فيصل الصوفي - خرج ملايين المواطنين إلى ميدان السبعين في العاصمة، وبأعداد أقل في محافظات أخرى يزكون المجلس السياسي، ثم حكومة الإنقاذ الوطني، وكان تشكيلهما مطلباً شعبياً من الأساس، وأضفت تلك الملايين صفة الشرعية على المجلس والحكومة، وتمت شرعنة هذه الشرعية ثانية من قبل ممثلي الشعب في مجلس النواب.. فماذا فعل المجلس والحكومة بهذا الشرف العالي؟
إن المواطنين لم يفعلوا ذلك تعبيراً منهم عن مقاومة العدوان العسكري السعودي فحسب، بل أيضاً من أجل أشخاصهم وأفراد عائلاتهم، من أجل الحصول على حياة كريمة ولو في شروطها الدنيا، إلا أن المجلس والحكومة لم يقابلوا ذلك الشرف، بعمل محسوس لحياة المواطنين، وإنما حدث عكس ذلك تماماً، وغطته الحكومة والمجلس بقليل من الشكوى ولوم التجار ومؤجري المساكن الذين يضطهدون الخلق، وبالتوكيد لم تخرج تلك الملايين من أجل المطالبة بهذا.
إن فعل المجلس والحكومة في مقاومة العدوان الأجنبي، لا تنكر فعاليته، والمطلوب في هذا المجال تعزيز جبهاتنا العسكرية بمزيد من الدعم وعوامل تقوية الدفاع والهجوم والوصول للنصر، لكن قيادتنا العليا - وإن فعلت ذلك بالقدر المطلوب- ستظل قيادة عرجاء إن هي لم تقِ المواطن المجاعة والعري.. لا ندري كيف ستحقق ذلك على وجه الدقة، ولكننا نعرف أن القيادة في أي بلد نخب ذكية ومحترمة، أو هكذا يتمنى الناس أن تكون، لديها أساليبها في التفكير وطرقها في حل المشكلات، وما لم تحقق للناس مطالب الحياة اليومية فلن تعد نخب صالحة، ولن يحترمها المواطنون، كما لن يحترمها المجتمع الخارجي الذي تخاطبه خطاباً عاطفياً فارغاً من أي فكرة ذكية فعالة، بل سينظر إليها نظرته لحكومة هادي الفاشلة.
الآن أصبح البنك المركزي خاوياً من الاحتياطي الذي تراكم فيه خلال السنوات الثلاثين الماضية، وزاد العدو يجهز عليه نهائيا بنقله إلى عدن وراحت المليارات المطبوعة في روسيا إلى أيادي المنتقمين والفاسدين هناك، وانقطعت مصادر المساعدة والدعم الخارجية، وشحت معظم الموارد الداخلية، وانقطعت رواتب موظفي الدولة المدنيين وغير المدنيين منذ نحو سبعة أشهر، وكل الدلائل تشير إلى أن ثمة مجاعة، وسوف تتسع رقعة انتشارها، وهي الكلمة الوحيدة الصادقة التي تفوهت بها الأمم المتحدة منذ بداية العدوان السعودي إلى اليوم على طريق العام الثالث.
ونستغرب من عدم استثمار النخب الحاكمة لهذه الحقيقة الأممية وإعادة شرحها بشتى الصور للعالم، وخاصة الأصدقاء الأوروبيين الأقرب مودة وإنسانية، وليس عيباً ولا من قبيل الاستجداء إن أرسلنا إلى إخواننا في الإنسانية الأوروبيين، النساء والرجال الذين يمثلون شعوبهم في البرلمانات، والمهمومين بقضايا وموضوعات حقوق الإنسان والمشتغلين بالفلسفة والفكر والثقافة والصحافة والإعلام والسياسة، أن تفضلوا بزيارة بلادنا، لتروا بعيونكم ما فعله ويفعله العدو السعودي، فإخوتكم في اليمن محاصرون ومهددون بالجوع والعري، ومعظمهم عرضة للقتل يومياً من قبل جيرانهم السعوديين أغنى وأثرى أسرة ملكية في العالم.. وتعتبر المسيرة الراجلة إلى الحديدة مفيدة في هذا المجال، وسيكون لها أثرها إن أوصلت الحكومة أخبارها اليومية إلى العالم الخارجي، وإلى الأوروبيين خاصة.
|