فيصل الصوفي - بلدة صغيرة حكمها شخص يُدعى محمد ثاني، ومع مرور الوقت وسعها وحولها إلى مشيخة.. كانت تلك ما يُعرف اليوم بقطر.. خضعت هذه المشيخة مراراً لجيرانها، مرات للبحرين ومرة لأبوظبي.. بينما كان عبد العزيز بن سعود يعتبرها وسكانها العتبيين المشتغلين بالصيد امتداداً لمناطق شرق نجد التي احتلها عام 1913م تقريباً.. ارتبط ابن ثاني باتفاقيات حماية بريطانية، وفي عام 1915 انتزع المفوض السياسي البريطاني في البصرة التزاماً من ابن سعود بعدم العدوان على الممتلكات البريطانية في الخليج،المشمولة بالحماية، ومنها مشيخة قطر.. مع ذلك تمكن ابن سعود من ربط قطر به ونشر فيها الوهابية.. الوهابية الحنبلية هي المذهب الرسمي لقطر منذ ذلك الوقت كما في السعودية تماماً.. (معظم الكتب التي كانت تدرس للتلاميذ والطلاب في المعاهد العلمية في اليمن حتى عام 2001م هي نفس الكتب المعتمدة لطلاب المدارس القطرية).. الاختلاف بين السعودية وقطر ليس جوهرياً، كلتاهما وهابيتان، وكلتاهما بدأتا تابعتين لبريطانيا ثم أمريكا، ولا تزالان كذلك.. تدعم قطر الجماعات الإرهابية وأمها جماعة الاخوان المسلمين منذ عقود قليلة.. كانت السعودية تقوم بالدور نفسه منذ أيام لقاءات البنا وعبدالعزيز في عرفات في بدايات ثلاثينيات القرن العشرين.. برز دور قطر بقوة بعد أن حاولت السعودية في عهد ولي العهد - ثم الملك- عبدالله التخفف قليلاً من الضغوط الدولية.. استخدمت السعودية جماعة الاخوان والجماعات الإرهابية المرتبطة بها أدوات لسياستها في دول عربية لتغيير أنظمتها أو إشاعة الفوضى فيها كما في سوريا واليمن وليبيا.. تقوم قطر بنفس الدور مع اتفاق مع هذه الجماعات على عدم القيام بأي نشاط يهدد إمارة صغيرة وضعيفة مثل قطر.. قطر لم تتعرض لمثل هذا التهديد في الماضي، ولكن قد يحدث ذلك مع تغير سياساتها في المستقبل.. سعى الشباب من أسرة آل ثاني الى أن تكون لبلادهم مكانة تتماثل مع بقية إمارات الخليج الغنية.. أطاح حمد بوالده وأرسله للعيش في سويسرا، لأنه كان يشعر بالمهانة من بقاء قطر أدنى مكانة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من جاراتها الإمارات والبحرين والكويت، بسبب سياسات والده التقليدية.. في وقت لاحق أطاح تميم بأبيه لأسباب ليست واضحة تماماً حتى الآن.. جاء الأمراء الجدد لأحداث تغييرات تضع إمارة قطر في المكان الذي يعتقدون أنه لائق بها، وتجاهلوا أن الثروة الكبيرة من النفط والغاز لا تبرر وحدها تمكين إمارة صغيرة من لعب دور في المنطقة- ناهيك عن العالم- أكبر من حجمها سواء من حيث المساحة أو من حيث عدد السكان أو من حيث تعصبها للوهابية غير المقبولة في معظم بلاد العرب والمسلمين..
إن دعم جماعة الاخوان الإرهابية والجماعات المرتبطة بها كان مفيداً أمس.. اليوم يبدو أنه غير مقبول لدى دول عربية مثل مصر، أو غير عربية مثل بريطانيا وفرنسا.. واضح أن القطريين حاولوا التخفف من الضغوط الإماراتية والسعودية والأمريكية من خلال عملية ابتزاز.. ادعاء توجه للتقارب مع إيران مثلاً.. هذا غير مجدٍ إطلاقا.. لكن هذا لا يعني أن نهاية الحكم الحالي في قطر باتت وشيكة لمجرد شطحات أميرها، وليس لمثل هذه الشطحات المعتادة يضحي الإماراتيون والسعوديون وشركاهما بآل ثان، كما أن ساسة قطر الجدد لن يصعّدوا الخلافات الهامشية إلى مستوى يجعلهم في عداد المنفيين..
إن الحملة الإعلامية السعودية والإماراتية على قطر لا تترتب عليها نتيجة مهمة، ومن يعتقد ذلك يسيئ التقدير، كما أن الحملة الإعلامية المضادة التي قامت بها قناة «الجزيرة» وركزت فيها على الجرائم الإماراتية في بعض محافظات جنوب وشرق اليمن ليست ذات قيمة بالنسبة لنا في اليمن، وكان من الملاحظ تركيز «الجزيرة» على المعتقلات التي أقامتها الإمارات وحدها، وذلك لأن بعض انتهاكاتها في تلك المناطق مست الجماعات الإرهابية التي تدعمها قطر.. على أن تلك الزوبعة التي فرح بها بعض منا قد انتهت تقريباً.
|