عارف الشرجبي - فُجعت كغيري من اليمنيين بوفاة المناضل السبتمبري الجسور اللواء محمد حاتم الخاوي بعد حياة حافلة بالنضال الوطني المستمر لأكثر من نصف قرن من الزمن.
اللواء الخاوي غني عن التعريف فهو احد أبرز اعضاء تنظيم الضباط الاحرار في ثورة 26 سبتمبر 1962م ومن مؤسسي التنظيم في مدينة تعز الى جانب زملائه الشهيد علي عبدالمغني وممن نذروا حياتهم لخدمة الوطن فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. من المؤكد ان الكتابة عن اللواء محمد الخاوي ستظل قاصرة امام عطاءاته الوطنية المتعددة في كل حقول العمل الوطني والنضالي الطويل فهو المناضل والمقاتل الشرس دفاعاً عن حياض الوطن وهو السياسي والدبلوماسي المخضرم وهو الإداري الناجح وهو الإنسان البسيط المتواضع المحب لكل من حوله على اتساع الأرض اليمنية وهو الوحدوي الغيور على وحدة وطنه وشعبه حتى النخاع..
رحلة نضالية شاقة وطويلة يصعب سبر اغوارها في هذه العجالة فقد بدأها منذ اللحظة الاولى لتأسيس الخلية الاولى لتنطيم الضباط الاحرار في تعز والتجهيز والإعداد لقيام الثورة اليمنية التي كان من المقرر القيام بها في تعز عاصمة الإمام احمد حينها، ثم قائداً للحرس الوطني الذي تم تشكيله في تعز لاستقبال وتدريب المتطوعين من أبناء محافظتي تعز وإب والمحافظات الجنوبية للانخراط في الدفاع عن الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962م ومن ثم ارسالهم الى صنعاء وحجة وغيرهما من المحافظات اليمنية كما شارك في العديد من جبهات القتال ليس كقائد لقوات المدفعية فحسب بل وضابط ميداني خبرته عشرات المواقع وجبهات القتال المحتدمة قبل واثناء وبعد حصار صنعاء واستمر في عطائه الوطني عندما عين وزيراً للداخلية عام 1969م في حكومة المهندس الكرشمي ثم سفيراً في المانيا الشرقية، ثم سفيراً في الإمارات العربية المتحدة أثناء حكم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي زار اليمن وتعز- ولهذه الزيارة حكاية مثيرة ومميزة لست بصددها الآن.
عين اللواء الخاوي محافظاً للحديدة وفي عهده نال القطاع الريفي حيزاً كبيراً من خطط وبرامج التنمية باعتبار الريف الأكثر احتياجاً من الحضر خاصة في مجال الطرق والمياه والصحة- حسب وجهة نظره.
ثم تعين عضواً في مجلس الشورى حتى وفاته، قدم خلال عمله في الشورى العديد من التصورات والدراسات اسهاماً منه في خدمة البلد.
لقد ربطتني باللواء محمد الخاوي علاقة طيبة لأكثر من عقد ونصف فوجدت فيه نعم الرجل الوطني الغيور الذي يتألم لألم وطنه، اذا مر بمحنة او ازمة مهما كانت صغيرة في نظر البعض فتراه يسعى وبكل السبل لتجاوزها ولم الشمل والتقريب في وجهات النظر بين الأطراف المتعددة وقد برزت هذه السجية في ازمة 2011م وما بعدها حيث سعى مع مجموعة من مناضلي الثورة اليمنية امثال اللواء علي السلال واللواء عبداللطيف ضيف الله وعبدالله ابو غانم واللواء احمد المتوكل والأستاذ محمد الفسيل والمناضل علي احمد السلامي واللواء محمد اسماعيل الضالعي والمناضل عبدالله علي السنيدار وآخرين -وتم اختياري لاكون مقرراً لهذا اللجنة التي عقدت اول اجتماعاتها والعديد منها في منزل اللواء محمد الخاوي- الى وضع تصور ومبادرة وطنية لاخراج الوطن من أزمته قبل ان تبرز على السطح المبادرة الخليجية، واستمر اللواء الخاوي يسعى جاهداً لالتئام اللجنة والإسراع في وضع التصور الذي قدم الى مجلس الشورى والعديد من الأحزاب والتنظيمات السياسية والتي لاقت قبولاً واسعاً من بعض الأحزاب، فيما البعض الآخر كان قد حدد وجهته في إيصال البلد الى ماهي عليه اليوم.
واثناء الحوار الوطني ظل اللواء الخاوي يتواصل مع العديد من اعضاء مؤتمر الحوار للاطمئنان على سير الحوار وتزويدهم بالنصح وقد كان دائماً يقول علينا ان نقبل بعضنا ونتنازل لبعضنا البعض مهما تباينت المواقف لاننا في الأخير شعب يمني واحد.
وعندما بدأ تحالف العدوان السعودي على بلادنا يشن غاراته رأيت اللواء الخاوي »رحمة الله تغشاه« ثابتاً مؤمناً بالنصر، فسألته حين بدأ العدوان يحاصر الحدود والسواحل اليمنية: هل ممكن ان يؤثر الحصار على الوضع الداخلي، فقال بكل ثقة: طالما وجبهتنا الداخلية متماسكة فلن يستطيع احد كسر شوكتنا وسننتصر حتماً، مذكّراً بحصار صنعاء الذي تم كسره رغم شحة الامكانات والعتاد العسكري بعد خروج الجيش المصري المساند للثورة والجمهورية.. وكان يومها متواجداً عنده المناضل محمد عبدالله الفسيل -أطال الله في عمره- الذي قال إن الحركة الوطنية بدون الخاوي ليس لها طعم.
قبل سفر اللواء الخاوي للعلاج في مصر زرته في بيته فقال لي انتبهوا ايها الكتاب والناشطون السياسيون من الانقسام الداخلي فربما كلمة أو نقطة حبر تكون اشد من السم الزعاف فتفتك بالوطن.. توحدوا واحذروا من الطابور الخامس الذي يحاول التسلل بينكم والاصطياد في المياه العكرة، فالوطن أمانة في اعناقكم..
إنه سفر نضال طويل ورحلة زاخرة بالعطاء الذي لم ينقطع، جعلني اطلب من اللواء الخاوي اكثر من مرة ان يكتب مذكراته لكي تستفيد منها الأجيال، فكان يقول لي لست ممن يكتب مذكراته ليَمُنّ بما قدمه لوطنه او يتشدق بما فعل ويفاخر او ينسب جهود الآخرين لنفسه، ولندع تاريخنا ونضالنا يدونه غيرنا، والبركة في المؤرخين المنصفين فكتابة التاريخ امانة.. لانه مِلْك للشعوب وليس للافراد.. رحمة الله على اللواء محمد الخاوي.. »إنا لله وإنا إليه راجعون«..
|