الميثاق نت -

الإثنين, 19-يونيو-2017
أحمد الحبيشي -
تدل الاعترافات التي أدلى بها قادة الإخوان بعد أحداث 1954م بميدان المنشية في الاسكندرية على أنهم بدأوا يعملون ضد الثورة في ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: معارضة المفاوضات المصرية البريطانية بشأن جلاء القوات البريطانية عن مصر وتوقيع اتفاقية الجلاء، وكان الإخوان اقترحوا على مجلس قيادة الثورة التوقف عن أسلوب المفاوضات وإعلان الجهاد وفتح المجال للمتطوعين من الإخوان للقتال..
وتم الرد عليهم بأنكم بهذا المقترح تسعون إلى استنفار الانجليز ضد النظام الجديد وهو ما لم تفعلوه مع الملك.. بل إنكم أيدتم رئيس الوزراء الطاغية إسماعيل صدقي الذي وقع مع بريطانيا على معاهدة 1936م المعروفة بمعاهدة صدقي - بيفن وخرجتم بمظاهرة تأييد لهذا الطاغية، ووظفتم فيها الدين والقرآن لخدمة أهدافه السياسية وأهدافكم التي تقاطعت معها حين رفعتم في تلك المظاهرة شعار: "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد".
وبعد إلغاء معاهدة 1936م في 18 أكتوبر 1951م تحت ضغط الكفاح المسلح والعمل الفدائي ضد الانجليز في قناة السويس قال المرشد العام الجديد لمندوب جريدة "الجمهوري المصري" في 25 أكتوبر 1951م: "وهل تظن أن أعمال العنف ستخرج الانجليز من البلاد؟.. إن واجب الحكومة اليوم أن تفعل ما يفعله الإخوان من تربية الشعب وإعداده أخلاقياً فذلك هو الطريق الصحيح لإخراج الانجليز من مصر، كما خطب المرشد العام الهضيبي في شباب الإخوان قائلاً: "اذهبوا واعتكفوا على تلاوة القرآن الكريم"!!
وقد رد عليه خالد محمد خالد في (روز اليوسف) تحت عنوان "أبشر بطول سلامة يا جورج" في تاريخ 30 أكتوبر 1951م قائلاً: "الإخوان المسلمون كانوا أملاً من آمالنا لم يحركوا ولم يقذفوا في سبيل الوطن بحجر ولا طوبة، وحين وقف مرشدهم الفاضل يخطب منذ أيام في عشرة آلاف شاب قال لهم "اذهبوا واعتكفوا على تلاوة القرآن، ولا تتورطوا بالقتال".
ويتساءل خالد محمد خالد في مقاله الذي رد به على خطاب مرشد الإخوان وأحاديثه الصحفية: " أفي مثل هذه الأيام يدعى الشباب للاعتكاف على تلاوة القرآن الكريم ومرشد الإخوان يعلم ان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وخيار صحابته تركوا صلاتي الظهر والعصر من أجل معركة"؟!!
الاتجاه الثاني: الاتصال بمستر ايفانز المستشار السياسي في السفارة البريطانية بالقاهرة حيث عقدوا معه عدة اجتماعات استمرت عدة ساعات في منزل الدكتور محمد سالم الذي أوضح لمستر ايفانز موقف الإخوان بان تكون عودة الانجليز إلى القاعدة بناءً على رأي لجنة مشكلة من المصريين والانجليز وان الذي يقرر حظر الحرب هي الأمم المتحدة!
والغريب في الأمر أن الانجليز تبنوا هذا الرأي في مفاوضات الجلاء بعد أن رفضه الجانب المصري وثبت أن المستر ايفانز التقى أكثر من مرة بالمرشد العام وصالح أبو رفيقة ومنير الدولة.
وكانت هذه الاتصالات موضع مناقشة أثناء محاكمة الإخوان، حيث اتضح من اعترافات المتهمين حقائق كثيرة ومنها ان البكباشي الإخواني عبدالمنعم رؤوف قابل أيضاً موظفاً كبيراً في احدى السفارات الأجنبية وأخبره أنه يتحدث باسم الإخوان ومرشدهم وأنهم سيتولون مقاليد الحكم في مصر بالقوة ويطلبون تأييد السفارة البريطانية للانقلاب الجديد، ثم أضاف أن "الإخوان" على استعداد بعد ان يتولوا مقاليد الحكم للاشتراك في حلف عسكري ضد الشيوعية لان إسلامهم يحثهم على ذلك، وأن هذا الحلف لن يتحقق ما دام جمال عبدالناصر على قيد الحياة لانه سبق وان أدلى بتصريحات نشرت في جميع الصحف العالمية عن رأيه في الأحلاف العسكرية وأهدافها الاستعمارية!!
وكان المرشد العام للإخوان المسلمين اقترح على قادة الثورة ان تدخل مصر في حلف عسكري مع الغرب ضد روسيا وربطت الصحف بين توقيت الاعتداء الذي قامت به إسرائيل على الحدود المصرية في رفح وبين محاولة الإخوان لبدء تنفيذ خطتهم!!
الاتجاه الثالث: تنشيط الجهاز السري من خلال ضم أكبر عدد من ضباط البوليس والجيش إليه، وقد اتصلوا بعدد من الضباط الأحرار وهم لا يعلمون انهم من تنظيم الضباط الأحرار فسايروهم وساروا معهم في خطتهم.. وكانوا يجتمعون بهم اجتماعات أسبوعية ويأخذون عليهم من هذه الاجتماعات عهداً وقسماً بأن يطيعوا ما يصدر إليهم من أوامر المرشد العام وألا ينقضوا بيعتهم للمرشد.. كما جندوا عدداً من ضباط الصف وعندما تجمعت كل هذه المعلومات استدعى عبدالناصر حسن العشماوي وقال له: "إنني احذركم من أن ما يحدث سيلحق الضرر بالبلاد ثم وضع أمامه كل ما تجمع لدى مجلس قيادة الثورة فوعد بأن يتصل بالمرشد العام ويبحث معه هذا الأمر ولكنه خرج ولم يعد- على حد تعبير بيان مجلس قيادة الثورة الذي صدر عقب محاولة اغتيال جمال عبدالناصر في وقت لاحق من عام 1954م بميدان المنشية في الاسكندرية!!
وفي اليوم التالي استدعى جمال عبدالناصر فضيلة الشيخ سيد سابق والدكتور خميس حميدة وابلغهما ما لديه من معلومات وما ابلغه لحسن العشماوي في اليوم السابق فوعداه بأن يعملا على وقف هذا النشاط الضار.. ولكن النشاط لم يتوقف بل اتسع!!
ومما له دلالة عميقة ان المرشد العام للإخوان المسلمين أدلى بتصريح صحفي يوم 5 يوليو 1953م لوكالة (الأسوشييتد برس) قال فيه: "اعتقد أن العالم الغربي سوف يربح كثيراً إذا وصل الإخوان إلى الحكم في مصر، وأنا على ثقة بأن الغرب سيفهم مبادئنا المعادية للشيوعية والاتحاد السوفييتي وسيقتنع بمزايا الإخوان المسلمين".. وهكذا قدم المرشد العام مزاياه للغرب الاستعماري آنذاك.. ولعل هذا الموقف وغيره من مواقف الإخوان المسلمين هو الذي دفع المستر انثوني ايدن وزير خارجية بريطانيا إلى أن يسجل في مذكراته: "أن الهضيبي كان حريصاً على إقامة علاقات ممتازة معنا، بعكس الرئيس جمال عبدالناصر".
وفي الحالين لا يمكن فصل تصريح المرشد العام لوكالة (الأسوشييتد برس) الأميركية عن شهادة انثوني ايدن عن الهضيبي في مذكراته ، وبالقدر نفسه لا يمكن فهم الموقفين الاخواني والبريطاني خارج سياق المخططات الاستعمارية التي تواصلت خلال الخمسينات بهدف تطويق المنطقة بحلف عسكري تحت ستار الدين هو "الحلف الإسلامي" الذي رفضه عبدالناصر بقوة!!
كانت المخططات الاستعمارية تتواصل خلال الخمسينيات لتطويق المنطقة بحلف عسكري تحت ستار الدين هو "الحلف الإسلامي" الذي رفضه عبدالناصر بقوة!!
في هذا السياق شعرت قيادة ثورة 23 يوليو بأهمية إقامة تنظيم سياسي شامل اطلقت عليه اسم "هيئة التحرير" فذهب المرشد العام لمقابلة عبدالناصر محتجاً بقوله: "ما هو الداعي لإنشاء هيئة التحرير ما دامت جماعة الإخوان قائمة"؟!
في اليوم التالي لهذه المقابلة أصدر حسن الهضيبي بياناً وزعه على جميع ُشُعَب الإخوان في المحافظات، وقال فيه: "إن كل من ينضم إلى هيئة التحرير يعد مفصولاً من الإخوان"، ثم بدأ هجوم الإخوان الضاري على هيئة التحرير وتنظيمها الجماهيري "منظمة الشباب"، وبلغت ضراوة المواجهة بين الإخوان وشباب الثورة إلى حد استخدام الأسلحة والقنابل والعصي وإحراق السيارات في الجامعات يوم 12 يناير 1954م وهو اليوم الذي خصص للاحتفال بذكرى شهداء معركة القناة.
توترت العلاقة على إثر هذا الحادث بين الإخوان والثورة وفي هذه الأجواء ذهب أحد أقطاب الإخوان وهو عبدالمنعم خلاف إلى القائمقام أنور السادات في مقر المؤتمر الإسلامي للتحدث معه بشأن الإخوان، مشيراً إلى أن مكتب الإرشاد قرر بعد مناقشات طويلة إيفاده إلى جمال عبدالناصر فرد عليه أنور السادات قائلاً: "هذ ه هي المرة الألف التي تلجأون فيها إلى المناورة بهذه الطريقة فخلال السنتين الماضيتين اجتمع جمال عبدالناصر مع جميع أعضاء مكتب الإرشاد بمن فيهم المرشد العام حسن الهضيبي، ولم تكن هناك أي جدوى من هذه الاجتماعات لانهم كما قال عبدالناصر يتكلمون بوجه، وحينما ينصرفون يتحدثون إلى الناس وإلى أنفسهم بوجه آخر"..
ويمضي السادات في مذكراته قائلاً: "كان عندي وفي مكتبي الأستاذ خلاف يسأل عن طريقة للتفاهم.. وفي مساء اليوم نفسه كانت خطتهم الدموية ستوضع موضع التنفيذ أي يوم الثلاثاء.. كان هذا اليوم نفسه هو الذي ضربته موعداً لكي يقابل فيه جمال عبدالناصر الأستاذ خلاف موفد مكتب الإرشاد"!!
كان عبدالناصر يلقي خطاباً في ميدان المنشية بالاسكندرية يوم 26 أكتوبر 1954م في احتفال أقيم تكريماً له ولزملائه بمناسبة اتفاقية الجلاء.. وعلى بُعْد 15 متراً من منصة الخطابة جلس السباك محمود عبداللطيف عضو الجهاز السري للإخوان، وما أن بدأ عبدالناصر خطابه حتى اطلق السباك الإخواني 8 رصاصات غادرت من مسدسه لم تصب كلها عبدالناصر، بل اصاب معظمها الوزير السوداني ميرغني حمزة وسكرتير هيئة التحرير بالاسكندرية احمد بدر الذي كان يقف إلى جانب جمال عبدالناصر.
وعلى الفور هجم ضابط يرتدي زيا مدنياً اسمه إبراهيم حسن الحالاتي الذي كان يبعد عن المتهم بحوالي أربعة أمتار والقى القبض على السباك محمود عبداللطيف ومعه مسدسه.. وبدأت بهذه الحادثة مرحلة جديدة وحاسمة من المواجهة بين ثورة 23 يوليو وتنظيم الإخوان المسلمين!
وزاد من تعقيد الموقف ان التحقيقات كشفت سفر المرشد العام حسن الهضيبي إلى الاسكندرية قبل يوم واحد من محاولة الاغتيال، ثم ظل مختفياً منذ الحادث لفترة طويلة.. وعندما صدر الحكم ضده وضد المرشد العام بالإعدام قام جمال عبدالناصر بتعميد الحكم على محمود عبداللطيف وتخفيفه على المرشد العام حسن الهضيبي إلى السجن مع وقف التنفيذ.. وبعد ذلك ظهر الهضيبي إلى السطح من خلال رسالة خطية بعث بها من مخبئه إلى جمال عبدالناصر حاول فيها التبرؤ من الذين خططوا ونفذوا هذه الجريمة.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:23 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-50741.htm