د.علي القباطي - في إحدى ليالي نوفمبر الشتوية وبالتحديد مساء يوم الاربعاء 23/11/2011م انطلقت سيارة بسرعة مخيفة على الخط الصحراوي في مدينة الرياض عاصمة المملكة تقصد مكاناً بعينه.
راهن المرجفون على أن فخامة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة الأخ المشير علي عبد الله صالح سيرفض التوقيع على اتفاقية تسليم السلطة وسيحول اليمن إلى حمام دماء وصدقهم الكثير من الشعب من الذين ليس بأيديهم إلا أن يصدقوا، وراهنت أنا وبكل ثقة وتأكيد على عكس ذلك وقلت للجميع بل إنه سوف يوقع على التنازل في هذه الليلة ولكن ليس رغماً عنه بل بملء إرادته، وذلك لما عرفته عنه من نبل وشجاعة وحب لشعبه وتجنب للحروب الأهلية وحتى لا يترك لصانعي الفتن أى فرصة ليصطادوا في الماء العكر.
لكنني في الحقيقة وفي قرارة نفسي كنت أتمنى أن لا يوقع فخامة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة الأخ المشير علي عبدالله صالح على اتفاقية التنازل عن السلطة مع أنني كنت أعلم يقيناً أنه سوف يفعل ويوقع على اتفاقية التنازل لأنني أعرف الرئيس عن قُرب.
فانطلقت مسرعاً نحو ذلك القصر المشؤوم في الرياض فدخلت إلى الصالة حتى أعترض على توقيع اتفاقية التنازل عن السلطة فكيف يتنازل فخامة رئيس الجمهورية عن منصبه وحقه الشرعي الممنوح له من الشعب، ولكنني وصلت بعد فوات الأوان فقد كان بين وصولي وتوقيعه على اتفاقية التنازل عن السلطة بضع ثوان معدودة، فقلت له وبكل أسى: لماذا فعلت ذلك يا أبي؟
فأجابني بكلمة واحدة حوت كل العبارات والجمل وحملت في طياتها كل معاني القاموس، قال: (لقد تعبت).
وظل ينظر إليّ وهو مبتسم ابتسامة الواثق الحكيم ويقول يابني هناك الكثير من الأحرار والشرفاء والأكفاء من هذا الشعب الأصيل يمكنه أن يحل مكاني.
فقلت له: يا أبي نعم يوجد غيرك الكثير لكن لايوجد مثلك أنت!.
فقال لي بابتسامة أبوية صادقة يابني من حقي أن أرتاح بعد هذا المشوار الطويل الذي ضحيت فيه بأجمل أيام حياتي وشبابي ولست نادماً على ذلك فقد حققنا أهداف الثورة وحررت شعبي من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتها وأقمنا حكماً جمهورياً عادلاً وأزلنا الفوارق والامتيازات بين الطبقات، وبنيت جيشاً وطنياً قوياً ومدرباً وخبيراً لحماية البلاد وحراسة الثورة والوحدة ومكاسبهما، ورفعت مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً وأسست بنية تحتية قوية مقارنة بغيرنا رغم الموارد المحدودة، وأنشئنا مجتمعاً ديمقراطياً تعاونياً عادلاً، مستمداً أنظمته من روح الاسلام الحنيف, وفوق ذلك كله حققت الوحدة اليمنية والذي فشل الكثير في تحقيقها وحدت الأرض والإنسان وفي هذا رباط وثيق لا يمكن فكه مهما حاول المتآمرون على شعبي، فالدماء اليمنية دماء واحدة مهما اختلفت لهجاتهم وثقافتهم فدماؤهم واحدة.. يابني هل تريد أن يقول الناس إنني سبب في إراقة دماء الشعب اليمني والتفريق بينهم وإشعال الفتن في اليمن بعد أن جمعت فرقتهم ووحدت أرضهم وصنت دماءهم وحقوقهم.. إذا كان تنازلي عن السلطة سيحقن دماء شعبي ويحفظ لهم لحمتهم ووحدة أرضهم فيا مرحباً.. يا بني أنا لست خائناً أو عميلاً حتى أفر أو أرحل من اليمن.. اليمن وطني وليس لي وطن غيره والشعب اليمني هم إخوتي وأخواتي وأبنائي وبناتي, وسأبقى معهم وبينهم أخاً مخلصاً لهم كما كنت في السابق ولن أتخلى عنهم في الشدائد لأنني أعلم أنهم لن يتخلو عني فشعبي شعب أصيل. وأخيراً يابني بعد الذي سمعته مني أليس من حقي أن أرتاح؟ فقلت له: نعم هذا حق من حقوقك..
فانطلقت وأنا منشرح الصدر فقد كسبت الرهان.. وهنالك انقلب المرجفون خاسرين!!
|