الميثاق نت : - يظل الميثاق الوطني أعظم برنامج سياسي جادت به الحركة الوطنية اليمنية في تاريخنا المعاصر حيث دشن شعبنا اليمني من خلاله مرحلة جديدة في تاريخ تطوره السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي بزعامة القائد المؤسس علي عبدالله صالح -رئيس الجمهورية الأسبق رئيس المؤتمر الشعبي العام..
فهذه الوثيقة الوطنية المؤتمرية تمثل امتداداً طبيعياً لبيان الثورة اليمنية «26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م» وأهدافها ومنطلقاتها وخلاصة للفكر اليمني المعاصر حيث شارك في صياغة الميثاق الوطني كل القوى والاتجاهات والمشارب السياسية والاجتماعية والدينية والفكرية، وخرجت الى الواقع بعد حوار استمر قرابة عامين في بداية ثمانينيات القرن الماضي قاده بجدارة الزعيم التاريخي علي عبدالله صالح، ومن ثم تم الاستبيان الشعبي الواسع على هذه الوثيقة الوطنية، وتم اقرار الميثاق الوطني بصيغته النهائية في المؤتمر العام الأول للمؤتمر الشعبي العام المنعقد في العاصمة صنعاء بتاريخ 24 أغسطس 1982م والذي شارك في أعماله 1000 مندوب مثلوا اليمن بكل قواه السياسية وتوجهاته الفكرية.
صحيفة «الميثاق» ونظراً لأهمية مضامين الميثاق الوطني تعيد نشره في حلقات تعميماً للفائدة وفقاً للتعديلات التي أجريت على الميثاق الوطني في المؤتمر العام الخامس الدورة الأولى للفترة 25 يونيو -2 يوليو 1995م، والتي جاءت لتواكب المتغيرات التاريخية عقب اعلان قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م.. الباب الثاني
الإنسان والوطن
أ- الولاء الوطني:
الولاء الوطني مبدأ شريف، لا ينسجم بأي حال من الأحوال مع التبعية، أياً كان شكلها أو نوعها.
ففي ظل الولاء الوطني، يتمكن الشعب من التفاعل والتلاحم الطبيعيين، انطلاقاً من تمسكه بأهداف الثورة اليمنية، ومن شعوره بالانتماء إلى وحدة اجتماعية متماسكة، متميزة بالعقيدة الإسلامية، تتحقق فيها الممارسات الديمقراطية البنَّاءة، والحياة الحرة الكريمة.
والولاء الوطني بمفهومه هذا ولاء لله، وعلى ذلك كان حب الوطن من الإيمان، الدفاع عن الوطن دفاع عن العقيدة، والتخلي عن الوطن هو تخلٍّ عن العقيدة.
" إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم، أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"
سورة (الممتحنة - الآية 9)
وهكذا فالولاء الوطني ليس شعاراً غامضاً مهزوزاً في ضمير الإنسان، ولكنه عقيدة تتجسد سلوكاً والتزاماً بأهم معايير الولاء الوطني التي تتلخص في الآتي:
المعيار الأول:
ويتمثل في الحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله، باعتبار ذلك قمة المصلحة العليا للوطن، وعقيدته، وأي تبعية خارجية مادية أو فكرية أو التزام تنظيمي، يعتبر خيانة وإضراراً بمصلحة الوطن العليا، وإخلالاً بالولاء الوطني.
وهذا بالطبع لا يعني الانغلاق المتنافي مع الانفتاح العلمي، والاستفادة من كل نافع ومفيد من تجارب الآخرين، وأفكار وحضارة العصر، بما لا يخل ولا يتناقض مع عقيدتنا الإسلامية، والولاء الوطني ممارسة وعملاً، يحتم على الدولة والشعب الاعتماد على النفس، وأن يكون الحكم ديمقراطياً، نابعاً من عقيدة الشعب المعبرة عن إرادته، ومحض اختياره، لتسود الثقة بين الحاكم والمحكوم فلا تسلط فرد، ولا ديكتاتورية حزب، ولا سطو طائفة، وبغير ذلك تصبح علاقة الدولة بالشعب، وعلاقة الشعب بالدولة غير ثابتة، وغير وثيقة مما يؤدي إلى إثارة تعصبات وولاءات ضيقة، تمزق الوحدة الوطنية وتخالف جوهر العقيدة، ومن هذا المنطلق فإن الحكم الديمقراطي الشوروي شرط أساسي لصدق الإيمان بالولاء الوطني، وبدون الممارسة الديمقراطية على النحو الذي يحدده الدستور، فإن الولاء الوطني قد يصبح مجرد شعار يتخذ ستاراً للمساس بوحدة الشعب وبسيادته الوطنية واستقلاله.
المعيار الثاني:
ويتمثل في التمسك بأهداف الثورة اليمنية، وتجسيدها فكراً، وسلوكاً، في المحافظة على النظام الجمهوري، وإرساء قواعده، وأسسه الديمقراطية، والالتزام بها قولاً وعملاً، والوفاء لشهداء الوطن الأبرار، الذين ضحوا بحياتهم عبر مراحل النضال الوطني، والذين فجروا الثورة، وحموها بأرواحهم ودمائهم حتى انتصرت إرادة الشعب اليمني المتجسدة في النظام الجمهوري الديمقراطي.
المعيار الثالث:
ويتمثل في الحفاظ على الوحدة الوطنية، والابتعاد عن التعصب الطائفي، أو السلالي، أو القبلي أو الحزبي.. وغيرها من التعصبات التي تمزق الوحدة الوطنية وتضر بمصلحة المواطن والوطن.
(ليس منا من دعا إلى عصبية) - حديث شريف-
وحين ينطلق الجميع من هذا المفهوم السليم للولاء الوطني، فإن الممارسات الخاطئة ستزول، وستختفي السلبيات على مستوى القاعدة والقمة في ظل الثقة والتلاحم بين الدولة، ومؤسساتها الدستورية والشعب، في الوقت الذي تعجز فيه كل المحاولات الخارجية عن جر الحاكم، أو جر المواطن إلى أي شكل من أشكال التبعية، كما تعجز كل النزعات الشريرة عن إثارة الولاءات والتعصبات الضيقة التي تضر بمصالح الوطن والمواطن، ففي المناخ الديمقراطي تموت هذه الولاءات والتعصبات الضيقة، وتبقى الوحدة الوطنية قوة للشعب والدولة، لحماية البلاد وسيادتها واستقلالها.
ب- الوحدة الوطنية والوحدة العربية:
(1): الوحدة الوطنية:
إن الوحدة الوطنية هي القوة التي نواجه بها كل المخاطر التي تهدد كياننا واستقرارنا وسيادتنا الوطنية:
وبلادنا اليوم تمر بمرحلة مهمة، الأمر الذي يقتضي ضرورة توحيد الجبهة الداخلية في موقف وطني موحد، يقوم على أسس محددة المعالم في جميع مجالات الحياة سياسياً واقتصادياً، واجتماعياً وثقافياً، تختفي معها التناقضات وتغيب الصراعات ليطغى على الموقف هدف واحد، هو توفير الضمانات الضرورية لحماية كيان اليمن، أرضاً وشعباً، من أي خطر خارجي أو داخلي يهدده وهذا يتطلب التجرد الكامل- على مستوى الشعب والسلطة -من كل الطموحات الذاتية المنحرفة التي تهدف إلى سلب السلطة، أو تهدف إلى الاستئثار بها، ومن كل رواسب الانتماءات الضيقة، والقضاء على مظاهر التفرقة والعصبيات، وعلى كل الارتباطات التي يترتب عليها الولاءات التي لا تخدم اليمن، بل تفرق أبناء الشعب، وتمزق صفوفهم.
إن الاتفاق على القضايا الأساسية، هو الوسيلة الوحيدة للتغلب على كل الظروف التي تؤدي إلى تباين المفاهيم، واختلاف التصور وتعدد المواقف مما يؤدي إلى تناقض أساليب التحرك لمواجهة الأخطار التي تهدد الجميع.
وقد اشتمل هذا الميثاق الوطني على المبادئ والقضايا الأساسية، التي تهم الجميع، بهدف الوصول إلى تلاحم جميع الفئات والعناصر الوطنية، شعباً وحكماً، في موقف واحد يتحرك في ظل الاستقرار والأمن - باتجاه تأكيد وترسيخ قواعد الحكم الجمهوري، على أسس ديمقراطية حقيقية، وتجسيد أهداف الثورة فكراً وسلوكاً، ودفع عجلة التنمية من أجل ازدهار وتقدم اليمن.
إن ذلك التلاحم يوجب انطلاق الجميع من موقف واحد في اتجاه واحد، في إطار المصلحة العليا للوطن ومعالجة أي خلافات أو تناقضات بالطرق السلمية والديمقراطية، ونبذ كل وسائل الإرهاب والعنف من أية جهة كانت، لتبقى الوحدة الوطنية متماسكة.
إن الوصول إلى هذه الغاية، يوفر الظروف الموضوعية لترسيخ وحدة الوطن والحفاظ عليها في ظل نظامنا الجمهوري الديمقراطي الإسلامي الذي يكفل المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات، وإتاحة الفرص أمام الجميع، ويضمن جميع الحريات للشعب، ويصون سيادة الوطن واستقلاله، ويحفظ لليمن قوته وفعاليته ومكانته.
إن وحدة الوطن هي قدر شعبنا وضرورة حتمية لتكامل نموه وتطوره، وضمانة لقدرته على حماية كيانه وقدرته على أداء دور فعال وإيجابي على المستوى القومي والدولي.
وفي سبيل تجاوز كل التناقضات، فإن العمل بالأسس الدستورية والالتزام بأساليب الحوار -الواعي- وتوفير المناخ الديمقراطي الحر النزيه، الذي يمكن الشعب من اختيار حكامه بملء إرادته الحرة، بعيداً عن أساليب القهر والإرهاب أو الغش أو التزوير، هو السبيل الوحيد لترسيخ الوحدة الوطنية بمضمونها الديمقراطي المعبر عن إرادة الشعب، مستجيبين لإرادة الجماهير اليمنية صاحبة المصلحة الأساسية في الوحدة، مجنبين تبعيتها لأي جهة خارجية أياً كانت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
(2): الوحدة العربية:
إن التأكيد على وحدة بلادنا ليست دعوة إقليمية منغلقة، ولكنها تمثل الخطوة الأولى، التي كان لا بد منها كمقدمة نتمكن بها من الإسهام في تحقيق قيام الوحدة بين أقاليم الوطن العربي، وسيظل هدف ترسيخ وحدة بلادنا مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بالعمل الوحدوي المشترك لكل أمتنا العربية، ضمن وحدة سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وثقافية شاملة بمحتواها الديمقراطي المعبر عن الإرادة الحرة للأمة العربية جمعاء.
إن إيماننا بالوحدة العربية يتأكد في تفاعلنا مع كل قضايا أمتنا العربية العادلة والمشروعة.. وأن نكون سنداً قوياً ودعماً حقيقياً لها ولا سيما قضية فلسطين التي تعتبر في مقدمة القضايا المصيرية، وفي بذل الجهود لإيجاد صيغة مشتركة لتحقيق التكامل الاقتصادي الذي يشكل المدخل السليم إلى الوحدة السياسية الكاملة، وبما أن العمل على ترسيخ الوحدة الوطنية يجب أن يكتسب بُعده العربي، فإن تحقيق الوحدة العربية الشاملة يجب أن يكتسب بُعده ومضمونه الإسلامي، قال تعالى: " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون " « الأنبياء - الآية 29»
|