محمد انعم - تجربة التحالفات بين الأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن لم يجنِ منها الشعب إلاّ الويلات والآلام ومزيداً من الانقسامات والكراهية والاحقاد والأزمات والاقتتال والاستعانة بالخارج ضد بعضنا البعض وضد بلادنا وشعبنا.. ويمكن أن نقول إن تجارب التحالفات سيئة وكارثية لأنها تطغى عليها الدسائس والتآمرات وحب الانتقام وشغف الاقصاء والتهميش والاجتثاث لتبدو أشبه بحلبة صراع لا يمكن أن يبقى فيها مستقيماً إلاّ شخصاً واحداً مع الحكم.. للأسف هذا ما يحدث على الرغم من أن الغايات والأهداف من وراء قيام تحالفات بين المكونات السياسية هو إيجاد تكتل وطني يخوض نضالاً مشتركاً لتنفيذ برنامج أو برامج سياسية واقتصادية واجتماعية تلبي تطلعات الشعب.. أو للتصدي لكل ما يتعارض مع مصالح الشعب والوطن.
إن تجارب التحالفات السياسية للعديد من الأحزاب على المستوى الدولي تجارب جديرة بالاحترام، كان لمعظمها تأثير كبير في تغيير مجرى الأحداث والسياسات ومواجهة السلطات الاستبدادية والديكتاتورية وتبني خطط وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية طموحة أحدثت تغيراً جوهرياً ليس هذا فحسب بل إن هذه التحالفات تجاوزت التباينات وأعطت نموذجاً متميزاً في الانفتاح مع الآخر والتقارب في الرؤى والايديولوجيات والاتفاق حول الأولويات في البرامج والخطط والاستراتيجيات والمشاركة في تحمل اعباء المرحلة كفريق عمل واحد ارتبط مصيرهم بالعمل معاً من أجل تحقيق أهداف وطنية واحدة، ولا تعني أيضاً الإلغاء للآخر أو الاحتواء أو الاندماج.
للأسف مرة أخرى يمكننا القول إن تجربة التحالفات في اليمن تحولت الى مشكلة وطنية حقيقية وباتت تقف عائقاً أمام التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، بل ومعضلة أمام الأمن والاستقرار، حيث نجد أن التحالفات التي شهدتها اليمن منذ تسعينيات القرن الماضي والتي غلب عليها تحالف سياسي وعسكري لاتزال هي المشكلة، حيث إن قيام أي تحالف اليوم يطغى عليه طابع القوة وليس الإيمان والقناعة بواقعية أو موضوعية وعلمية هذا البرنامج السياسي الوطني لهذا الحزب أو ذاك، والأسوأ من ذلك هو عدم احترام ارادة الشعب أو الاحتكام الى الاساليب الديمقراطية لكسب ثقة الشعب بهذا التحالف أو ذاك للوصول الى السلطة.
وما يحز في النفس أن تجربة المؤتمر الشعبي العام في مسار تاريخ هذه التحالفات تجربة مرة ومؤلمة جداً وقد دفع المؤتمر وجماهير الشعب ثمن ذلك باهظاً.. ومايزالون يدفعون الأثمان مضاعفة الى اليوم..
أعتقد أن من الضرورة بمكان أن يقيّم المؤتمر الشعبي العام تقييماً علمياً وموضوعياً تجربة تحالفاته خلال العقدين الماضيين ويحدد الاخطاء ويقف بمسئولية أمام السلبيات والايجابيات.. وما الثمار التي حصدها الوطن والشعب أو التنظيم نفسه من وراء مثل هذه التحالفات.. وقبل ذلك على المؤتمر أن يتحرر من عقدة أنه مايزال مظلة للكل.. فمرحلة ما قبل التسعينيات وما تميزت به من فرادة في مسيرة التحالفات لم تعد تصلح معها عاطفة البابوية اليوم بعد الانتكاسات التي تتعرض لها بعض الأحزاب الوطنية..
علينا أن نعترف بأن من بين الاخطاء المرتكبة أن كل التحالفات قامت على المراضاة والمحاصصة والمقاسمة ولم تقم على مقاربة في برامج وطنية سياسية واقتصادية واجتماعية.. أو يمكن اعتبارها -وهذا هو الأصح- «تعصبات» وليس تحالفات، فالذي جمع أحزاب المشترك هو رغبة الانتقام من المؤتمر وليس تنفيذ برامج وطنية، كما أن تحالفها بعد ذلك مع العدوان السعودي أظهر أنها انتقلت للانتقام من الوطن والشعب والمؤتمر أيضاً..
لهذا لا غرابة إذا وجدنا بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية تتعرض في مسيرة تاريخها الوطني الى انتكاسات قاتلة، حيث تحولت الى مفرخة لإنتاج مراكز قوى مناطقية ومذهبية وطائفية ولم تعد تقدم نفسها للشارع اليمني كقوى سياسية تتبنى برامج وطنية، بل إن هناك قيادات تفاخر وتمجد العصبيات المقيتة.. هذه الانتكاسة توالدت بشكل مفزع بعد نجاح الحزب الاشتراكي اليمني في إيجاد القضية الجنوبية كمشكلة وطنية ليفتح بذلك الشهية أمام القوى الانتهازية والطفيلية الأخرى التي سارعت بدورها نحو تفتيت الدولة المركزية اليمنية الواحدة سواءً باسم القضية التهامية أو قضية صعدة أو القضية المأربية وأخيراً بالدعوة الى إنشاء دولة اتحادية ومحاولة فرض ذلك بقوة العدوان الخارجي.
من جديد يدخل المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه في تحالف مع أنصار الله وحلفائهم.. والضرورة الوطنية لذلك هي تعزيز الجبهة الداخلية لمواجهة العدوان ومرتزقته.. وواضح أن هناك جهوداً تُبذل اليوم للحفاظ على التحالف الذي يواجه تحديات خطيرة جداً، في وقت ليس فيه متسع على الاطلاق ليعيش وحده.
|