طه العامري - بدايةً أقول أن جماعة «الإخوان المسلمين» لم تعد تلك الجماعة المؤدلجة دينياً التي عرفناها خلال فترة تأسيسها منذ العام 1928م وظلت مؤدلجة حتى العام 1990م، بعدها أي بعد التسعينيات خرجت قيادة الجماعة وبكل سفور من معطفها الديني وثقافتها الأيديولوجية لتبقى الأدلجة الدينية محصورة في نطاق القواعد الأخوانية والقيادات الوسطية وحسب، فيما قادة الأخوان على مستوى مجالس الشورى خلعت عن نفسها معاطف الايديولوجية العقائدية واعتمدت المنهج السياسي بصورته الميكافيللية القائم على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وقد استعان قادة الأخوان بهذا المنهج لتبريره القواعد التحتية والوسطية على مجموعة من فتاوى رموز الجماعة للتغطية على سلوكهم الانتهازي بذريعة قانون المصلحة وان مصلحة الجماعة تستدعي هذا السلوك لان العالم تغير والظروف الاجتماعية ايضاً تغيرت وبالتالي لا بد من ان تتعامل الجماعة من اجل تحقيق مصالحها مع هذه المتغيرات، وكان أول من وضع قانون التحول للجماعة هو القيادي الإخواني في تونس «راشد الغنوشي» والقيادي الاخواني السوداني «حسن الترابي» والتزمت جماعة الاخوان في فلسطين بهذا التحول عبر حركة حماس، وهكذا توالت المتغيرات في الثقافة السلوكية الاخوانية بطريقة اذهلت بعض التيارات اليسارية والقومية والليبرالية العربية التي أشادت بهذا التحول واعتبرته بداية لتحول في الوعي والقناعات، وهذا لم يكن صحيحاً لان جماعة الاخوان كانت ومازالت جماعة انتهازية سعت وتسعى لفرض خياراتها بالقوة وفشلت فاعتمدت الدبلوماسية الناعمة والتحول الشكلي في السلوك وهذا ما جعلها تخوض مغامرات مؤلمة العواقب اوصلتها إلى وضعها الراهن..
بيد انه وبمعزل عن تداعيات أزمة الربيع العربي وما آلت إليه نتائجه التي راهن عليها الإخوان كرافعة تصلهم إلى حيث مبتغاهم فإن التداعيات الراهنة أسقطت شرعية ومشروعية الأخوان في بُعْدها الأيديولوجي والعقائدي، ويبقى الاخوان كحركة سياسية مفعمة بالسلوك الانتهازي ومجبولة بقيم وثقافة الغاية تبرر الوسيلة، بمعنى لم يعد لدى الاخوان مستقبل ذات صفة عقائدية او دور في السيطرة والاستحواذ على الذاكرتين الوطنية والقومية عبر سعيها الدائم للسيطرة على قطاعات التعليم والثقافة والمرجعيات الوطنية، بعد ان صار هناك تماهٍ حد التمازج بين الجماعة والتيارات الماركسية والليبرالية وهم جميعاً يسعون نحو السلطة والثروة..!!
إن جماعة الاخوان لم يعد لها مستقبل سياسي على المستوى الوطني والقومي إلا بمقدار ما لديها من قواعد شعبية وحضور اجتماعي لان شرعية الحق الإلهي سقطت عنها ولم يعد الدين هو القاعدة المرجعية للاستقطاب بعد ان تكشفت كل اوراق الجماعة التي راهنت على قطار الربيع العربي ليصلها إلى غايتها ولكن هذا القطار انحرف وسقط في هاوية سحيقة أفقد الجماعة شرعية حلم انتظرته طويلاً وسعت لتحقيقه بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لكنها في نهاية المطاف فقدت كل رصيدها الشعبي الذي كانت تراهن عليه في ديمومة التضليل واستلاب العقل تحت يافطة الحق الإلهي الذي زعمت أنها تنتصر له..!!
إن مستقبل جماعة الأخوان لم يعد آمناً، بعد موجة السقوط المتلاحقة التي مُنيت بها الجماعة في فلسطين وسوريا واليمن ومصر وليبيا والجزائر والعراق، وبدءاً من تجربة «عباس مدني» في الحزائر والتي ادت إلى قتل اكثر من مائتي الف جزائري، مروراً بتجربة حماس في فلسطين وهي التجربة الأكثر إيلاماً والتي ادت لتقسيم فلسطين المحتلة واوجدت عائقاً نفسياً بين أبناء الشعب العربي الواحد والمحتل، الى تجربة إخوان العراق الذين دخلوا بغداد على متن دبابات بريمر من خلال محسن عبدالحميد امير الجماعة، دون ان نغفل دور حسن الترابي في السودان والذي ساهم وبفعالية في انفصال جنوب السودان عن الوطن الأم بذريعة الديمقراطية وحاول التقرب لواشنطن والغرب وتقديم نفسه كشخصية إخوانية متحررة، وهو ما فعله ويفعله راشد الغنوشي في تونس، الامر ذاته ينطبق على رئيس المجلس الانتقالي الليبي عبدالجليل ،وليس بعيداً عن هؤلاء البابوني في سوريا، ولم يكن اليدومي والآنسي اكثر حظاً من هؤلاء الذين أبرموا صفقات سياسية مع أعدائهم الافتراضيين طمعاً في السلطة والثروة وليس حباً في الله ورسوله، وجميعنا يدرك دور مهندس الربيع العربي الفرنسي الصهيوني، برنار هنري ليفي، الذي أبرم اتفاقيات متعددة مع جماعة الإخوان في مصر وليبيا وسوريا والعراق والسودان، ومع اليمن عبر السيدة تؤكل حاملة جائزة نوبل التي توهم البعض للوهلة الأولى أنها شكلت بدورها والجائزة حالة إحراج لحزبها التجمع اليمني للإصلاح -الإخوان المسلمين- لكن الحقيقة هي ان قيادة اخوان اليمن كانت سعيدة بهذا الدور والمكانة لتوكل التي لم تكن هي من فتحت لهم قنوات التواصل مع واشنطن والغرب بل كان «نوبل» حصيلة تواصل مسبق لقيادات الاخوان مع واشنطن والغرب، والتي تكللت بمنح توكل جائزة «نوبل» كرسالة سياسية بتحولات عميقة حدثت في تفكير القيادات والرموز الاخوانية التواقة للارتباط مع الخارج بأي وسيلة كانت من اجل تحقيق أهدافها التي تصطدم مع شعارات الجماعة ومنطلقاتها التي تخلت عنها من سنوات..
اليوم يقف الاخوان في اليمن والمنطقة أمام ما آلت اليه احوالهم بسبب انتهازيتهم، والمنطقي ان يدافعوا عن خياراتهم لكن المؤسف ان دفاعاتهم لم تعد ذات جدوى بعد سلسلة السقوط المدوي للجماعة، وربما كانت الاقدار قد جعلت من سقوط نظام مرسي وجماعته، عنواناً للعبرة والاتعاظ المفترض ان تقف امامه الجماعة التي انتظرت خمسة وثمانين عاماً تقريباً للوصول لحكم مصر وحين توافرت لهم فرصة الوصول لم يتمكنوا من الحفاظ على حلمهم لأكثر من عام، فيما انعكست ازمة سقوطهم في مصر إلى عمالة وارتهان وتبعية في بقية الاقطار لتتحول الجماعة مثلاً في اليمن وسوريا الى مجرد مجاميع مرتزقة للإيجار لمن يدفع، فكانت دول الخليج هي المستأجر الباحث عن ملاذات ناعمة لنفوذ غير ناعم طبعاً..!!
والمؤسف ان ازمة الاخوان هي من تحدد مستقبلهم وشرعية وجودهم ونشاطهم المجتمعي ،وازمة الاخوان تبدو اصعب من قدرتهم على تجاوزها فهم وقعوا فرادى ومجتمعين فريسة لاستراتيجية الاحتواء المزدوج، إذ تم استغلالهم ليلعبوا دور حصان طروادة، ثم تُركوا ليواجهوا مصيرهم مع مجتمعاتهم فلاذوا بالخارج ليستقووا بهم على الداخل، وبالتالي فإن حسابات الخارج توشك ان تجعل من الجماعة كباش فداء لنظرية مصالحهم، فيما هذه الجماعات التي فقدت حاضنتها الشعبية لم يعد امامها سوى الرهان على بنادقها التي توشك ذخيرتها على الانتهاء..؟!!
الاخوان في ورطة ولا مستقبل لهم لا في اليمن ولا في المنطقة، لكن هذا لا يعني نهايتهم بل يعني انهم مجبرون الآن وبعد كل هذا الذي جرى ان يعمموا قناعات القيادات الفوقية على القواعد والقيادات الوسطية ويكشفوا لهم عن حقيقة انتمائهم السياسي وليس الديني لتسقط الايديولوجية الدينية شرعاً وطوعاً مقابل بقاء الجماعة كتيار سياسي مثلها مثل الماركسيين والناصريين والبعثيين والليبراليين وكل هؤلاء واقعون في ازمة هوية وفكر ومشروعية انتماء وهذا ما يواجهه الاخوان. وباختصار ان جماعة الاخوان اليوم مطالبين بذبح بقرة، لكن البقرة الاخوانية المراد ذبحها لا تشبه بقرة بني إسرائيل ولكنها مختلفة جداً، تشبه تماماً المطالب السعودية من قطر..؟!!
|