د.عبدالرحمن أحمد ناجي - تطرق الرئيس الصالح - حفظه الله - الأسبوع الماضي في خضم احتفالات شعبنا بعيد أعياده الوطنية العيد الوطني السابع والعشرين ، لموضوع في غاية الأهمية عن مصطلحي (الزُمْرَة) و(الطُغْمَة) ، والكثير من شبابنا المولودين إما قبل الثاني والعشرين من مايو 1990م بأعوام أو بعد ذلك التاريخ الفاصل في التاريخ المعاصر لـ(اليمن) العظيم، لا يعلمون شيئاً عن واقع الحال قبل ذلك التاريخ في المحافظات الجنوبية والشرقية ، إلا مما يرويه لهم آباؤهم أو أقاربهم ومعظم هؤلاء - للأسف الشديد - غير منصفين في ما يروونه، بل يعكسون التشوهات الفئوية والمناطقية الحادة المتجذرة في أعماقهم ، فتأتي رواياتهم مضللة وغير واقعية في كثير من الأحيان ، لذلك يجلدون الزمان الوحدوي بسياط من جهنم ، ويصورونه بأنه أتى بالشر المستطير على كل مواطني تلك المحافظات .
وبدلاً من قيام أولئك الآباء بتعميق روح الولاء الوطني في قلوب وأفئدة وعقول أبنائهم ، وتجذير مشاعر الفخر والاعتزاز بانتمائهم لوطن الـ22 من مايو المجيد ، وإبراز سَوْءَات العهد التشطيري البغيض سواء في عهد الإمامة والاستعمار أو بعد تحرر اليمن منهما ، ونيله حريته واستقلاله ، والتأكيد على أن بقاء اليمن مشطراً بعد ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر الخالدتين المتوج بنيل الاستقلال التام في الثلاثين من نوفمبر المجيد ، خطأ ومهزلة تاريخية ما كانت الأجيال القادمة لتغفره لمن استمرأه واستعذبه وأصر عليه طوال سنوات التشطير منذ أواخر العام 1967م وحتى منتصف العام 1990م .
وبدلاً من أن يؤكد أولئك لأبنائهم وأحفادهم على حقيقة أن الوحدة اليمنية هي الأصل وأن التجزئة هي الاستثناء ، وأن التوحد بالضرورة واحد من أهم عوامل القوة والتمكين للأمم والشعوب ، يقول بذلك وتؤكده كتب التاريخ وعلم الاجتماع ، خصوصاً حينما يكون ذلك التوحد بين كيانين سياسيين يتفقان تماماً ودون أدنى جدال بانتمائهم لوطن واحد بحجم اليمن العظيم ، وأن هذا الاسم كان متضمناً في التسمية الرسمية للدولتين القائمتين قبل التوحد مهما تباين أو اختلف لدرجة التناقض والتنافر الحاد طبيعة وجوهر النظام السياسي الحاكم لهما ، وأن الوحدة كانت مطلباً وحلماً ناضل من أجل تحقيقه الآباء والأجداد وقدموا لأجل ذلك أرواحهم وأجسادهم رخيصة ، وأنه مهما تلوث وتلطخ ثوب الوحدة النقي الطاهر الناصع البياض ببقع سوداء داكنة فإن الحل لن يكون أبداً بالعودة للتجزئة والتشطير ، بل بالمزيد من النضال والإصرار والعزيمة على تصحيح كل التشوهات وكل الاختلالات غير المرضي عنها في تلك المحافظات في إطار دولة الوحدة ذاتها .
والمنصفون من أولئك الآباء يدركون تماماً أن من الظلم والغُبن والإجحاف الجسيم إلصاق أي وجه من أوجه الفساد تمت بالعهد الوحدوي الميمون ، لأن الفساد بطبيعته قائم منذ بدء الخليقة ، وهو ناتج عن كون من يحكم الأرض هم من البشر وليسوا من الملائكة ، وأن أولئك الفاسدين قد عاثوا في أرض (اليمن) العظيم فساداً في شماله وجنوبه وشرقه وغربه ، وأنه ينبغي أن تتضافر جهود كل الشرفاء لتعرية أولئك الفاسدين الذين كانوا يتربعون على مراكز قوى نهبت كل خيرات البلد ، وأهمية عدم السكوت والخنوع لسطوتهم وجبروتهم ، بل يجب مواصلة العمل الدؤوب لنزع أقنعتهم والدفع بهم لساحات القضاء ليقول كلمته الفصل فيهم ، لعلهم يكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه المريضة الاقتداء بهم والسير على دروبهم الشيطانية الحالكة الظلمة ، وليس هناك ما يبرر رجم وجلد دولة الوحدة بذنوب أولئك البُغَاة من شياطين الإنس وتحميلها وزر ما اقترفه أولئك الفاسدون بحق وطنهم العظيم ومواطنيهم ، وإذا ما نحن بحثنا عن شياطين الإنس فسنجدهم في كل المحافظات اليمنية ، وليس هناك من يمكنه أن يدَّعي طهارة ونقاء القيادات التي كانت تحكم المحافظات الجنوبية والشرقية قبل انبلاج صباح يوم الوحدة المباركة في الثاني والعشرين من مايو في العام 1990م ، كما لا يمكن لأحد ادعاء أن تلك القيادات كانت أقرب ما تكون للملائكة ، خصوصاً وأن تلك القيادات ذاتها شاركت مشاركة فعلية كاملة في النظام السياسي الجديد لدولة الوحدة وكانت وظلت ومازال الكثير منها من دعائمها حتى اللحظة .
ولنا هنا أن نتذكر بعضاً من (جنات) النعيم التي يشهد بها التاريخ المعاصر ، ويدعي البعض زوراً وبهتاناً أن المواطنين كانوا ينعمون بها في المحافظات الجنوبية والشرقية قبل إعادة التئام الجسد اليماني في كيان موحد ، فدورات العنف السياسية الوحشية الناتجة عن الاقتتال والتناحر لم تتوقف بين الرفاق هناك كل خمسة أعوام ، وشهدت مدينة (عدن) تحديداً بحاراً من الدماء التي أريقت بمنتهى البساطة وعشرات الآلاف من الأرواح التي أُزْهِقَت وعشرات الآلاف من المفقودين والمغيبين في غياهب السجون في كل دورة عنف صراعاً على السلطة ورغبةً بالتربع على كرسي الحكم اللعين المشئوم ، فما من رئيس هناك اعتلى ذلك الكرسي بإرادة شعبية بل بسحق جماجم عشرات الآلاف من مواطنيه ، ولعل لنا في أحداث الثالث عشر من يناير المشئومة في العام 1986م خير شاهد حي مازال ينبض حتى اليوم ، ويكفينا الاستشهاد بوصف بليغ لقائد ورئيس أحد الأحزاب اللبنانية الشهيرة لهذه المجزرة وهو الذي أشار إلى أن من تمت تصفيتهم خلال خمسة عشر يوماً في تلك الأحداث يفوق عدد من لقوا حتفهم خلال الحرب الأهلية اللبنانية خلال خمسة عشر عاماً .
تلك المحرقة وذلك الـ (هولكوست) أفنى خيرة الرجال الوطنيين من السياسيين والمثقفين ولم يسلم منه حتى أطفال المدارس ، وأجبر من بقي منهم على قيد الحياة على النزوح فراراً برؤوسهم وجلودهم للمحافظات الشمالية ، وهؤلاء هم المعروفون باسم (الزُمْرَة)، كما أفرز قيادات جديدة من الصف الثاني والثالث وحتى العاشر أطلق عليهم الناجون من تلك المحرقة اسم (الطُغْمَة) الحاكمة في عدن ، تلك (الطُغْمَة) التي تربعت على كراسي الحكم بعد تلك المجازر الوحشية ، أباحت لنفسها النهب والاستيلاء على كل ممتلكات من أطلقت عليهم اسم (الزُمْرَة) من رفاقهم، وجاءت حرب تثبيت دعائم الوحدة في صيف العام 1994م ، ليكون من ضمن ما تمخض عنها تمكين (الزُمْرَة) من استعادة ممتلكاتها المنهوبة والمستولَى عليها من (الطُغْمَة) التي كفرت بالوحدة وارتدت عنها ، لما رأت أن الأمور في الدولة الموحدة لم تعد تسير بما يتفق مع مصالحهم وأهوائهم ، وأن ما دفعهم بالأمس للهرولة إليها لم يعد قائماً ، وصورت لهم أنفسهم المعتلة أنهم يملكون القدرة على إعادة عقارب الساعة لما قبل 22 مايو 1990م ، واستعادة دولتهم وفق ما كانوا يزعمون وكأن تلك الدولة ليست أكثر من ملكية خاصة بهم مدونة بأسمائهم ولهم الحق في أن يستعيدوها متى ما شاءوا ، أو كأنها عقد زواج قابل للفسخ عند عدم قبول أحد الطرفين بالتعايش مع الآخر ، فطردوا أنفسهم من أقذر أبواب التاريخ بعد أن دخلوه من أوسع أبوابه.. ومما أتذكره جيداً في هذا الصدد وأشهد عليه ، أن تعليمات صارمة ومشددة صدرت من الرئيس الصالح بعدم السماح حينها نهائياً لأيٍ من عناصر (الزُمْرَة) باستعادة أي ممتلكات عقارية مازال يتواجد فيها المغتصبون لها أو عائلاتهم ، وأنه وفقاً لذلك فمن المحرمات قطعياً القيام بطرد أي ساكن من مسكنه وإلقاؤه هو ومن معه في الشارع ، على أن يتم تعويض من لم يستردوا مساكنهم آنذاك لذلك السبب بأراضٍ أخرى مملوكة للدولة .
وإذا كان هناك من مازال يتشدق حتى اليوم بامتلاك المحافظات الجنوبية والشرقية للثروات النفطية ، وأنه من أشد أنواع الظلم والجَور أن ينتفع بعائداتها ويعمم خيرها على 27 مليون نسمة ، وأن من شأن عودة التشطير استمتاع مليونين إلى ثلاثة ملايين فقط بثمار تلك العائدات ، فإننا نرد على من يتبنى هذا المنطق الهزيل العقيم بأننا لو قبلناه وعممناه على عِلاته ، فسينادي البعض من (المُكَلا) محتجاً على انتفاع باقي أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية بخيرات نفط (المسيلة) ، مطالباً بأن يكون نفط (المسيلة) لأبناء حضرموت الساحل فقط ، لا يشاركهم فيه حتى أبناء حضرموت الصحراء (سيئون) ، وهو منطق انتهازي متعفن لا يليق نسبته لمن يدَّعون أنهم الأكثر ثقافةً وعلماً وتحضراً ورُقياً وتَمَدُّنَاً ، أولئك القائلون -باستعلاء وتقزز واشمئزاز- إن خطيئتهم الكبرى التي ارتكبوها تتمثل بأنهم قبلوا الاتحاد والاندماج مع قبائل همجية متوحشة لا ترتقي لمستواهم الفكري العقيم ، ويتناسى أولئك من أدعياء الثقافة أن تلك الثروات النفطية ما كان لها أن تظهر في الأساس أو يتم استكشافها والكشف عنها إلا بفضل قيام دولة الوحدة ، وأنه كان من المحرمات التنقيب عنها أو استكشافها قبل ذلك .
وللحديث بقية..
|