مطهر تقي - والدي القاضي علي أبو الرجال.. هو أشهر من أن يكتب عنه أي قلم أو أن يتحدث عنه لسان فهو في نظر الكل يمثل ذاكرة اليمن و هو شاهد عصورا سبعة إبتداءا من عصر الإمام يحيى حميد الدين و حتى عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
هو من مواليد صنعاء حارة شكر 1351 هجرية-1932 ميلادي و ابن أسرة امتهنت العلم و القضاء فوالده القاضي أحمد محمد أبو الرجال أحد كبار موظفي الأوقاف و جده القاضي العلامة و المؤرخ المشهور أحمد بن صالح أبو الرجال صاحب مؤلف مطالع البدور المتوفي 1063 هجرية.
بالرغم من العلاقة الأسرية التي تربطني به إلا أن علاقتي به توثقت حتى وصلت حد الأب بابنه ,بعد لقائي به في القاهرة في شهر أبريل عام 1975 حين رافق القاضي عبد الكريم العرشي (بحكم علاقته الوثيقة به) في رحلة العلاج و كنت وقتها طالب في السنة الثانية كلية الإعلام جامعة القاهرة.... و من إجازة الصيف لذلك العام تعودت أن أقضيها بين إذاعة صنعاء للتدريب و منتدى مقيل وزارة الأشغال الذي كان الوالد علي وكيل لتلك الوزارة و اعتبرته مصدر معرفة و أب لعقلي و روحي... و أسرته الطيبة المتميزة أتقاسم الوقت بينها و بين أسرتي و كأني أحد أفرادها تغمرني زوجته الفاضلة بحبها كما تغمر أولادها.
بدأ حياته العملية في وزارة الأوقاف عام 1949 بعد وفاة والده و خلال عمله في الأوقاف كلف و لمدة ثلاث سنوات متوالية صرف جوازات سفر الحجاج الموسمية من صعده مقابل أربع بقش (الريال أربعين بقشة) على كل جواز و خلال عودته الاخيرة إلى صنعاء أصيب بصدمة برد شديدة أثرت على سمعه و حتى التاريخ و لم يتمكن من العلاج في الخارج.
عين مشرفا على المستشفى المتوكلي (الجمهوري حاليا) عام 1957 و تأثر بالمهنة فقد كان له اهتمام بالتطبيب و معرفة الوصفات الطبية و ما يقابلها في الطب البديل و قد انعكس ذلك في ممارسة حياته و غذائه و تمكن وقتها من استيعاب اللغة الإنجليزية إلى حد معين بعد ذلك انتقل إلى مدرسة الصناعة و عين مدير لها حتى آخر حكومة قبل الثورة.
أما بداية علاقته بوزارة الأشغال التي نجح فيها نجاح كبير فقد بدأت عام 1961 بتعينه سكرتير للوزير الحسن بن علي بن يحيى ثم مدير عام 1962 فوكيل للوزارة عام 1968 حتى نهاية عام 1975 و أهم الأعمال التي أنجزها بجانب الطرقات و الإنشاءات الحكومية مطار صنعاء بمساعدة ألمانيا الاتحادية وقتها.
بداية عام 1976 عين محافظ للواء صنعاء (المحافظة و الأمانة حاليا)ثم عين محافظ للحديدة عام 1977 و لمدة خمسة سنوات ثم نائب لمدير مكتب رئاسة الجمهورية.... و في عام 1984 عين رئيس للجنة الوثائق بجانب عمله حيث بدأ رحلة طويلة من جمع و حفظ و ترميم وثائق اليمن حتى 1991 حين أنشئ المركز الوطني للوثائق بقرار جمهوري و عين رئيس له ليواصل جهده العظيم في حفظ وثائق الامة اليمنية و لا زال في جهده المعروف بمثابرته و نظام وقته و دقة عملة حتى التاريخ.
تلك أهم الاعمال التي تقلدها الوالد العزيز علي أبو الرجال و هناك أعمال متفرقه تولي بعضها و شارك في البعض الآخر كتعاونية صنعاء و المشاركة في تأسيس مركز الدراسات و البحوث و كذلك في الحفاظ على صنعاء القديمة.
هو علم معروف لدى مراكز التوثيق العربية و الأجنبية من خلال عضويته و كذلك مشاركته في الجهد العالمي للوثائق و نال أوسمة و جوائز عديدة على المستوى الوطني و العربي و كذلك العالمي و من أهم ذلك وسام التعاون عام 1978 من الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح و كذلك وسام الملك عبدالعزيز عام 2001 و وسام الفنون و الآداب رتبة فارس من وزارة الثقافة الفرنسية عام 2007.
سيرة ذاتية حافلة على مدى سبعين عاما من العطاء و الإنجازات بروح وطنية وثابة و صدق مع الله و مع الوطن و مع كل من عمل معه.
للقاضي الوالد علي أبو الرجال صورتان نظرتان الاولى يعرفها الكثير من الناس في عمله و مسجده و جلسات المقيل و مناسبات الأفراح و الاتراح التي يحرص على القيام بواجب حضورها.
أما الصورة الثانية فهي في بيته و بين أسرته الكبيرة فلها أبعاد من الحنان و الحب الكبير و المودة المتميزة فعلاقته بزوجته الفاضلة طيلة تسعة و ستين عام علاقة الحبيب بحبيبته و الصاحب المخلص لصاحبه و يتوزعون مهام الابوة و الأمومة مع أولادهم و أحفادهم بكل حب و حنان و حزم عند الضرورة و إجمالا فهي أسرة خالية من تعقيدات الحياة , و ترى البساطة في العلاقة المشتركة بين أفرادها.
و الوالد علي لا يعرف الكسل أو الحياة الروتينية فحياته منتظمة التوقيت و متجددة في التزاماتها نحو الأسرة و كذلك نحو الأصدقاء و تراه مع ولده القريب إلى نفسه عبدالسلام يتنقلون في زيارة المرضى و كذلك حضور المأتم و الأعراس من دون تأخير و لطفه المعهود المصحوب بالنكتة التي لا تفارقه أثناء تلك الزيارات معروفة.
و من أجمل أوقاتي و أكثرها فائدة بالنسبة لي هي التي أقضيها معه في غرفة جلوسه أو في مكتبته المتميزة بنوعية كتبها المقروءة أو المسموعة لاقدم و اجمل الأغاني اليمنية المتميزة و حتى العالمية مثل الناي المسحور لموزارت و بحيرة البجعة لتشوفوسكي ... ومجابرته التي اجد فيها المعلومة النادرة و المفيدة التي لا أجدها في أي كتاب أما ذاكرته المتقدة و الحاضرة لأهم الأحداث الوطنية و كذلك الحكايات الاجتماعية ذات الدلالات المعبرة عن الخصوصية الاجتماعية اليمنية و المغازي و العبر التي لا تجدها إلا في ذاكرة و فكر الوالد علي أبو الرجال فهو حين يتحدث عن التاريخ الحديث لليمن فكأنه شاهد على ذلك التاريخ بحكامه و أهم رجالاته و أهم سمة لكل حاكم و عصره فحديثه عن عصر الإمام يحيى و عن القاضي عبدالله العمري رئيس الوزراء حديث من يلخص أهم ميزات ذلك العصر و نجاحاته و يحدد كذلك أهم مثالبه و إخفاقاته أما حين يتحدث عن ثورة 1948 فهو الراوي المعايش لذلك الحدث الكبير و الكاشف لأهم تفاصيل قيامها و كذلك فشلها و ما أحدثه نهب صنعاء على نفسية سكانها و هو كذلك في روايته عن أربعة عشر عام من حكم الإمام أحمد و ما تخلل تلك الفترة من أحداث هامة أبرزها محاولة انقلاب الثلايا و نهب و حريق بيت العمري في صنعاء و ما تلى بعد ذلك من أحداث في صنعاء و تعز أثناء تواجد الإمام أحمد في روما و كذاك محاولة اغتيال الإمام أحمد في الحديدة و ما شكلته كل تلك الاحداث من مقدمات لضعف حكم الإمامة التي أدت الى قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962 برئاسة المشير عبدالله السلال فمن خلال حديثه عن سبتمبر تجده الشاهد القريب من أحداثها و لديه قدرة على تشخيص رجالات الثورة و ما احدثته تلك الثورة من تغيير جذري في الحياة الاجتماعية اليمنية خصوصا و التأثير المصري كان حاضرا في مختلف جوانب الحياة العسكرية و الإدارية و حتى التعليمية كذلك فذاكرته عن القاضي عبدالرحمن الإرياني و فترة حكمه و كيف واتت الظروف لرجالات ذلك العصر من جمهوريين و ملكيين ان يغلبوا مصلحة بلدهم على الهيمنة السعودية و المصرية و إنجاح المصالحة الوطنية.
و لان علاقته بالرئيس ابراهيم الحمدي علاقة متميزة فهو ينبؤك باهم خبايا تلك المرحلة و يكشف أهم جوانب شخصية و تفكير إبراهيم الحمدي و لا انسى شخصيا وصول خبر مقتل الرئيس الحمدي و كنت في ضيافة الوالد علي عندما كان محافظ الحديدة في منزله اقضي الأسبوع الأول بعد زواجي.
و حتى الرئيس الغشمي فقد كانت علاقة الوالد علي به جيدة حتى درجة أن يرسل الغشمي رسائل من بعض المغرضين و من لم تعجبهم نجاحات عمله في الحديدة أرسلت إلى الغشمي الذي بدوره أرسلها إلى المحافظ القاضي علي و يقول له اطلع عليها فأنا أعرف أنها كيدية.
أما عصر علي عبدالله صالح: فقد كانت علاقته به متميزة بالتقدير و الاحترام إذ عين الوالد علي نائبا لمدير مكتب رئاسة الجمهورية ثم رئيس للمركز الوطني للوثائق بدعم و تقدير و متابعة الرئيس و مدير مكتبه المتميز الاستاذ علي محمد الآنسي الذي يذكره الوالد علي دائما بالخير و يثني على دعمه للمركز و عمله كذلك يذكر الأخ نصر طه مصطفى المدير الأسبق للمكتب بالخير لحماسه مع عمل المركز الوطني للوثائق أما الأستاذ محمود الجنيد المدير الحالي للمكتب فهو بدوره يكن للوالد علي كل التقدير و المحبة و يثني عليه في عمله و من يتصفح سجل المركز الوطني للوثائق سيجد انطباع كله فخر بالمركز و تقدير خاص للوالد علي على جهده و آخر من سجل في ذلك السجل انطباعاته الأستاذ صالح الصماد رئيس المجلس السياسي و كذلك الأستاذ يحيى الحوثي وزير التربية و التعليم....فالمراقب لتقدير و احترام الناس للوالد. علي أبو الرجال سيجد أن التقدير قد كان من كل رجالات المكونات السياسية اليمنية عبر عشرات السنين فما أنجزه الوالد علي يخدم اليمن بكل أطيافه و مشاربه السياسية.
أختتم حديثي عن والدي القاضي علي أحمد أبو الرجال بالتأكيد بأنه المتميز بشخصيته الفريدة و أحد الرموز الوطنية و القيادات الإدارية المتميزة الذي سجل نجاحات واضحة في كل عمل إمتطى مسؤوليته و هو الوحيد الذي تحمل عبأ حفظ الذاكرة اليمنية المحتضن لها المركز الوطني للوثائق في رفوفه التي وصل طولها الى أكثر من تسعة كيلو متر بالإضافة إلى أكثر من ألفي مجلد لمختلف الصحف اليمنية إبتداء من صحيفة صنعاء الناطقة بالعربية و التركية عام 1882 و انتهاء بآخر عدد لصحيفة الثورة 2017 بالإضافة إلى ملفات خاصة عن أهم الشخصيات الوطنية خلال أكثر من ثمانين عام.
هو باختصار ذاكرة أمة و شاهد لعصور سياسية تمثل حقبة هامة من تاريخ شعبنا و هو شخصية اجتماعية قل لها مثيل و رجل يعشق وطنه و شعبه.
أخيرا أتمنى على والدي على أبو الرجال سرعة إصدار مذكراته الخاصة التي أوشك على الانتهاء من تدوينها ليتعرف أبناء اليمن و جيل المستقبل عن وطنهم و معاناته و تحولاته الاجتماعية و يتعرفوا من خلالها على القاضي علي أحمد أبو الرجال أحد رجالات اليمن و ما قدمه من خدمات لوطنه و مجتمعه بكل صدق و أمانة و الذي أحب الناس فأحبه جميع الناس.
أسأل الله أن يمتع والدي القاضي علي بالصحة و العافية و العمر المديد إنه سميع مجيب.
|