الميثاق نت -

الإثنين, 17-أبريل-2017
د. عبدالرحمن أحمد ناجي -
عقب التوقيع التاريخي علي الاتفاق السياسي بين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأنصار الله وحلفائهم يوم الخميس 28 يوليو 2016م، كان من بين الكلمات التي تلت مراسيم ذلك الحدث العظيم، وستظل محفورة في ذاكرتي مادمت على قيد الحياة لقائد أنصار الله يخاطب فيها من قد لا يعجبه أو يعارض ذلك الإتفاق، إذ قال متوعداً: من لم يعجبه الإتفاق السياسي بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام وحلفائهم فليشج رأسه بأكبر صخرة.
يومها ولأسابيع تالية لم أدرك ما وراء تلك الكلمات، ولم أدرك من المعني بها، نعم.. لم أدرك أنها كانت موجهة لمن كان قائلها يعلم على وجه اليقين وليس حدسا أو فراسة أنهم سيقفون حجر عثرة أمام هذا الحدث الاستثنائي في هذا التوقيت الاستثنائي من تاريخ اليمن المعاصر، إذ لم يكن يخطر ببالي إلا أنه كان يشير بتلك الكلمات إلى العملاء والمرتزقة من قادة الأحزاب والعسكريين الذين شكل لهم خبر التحالف الوطني الجديد فاجعة عظمى حلت بهم، فأخرست ألسنتهم وألجمت أفواههم ولوت أعناقهم من هول ما حاق بهم من صدمة عندما تواترت الأنباء إلى مسامعهم عن انجاز هذا الحدث، تماماً كما لو أن جبلا قد انهار فجأة ودون سابق إنذار أو تنبؤ فوق عظام جماجمهم وأجسادهم فأحالها في لمح البصر إلي عجينة من العظام المنصهر باللحم.
ولما بدأت ملامح أولئك المعنيين بتلك الكلمات تتكشف وتنجلي، بدأت علامات التعجب والاستفهام عندي تختفي الواحدة تلو الأخرى، فمن الطبيعي جدا والمنطقي تماما أن نفراً من أولاد آدم بين ليلة وضحاها تحولوا من مجرد مواطنين عاديين من عامة الشعب إلى متربعين على كراسي الحكم، دون أن يتدرج أيٌّ منهم في مواقع وظيفية قيادية في الجهاز الإداري الحكومي الذي وجدوا أنفسهم وقد قُذِفَ بهم فجأة إلى قمة الهرم فيه.
هل لك عزيزي القارئ أن تتخيل نفسك معي في هذه الوضعية؟!، بالأمس كنت مجهولاً لا أحد يعرفك أو يعلم عنك شيئاً، مجرد رقم نكرة ضمن سبعة وعشرين مليوناً يشاركونك الحياة والانتماء لذات الوطن، ثم تجد نفسك بما يشبه الحلم أو الكابوس قد أصبحت في سدة الحكم، الآمر الناهي على تلك الملايين دون منازع، وصارت صورك وأخبارك وكلماتك تزدان بها الصحف والمجلات والفضائيات المختلفة والمتفقة معك، وظللت على هذا الحال عاماً كاملاً بكل فصوله وشهوره وأيامه ولياليه وساعاته ودقائقه وثوانيه، تأكدت خلال ذلك العام وبما لا يدع مجالا للشك أن ما أصبحت عليه واقعاً معاشاً وليس من نسج الخيال والأمنيات، ثم وبنفس الكيفية والآلية تفيق ذات صباح لتجد من وضعك ونصبك في مكانك وموقعك قد وضع يده متحالفاً بيد من كنت تعتقده وتؤمن بأنه العدو الأكبر لك وبلا منازع كحلفاء، وأن من مقتضيات ذلك التحالف المفاجئ أن تهوي من عليائك ويعود حالك كما كان قبل العام الذي مضي.
هكذا وبصورة مباغتة وبجرة قلم يراد أن تطوى صفحتك، ويهدم بنيانك الذي شيدته، وتنسف كل مشروعية لك كانت ممجدة بالأمس لاعتلائك وبقائك فوق كراسي الحكم، هل سيتقبل قلبك وعقلك وبصرك وبصيرتك الاعتراف بواقعك الكارثي الجديد؟!، كما تقبل من قبل أن يؤتى بك من الشارع ويجري تنصيبك علي رؤوس الأشهاد في منصب يمكن أن يحلم به أي بشر، بالتأكيد لا وألف لا، بل إنني وأنت سنستميت للتشبث بما كنا عليه، ومحاربة من يريد إزاحتنا منه بكل ما وهبنا الله من قوة وسطوة تكونت وشيدت لنا خلال عام مضى، وستبتكر عقولنا الذرائع والمبررات التي تسوغ لنا استمرار البقاء في ملكوتنا إما إلى ما لا نهاية أي إلى أن تقبض أرواحنا إلي بارئها أو إلى أن تمر فترة كافية من الزمن نتقبل فيها واقعنا الجديد بكل مراراته.
أولئك الذين يمكن أن نطلق عليهم حكام (الغفلة) رفضوا ومازالوا يرفضون وأظنهم سيظلون على حالهم رافضين الاعتراف بأن من قضى 33 عاماً في السلطة تمكن وبكل بساطة مقترنة بقمة الشجاعة أن يطلقها طلاقا بائنا لا رجعة فيه، ليس فقط لأنه قد سئمها وملها، بل لأنه أصبح متيقناً يقيناً مطلقاً أن التشبث بها نوع من أنواع العبث والجنون والحماقة إن كان ثمن ذلك التشبث إراقة الدماء الطاهرة وإزهاق الأرواح البريئة التي لا ناقة لها بالأمر ولا جمل، وإنما أقحمت فيه عنوة لتحقيق مآرب الطامعين والطامحين التواقين للجلوس على كرسي الحكم مهما كلفهم ذلك من دماء تسفك أو أرواح تزهق على محراب ذلك الكرسي الملعون، حتي وهم يعلمون علم اليقين أنهم إن تربعوا على عرش الحكم فلن يكون صولجانه بإيديهم بل بأيدي من مكنهم من التربع على ذلك العرش، لأن من كان يعتليه قبلهم لو كان طوع بنانهم يتحرك وفق مشيئتهم لما استبدلوه بهم.
تحول أولئك الذين أذن الله لهم -لحكمة معلومة لديه- إلى طابور خامس بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وربما دون أن يدركوا حتى الآن أنهم صاروا خداما بامتياز لأعداء وطنهم بلا مقابل ودونما طلب من أولئك الأعداء، وهذا هو الفرق بينهم وبين طابور خامس يدرك عناصره أنهم ملوثون بما تلوث به أسيادهم، ويفعلون ذلك بكل رحابة صدر وأقصى ما يتمنونه فعلياً هو انتصار الخونة والعملاء الذين باعوا لهم ذممهم وضمائرهم، ومازالوا ماضين في قبض ثمن تلك الذمم والضمائر، هذا الطابور الخامس هو المعلوم لدى الجميع بأنهم يظهرون للمحيطين بهم عكس ما يبطنونه لهم من الشر والحقد والكراهية والضغينة والبغضاء، ويتمنون أن يغمضوا أعينيهم ويفتحوها فيجدون كل الشرفاء والأحرار قد زالوا أو تحولوا مثلهم لعبيد خانعين أذلة، بينما الطابور الخامس من الصنف الأول وهو الأكثر خطورة لأنهم يؤمنون إيماناً راسخاً متجذراً في عقولهم وأفئدتهم أنهم إنما يقدمون خدمات جليلة للوطن يستحقون نظيرها الإشادة والمكافأة، وَهُمْ الأخسرون أعمالاً الذين يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، لذلك يعملون جهاراً نهاراً متباهين ومتفاخرين بما يعتبرونه اجتراحاً لمآثر وطنية خالدة، ويسيرون بين الناس بخيلاء وعنجهية كما لو كانوا طواويس، هؤلاء لا يمارسون أعمالهم في الخفاء سراً من وراء ستار وتحت جنح الظلام كالصنف الثاني المشهور والمتعارف عليه الذي يموت المنتمي إليه ألف مرة خوفاً ورعباً وهلعاً من أن ينكشف أمره ويلتف حول عنقه حبل المشنقة بتهمة الخيانة العظمى.
هذا في تقديري الشخصي هو حال رئيس وأعضاء ما كانت تسمى باللجنة الثورية العليا، الذين يدركون قبل غيرهم أنهم لو وقفوا أمام القضاء لنالوا حكماً نهائياً رادعاً مرتين، الأولى حينما تولوا السلطة وحكموا البلاد والعباد لمدة تزيد عن العام بالمخالفة الصريحة والواضحة المشهودة من كل مواطنيهم لأحكام الاعلان الدستوري الذي يدعون أنهم إنما حكموا وفقا لنصوصه، فلا هم الذين أصدروا إعلاناً دستورياً مكملاً يسميهم بديلاً للمجلس الرئاسي المنصوص عليه بذلك الإعلان، ولا هم الذين غيروا تسمية لجنتهم لتصبح مجلساً رئاسياً، ولا هم الذين أعلنوا حالة الطوارئ عند بدء العدوان فتمكنوا بذلك الإعلان من تعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان وحكم البلاد بقبضة حديدية من خلال العمل بالأحكام العرفية المتعارف عليها حينما تعيش أي دولة في العالم في حالة الطوارئ.
والسؤال الملح المطروح الآن وبشدة هو: متى سيعلن أنصار الله رسمياً وبعبارات وكلمات واضحة موقفهم من تلك اللجنة، وأنهم لم تعد لهم صلة لا من قريب ولا من بعيد سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة بتلك اللجنة وممارساتها بحق المغلوب على أمرهم من أبناء هذا الشعب، ويزيلون اللغط الدائر حول مدي تبنيهم ومباركتهم لاستمرار وجود وعمل تلك اللجنة خلافاً للنصوص الدستورية والقانونية، وخلافاً لنصوص ومقتضيات الاتفاق السياسي المبرم مع المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، ذلك الاتفاق الذي جعلهم شركاء في كل ما تمخض عنه من تشكيلات سواء في المجلس السياسي أو في حكومة الإنقاذ الوطني.
وليكن إعلان الموقف من تلك اللجنة من باب الامتثال والتلبية لأمر وتوجيه قائد أنصار الله الصادر عبر تلك الكلمات التي افتتحنا بها هذا المقال، ودحضاً وتكذيباً للشائعات التي بدأت تنتشر على أوسع نطاق بأن الأمور لم تعد بيد زعيم أنصار الله، وأن هناك تصدعاً قد حدث أفضى إلى وجود قيادتين متباينتين في الرؤى والأفكار والمواقف إزاء ما يجري في الساحة الوطنية، الأولى قيادة رسمية شكلية بقيادة زعيم أنصار الله، والثانية قيادة فعلية بيد رئيس ما كانت تسمى اللجنة الثورية العليا.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:18 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-49978.htm