فيصل الصوفي - كل محاولات التغيير التي عرفتها اليمن منذ نحو سبعين عاماً، اتسمت بالعنف، سواء أكان التغيير رجعياً أم تقدمياً.. إما ثورة وإما انقلاب وإما حرب بين شمال وجنوب باسم الوحدة.. والحالة الاستثنائية كانت عملية التغيير الكبيرة المتمثلة في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، فقد أنجزت بوسائل سلمية، وها نحن نحتفل بالذكرى السنوية السابعة والعشرين لقيامها، ولا تزال قائمة وستبقى قائمة لسبب بسيط وهو أنها حالة طبيعية.
من المفارقات العجيبة أن الاحتفاظ بالوحدة اليمنية استدعى استخدام العنف، كما عرفنا في حرب صيف 1994م، وأزعم أن مثل هذا الخيار السيئ قد يتكرر في المستقبل إذا فُرض الانفصال بالقوة العسكرية الإماراتية أو السعودية التي يستقبلها الانفصاليون بفرح زائد، منذ مارس 2015م، بالرغم من أنهم مجرد راقصين في حفلة حضروا إليها دون دعوة .. في مارس 2017م قال كبير عملاء السعودية إن فصل جنوب البلاد عن الدولة اليمنية ليس خياراً واقعياً، ومع ذلك فإن مثل هذا الحل يظل محتملاً أو وارداً- حسب تعبيره.. وفي هذا الرجل الذي يعيش داخل جوف العدو السعودي تكمن المشكلة التي تواجهها الوحدة اليمنية في هذه المرحلة العصيبة.. ليست المشكلة في "الحراك" الانفصالي، بداية من النوبة وجماعته التي خمدت، وانتهاء بالزبيدي وجماعته الذين يخدجون على عجل، فهؤلاء حالة سياسية استعراضية، أو ظاهرة صوتية أو فقاعة سياسية غير مفزعة.. المشكلة في مكان آخر، فعبد ربه منصور هادي وأسياده لديهم خطة مرسومة ومدعومة بقوة عسكرية هائلة، وقولته عن "الاحتمال" أو "الوارد" ليست فلتة لسان.
مجموعة من حَمَلَة ثقافة الحقد والكراهية يسعون منذ أكثر من عقد لتقويض وجود الدولة في محافظات جنوبية وشرقية بدعوى أن الدولة " حكم صنعاء" أو"حكم الشمال"، وما عدا هذا ليس لهم قضية حقيقية، بدليل أن ما كانوا يدَّعونه "القضية الجنوبية" أماتوها بأياديهم، وصاروا يقاتلون أخوانهم في الشمال ويدافعون عن الحدود السعودية، ومن هذا الذي يجادل حول حقيقة وجود المقاتلين الحراكيك في صفوف الغزاة الأجانب في المخا أو في مأرب أو في البقع مثلاً، حتى يجوز لنا الكلام اليوم عن مظلمة شمالية أو" قضية شمالية".
لقد كانوا يتتبعون أخطاء الحكومات المتعاقبة، وهي أخطاء وجدت في محافظات الشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط، وكانت تلك الحكومات تعترف بالأخطاء وتعمل من أجل تصحيحها وتفادي تكرارها، وكان ذلك كافياً للكف عن الاستمرار في اللعبة الانفصالية، خاصة وأن هادي نفسه كان مشرفاً على أداء الحكومات المتعاقبة بعد حرب 1995م في هذا الجانب باعتباره الموكل بملف الجنوب.. لكنهم اتخذوا من تلك الأخطاء سلماً للصعود، ووصل بهم الحال درجة التمرد على الدولة أو قوانين الدولة، وتعمدوا مفاقمة المشاكل الصغيرة إلى مستوى غير مقبول، وهذا أمر مشهور، حتى أن عبد ربه منصور هادي عندما كان رئيساً للدولة ووجه بهذا التحدي الحراكي، كان رد فعله قوياً في ذلك الحين، وقد وصف الحراكيين بأنهم"دجاج"، وقال إنهم يزايدون عليه، وكلامه بهذا الشأن مشهور في المكالمة التي جرت بينه وبين بن مبارك، وسمعناه وهو يقول"أنيـ...أمهاتيهم"..
خلاصة الكلام.. إن مصدر الخطر الذي تواجهه الوحدة اليمنية في هذه المرحلة المختلفة عن سابقاتها، هو هادي وأسياده الأجانب، أما الحراكيك فمجرد راقصين طرأوا على حفلة لم يُستضافوا إليها.. ورأس مالهم الوحيد حقد وكراهية.
|