب ليس إلاّ أحد جيوش الهيمنة الامريكية على المنطقة والعالم وأن الحرب أمريكية أوروبية إسرائيلية على سوريا والشعوب العربية وروسيا وكل الدول المواجهة لهذه العدوانية الغربية التي تسعى للسيطرة على العالم.
روسيا تصرفت تجاه الضربة الصاروخية على مطار الشعيرات من موقع الدولة العظمى الحريصة على السلام والاستقرار والامن الدولي، وحاولت بعد أن افتضحت وانكشفت حقيقة ما سُمّي «الربيع العربي» أن تعمل مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ودول المنطقة لتشكيل حلف عالمي ضد الارهاب انطلاقاً من أنه بات يهدد الجميع.. معولاً الرئيس فلاديمير بوتين على الشعور المتزايد بوعي النخب السياسية في الولايات المتحدة وحلفائها بالخطر الذي تمثله هذه الآفة وان استخدامها قد يؤدي الى نتائج تحقق مصالح سياسية واقتصادية وحتى عسكرية وجيوسياسية حيوية لها، لكن خطره استراتيجي على الجميع خاصة وأن أمريكا شكلت أحلافاً وشنت حروب ودمرت دولاً وشردت وقتلت ملايين البشر بذريعة مكافحة الارهاب.. مراهناً على الفشل الذي مُنيت به حروب إدارة الرئيس الامريكي بوش الابن والتي أتت بباراك أوباما كأول رئيس أمريكي من أصول أفريقية، متصوراً أن بإمكان روسيا الوصول الى تحالف معه ضد الإرهاب، إلاّ أن السياسة الامريكية لم تتغير، ولا حروب الهيمنة الا من حيث الأساليب والوسائل التي صارت أكثر خبثاً وتمويهاً، وبالتالي اتسع الارهاب الوهابي أفقياً في الشرق الأوسط والعالم وتطور رأسياً ليصبح أكثر إجرامية ودموية وتوحشاً واتخذ مسمى جديداً يتناسب مع تطوره «داعش»، وتكون له إمارة في العراق تمتد الى سوريا وتعلن التنظيمات الارهابية الانشقاق عن القاعدة لتبايع «البغدادي» خليفة.. مع هذا التطور تستمر روسيا في مساعيها لمحاربة الارهاب في إطار حلف دولي، ولكن أمريكا تصر على حلفها الرافض لروسيا وكافة الدول الجادة في محاربة الارهاب.. وهكذا تقتنع روسيا بتشكيل الحلف الجدي لمحاربة الارهاب معولة من جديد على حدوث متغير بتغيير الإدارة الأمريكية ويُنتخب دونالد ترامب الذي ردد طوال حملته الانتخابية أن مهمته الرئيسية التي تتصدر أولوياته هي الحرب على الارهاب بالتعاون مع روسيا، معطياً رسائل إيجابية في هذا الاتجاه، وما أن أصبح رئيساً حتى ضرب بكل ذلك عرض الحائط.
الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة ترامب تقصف مطار الشعيرات بذريعة السلاح الكيميائي الذي استخدم ضد سكان خان شيخون في مدينة إدلب المسيطَر عليها من قبل جبهة النصر واخواتها التي تعتبرها الولايات المتحدة الفرع الشامي لتنظيم القاعدة وتتصدر قائمة التنظيمات الارهابية التي تدَّعي أنها تحاربها منذ 3 عقود.. واللافت في فترة الحرب الامريكية على الإرهاب يولد مفكرون جدد ينظّرون لمرحلة الهيمنة الأمريكية على الصعيد السياسي والعسكري بعد نهاية التاريخ وصراع الحضارات التي صاحبت نهاية الحرب الباردة بمفاهيم الفوضى الخلاقة والجيل الرابع من حروب الولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين.
والمقصود بحروب الجيل الرابع تدمير الدول والشعوب والمجتمعات ذاتياً من داخلها بإعادة إنتاج صراعات التخلف عبر إحياء أسباب وعوامل الصراعات التاريخية الدينية في أبعادها المذهبية والطائفية والديمغرافية في طابعها المناطقي والعشائري والقبلي والعرقي وتغذيتها لتصبح حروباً عبثية عدمية مدمرة.
في هذا السياق يمكن فهم ما يجري في منطقتنا بنماذجها المتعددة السورية والعراقية والليبية التي تجتمع في العدوان السعودي على اليمن.. طبعاً السعودية وبعض دول الخليج حاضرة في كل هذه الصراعات والحروب وتلعب دوراً وظيفياً أساسياً في حروب الجيل الرابع يتجسد في تصدير الفكر الوهابي التكفيري الارهابي وتمويله مستخدمة المال النفطي ليس فقط لجيشها الحقيقي المتمثل في التنظيمات الارهابية بل وكل من قبل الانخراط في مشاريع حروب الفوضى الخلاقة التي اجتمعت تحت مظلته نخب القوميين واليساريين والليبراليين من سياسيين ومثقفين ومنظّرين.. ومرةً أخرى يبقى عدوان التحالف السعودي على اليمن الذي يدخل عامه الثالث التعبير المكثف لهذا كله.. ومع ذلك ظلت مواقف روسيا تجاه العدوان على اليمن في المنطقة الرمادية، انطلاقاً من تصورها إمكانية إقامة حلف مع أمريكا وحلفائها لاسيما في المنطقة وعلى رأسها النظام السعودي ودول الخليج التي فشلت في جرّ الرئيس أوباما عبر السلاح الكيماوي الى الدخول في الحرب الارهابية مباشرةً على سوريا، لتنجح مع ترامب «المعادي للارهاب» مستخدمةً أدواتها الارهابية في خان شيخون كما في خان العسل والغوطة وغيرها وتحميل المسؤولية الدولة السورية، وبالتالي إظهار النظام السوري بأنه تجاوز الخطوط الحمراء للرئيس أوباما، فجاء ترامب وبدون خطوط حمراء ليقول أنا الارهابي الأول في العالم.
والخلاصة التي ينبغي استنتاجها من دخول الولايات المتحدة على خط العدوان المباشر على سوريا بضرب قاعدة الشعيرات، أن هناك في المنطقة والعالم حلفين الاول ارهابي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا واسرائيل والسعودية وحلفائها الخليجيين في العدوان الاجرامي الوحشي على اليمن.. أما الثاني فيتمثل في دول ضد الارهاب وعانت منه، ومع ذلك لم تبلغ بعد مستوى التحالف المطلوب لمواجهة هذه الآفة، والذي ينبغي أن يتشكل بقيادة روسيا، إدراكاً منها أن ما تتعرض له العراق وسوريا وليبيا والذي اتخذ صورة الحرب العدوانية المباشرة والشاملة والقذرة على اليمن هو أيضاً يستهدف روسيا وكل دولة تقف ضد حلف الشر الارهابي الامريكي.
والتفجيرات الإرهابية التي تعرضت لها مترو سان بطرس بورغ التي سبقت كيماوي خان شيخون والعدوان على قاعدة الشعيرات الجوية السورية هو تحدٍّ لروسيا، وعليه فالمسألة أكبر بكثير من توجيه رسائل وجس نبض.. إنها إعلان حرب لا مجال فيها للسلام ولا الاستسلام..
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:30 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-49898.htm