الميثاق نت -

الثلاثاء, 23-مايو-2017
الدكتور/ عبده يحيى هديش ٭ -
مثّل الميثاق الوطني نقطة الانطلاق الحقيقية لمسيرة إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة والتي توجت بالإعلان عنها يوم الثاني والعشرين من مايو المجيد عام 1990م، ولأن الزعيم المؤسس كان محور الارتكاز للميثاق الوطني فقد قام بالرص الوحدوي للصفوف الوطنية ارتكازاً على الجانب التاريخي من شخصيته والذي تشكلت على أساسه مفردات توجهاته السياسية والثقافية والوطنية ففهمه العميق وإلمامه الواسع بتاريخ هذه الأمة اليمانية العظيمة ومآثرها وواحدية مصيرها وانحدار نسبه من أسرة حميرية عريقة كان الأسعد الكامل التبع اليماني الأصيل احد ملوكها وأشهرهم وهو الذي وحد اليمن حينها ومعظم الجزيرة العربية تحت حكمه القوي الذي دام عمراً مديداً.
إضافة إلى أن الزعيم الموحد تشرب معاني الوحدة الوطنية عبر مراحل نضاله الوطنية المختلفة حيث كان أحد ثوار الـ26 من سبتمبر ضد الحكم الإمامي الكهنوتي الذي حكم شمال اليمن والتى وقف فيها أبناء الجنوب حين كان تحت نيران الاستعمار البريطاني إلى جانب ثورة الـ26 من سبتمبر الفتية وسقوا بدمائهم تربة الوطن في العديد من المناطق شمال اليمن، ومن ثم انطلق أبناء الشمال والجنوب سوية للنضال والكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن حتى نيل الاستقلال الوطني ودحر آخر جندي بريطاني من أرض الوطن.
وبعد ذلك عايش الزعيم الموحد علي عبدالله صالح فترات عصيبة بعد ثورة سبتمبر وحتى اختياره من مجلس الشعب في عام 1978م حكم الوطن وهو يحمل كفنه في يده رغم كل الاحتقانات التي كانت حينها، ولم يكتف بتحاشي تكرارها، بل ذهب إلى صياغة البدائل، ورسم معادلات توازن جديدة وذات خصوصية يمنية تسير بمحاذاة الواقع اليمني دون أن تتجاوزه إلى أي مستوى كان من المثاليات الفكرية والقوالب السياسية الجاهزة. فالزعيم علي عبدالله صالح لم ينتظر حتى يبلغ التشتت الوطني أقصى مداه فيستنجد بالجماهير، ويرمي الشباك للقوى الوطنية باسم مؤتمر شعبي أو ميثاق وطني.. بل على العكس من ذلك فقد جاء القرار الجمهوري رقم (5) لسنة 1980م بالميثاق الوطني عقب عدة خطوات سابقة عززت الثقة بنوايا الزعيم الموحد صالح وجديته في تطوير مناهج حكم الدولة حتى لدى أشد المناوئين له، فمثلاً كان هناك تأسيس لمجلس الشورى، وانتخابات مجالس بلدية، وتوسيع في أعداد واختصاصات مجلس الشعب، وإصدار قانون انتخابات وغيرها، علاوةً على ذلك لم يكن القرار أحادي الأسس، بل شمل الفكر والأداة معاً في نفس القرار، وذلك الأمر أعطى الموضوع فهماً أوسع وأوضح، وجعله أكثر تقبلاً في الوسط الجماهيري، خاصة وأنه يؤسس بدايات عهد سياسي جديد، وليس نهاياته المحتضرة..
اعتمد الزعيم الموحد علي عبدالله صالح في شق الطريق إلى الوحدة الوطنية لغة الحوار السلمي والتشاور وكان في مقدمة الأسباب التي أوصلته إلى مكسب الوحدة الوطنية هو التمهيد المسبق للعمل، حيث إنه حرص على الالتقاء مع قيادات القوى الوطنية السياسية والاجتماعية، والتشاور معهم فيما كان يعزم الإقدام عليه، والأخذ بالآراء والمقترحات الجيدة التي عرضوها عليه. بجانب ذلك فإنه حرص أيضاً على عدم تجاهل أو تهميش أية قوى وطنية ذات أثر في ساحة العمل السياسي، مهما كان موقفها من نظام الحكم، لدرجة أن الجبهة الوطنية الديمقراطية التي كانت تقود حرب العصابات على الحدود بين الشطرين وتهاجم القرى والمدن الخاضعة لنفوذ الشطر الشمالي، حصلت على فرصة عادلة من الحوار والمشاركة في لجنة الحوار الوطني التي اضطلعت بمهمة صياغة مشروع الميثاق الوطني، أسوة بغيرها من التيارات العاملة في الساحة اليمنية. أما العنصر الآخر في تركيب المعادلة السياسية بين القوى الوطنية فقد تمثل في نسبة 30% التي خص بها القرار الجمهوري رقم (9) لسنة 1981م رئاسة الجمهورية لتتولى تعيينهم، فيمكن تقييمها على إنها التفاتة ذكية من صناع القرار السياسي اليمني، كانت ترمي إلى موازنة المشاركة السياسية برموز فعالة ومؤثرة وفسح المجال أمام بعض العناصر السياسية التي كانت مستبعدة في العهود السابقة للمشاركة، وهو أمر أسهم في حل بعض الخلافات السياسية، وتخفيف شحنة التوتر بين القوى الوطنية، وظهور علامات الارتياح والرضا إلى حد ما من الجهود التي كان يبذلها الزعيم الموحد علي عبدالله صالح لتوحيد صفوف الوطن.. ولعل من أبرز صور ذلك الارتياح والرضا تجسد في سرايا المقاومة الشعبية (الجيش الشعبي) التي تشكلت في القرى والمدن اليمنية المختلفة لإسناد الوحدات العسكرية الحكومية في الحرب التي كانت تخوضها لمواجهة العصابات التخريبية الماركسية.. وذهب بعض الكتاب والباحثين إلى عزو نصف النصر الذي بدأ يتحقق منذ منتصف عام 1981م وحتى يوم (15 أغسطس 1982م)- الذي توقفت فيه العمليات القتالية- إلى تضاعف الالتفاف الشعبي الجماهيري من مختلف القوى الوطنية حول قيادة الزعيم الموحد علي عبدالله صالح.
بالرغم من كون تأسيس المؤتمر الشعبي العام جاء في إطار ملء الفراغ السياسي في ظل دستور دائم تحرم المادة (37) منه العمل الحزبي، إلا أن النتيجة التي نخلص إليها هي أن الميثاق الوطني الموصوف بالأساس الفكري للمؤتمر الشعبي العام قد اكتسب شرعيته الجماهيرية الوطنية من خلال صياغته على يد جميع القوى السياسية التي كانت قائمة آنذاك بمن فيها القوى المعارضة للسلطة مثل (الجبهة الوطنية الديمقراطية) و(الناصريون الذين حاولوا بالأمس القريب الإطاحة بنظام حكم الزعيم الموحد صالح) وغيرهم.. ومن ناحية ثانية، فإن المؤتمر الشعبي العام مثل وجهاً حقيقياً للائتلاف الشعبي العام كونه ضم بين صفوفه مختلف التيارات السياسية والقوى الوطنية التي كانت متواجدة على الساحة في زمن انبثاقه.. وعليه يصبح كل ما تحقق أولى الغايات الوطنية والأهداف الثورية التي ينجزها الزعيم الموحد علي عبدالله صالح، ولكن بشق الأنفس..
إن الأهمية التي يعطيها الزعيم الموحد صالح لهذه الخطوة تأتي من كونها قاعدة ارتكاز عوامل استقرار البلاد، وأمنها الوطني وهي العوامل التي لا بد منها في أية صناعة حضارية وبناء تنموي سريع.. مما تقدم ذكره تتجلى أمامنا صورة الزعيم الموحد علي عبدالله صالح بملامحها الفذة، وبريقها الوطني الصادق، ومهاراتها الخلاقة، وإنسانيتها الدفاقة التي لا يمكن لأبناء الأمة إعطاؤها حق قدرها.
ولأن العدوان الذي تتعرض له بلادنا يستهدف في المقام الأول وحدة الشعب اليمني وأرضه وسيادته واستقلاله، فقد كان المستهدف الأول من هذا العدوان هو الزعيم الموحد علي عبدالله صالح لأنه في نظر العدوان السد المنيع والصخرة الصلبة التي لا يمكن تجاوزها، ورغم العروض المغرية للزعيم المؤسس ولابنه السفير/ احمد علي عبدالله صالح بطائرات من المال المدنس مقابل التفريط في الوحدة اليمنية، إلا أن الزعيم المؤسس كان حيث اختار لنفسه أن يكون منذ نعومة أظفاره جندياً في صف اليمن الجمهوري الواحد الموحد، وهذه نتيجة طبيعية فالرجل الذي صنع هذا المنجز الكبير لا يمكن أبداً تحت أي ضغط أو إغراء أن يفرط في هذا المنجز التاريخي الذي هو مِلْك لكل يمني من أقصى اليمن إلى أقصاه.
٭ رئيس فرع مؤتمر جامعة الحديدة- عضو اللجنة الدائمة
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:36 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-50351.htm