الميثاق نت -

الإثنين, 19-يونيو-2017
كتب/الشيماء محمد -
في أطراف المدينة هناك يقع منزل الشهيد البطل الذي تداول الجميع صورته بفخر وهو يصنع ملحمة بطولية ضد القوات الغازية ويمرغ وجوههم بالوحل دفاعاً عن الوطن..
غرفتان «بلوك» وحمام.. وزوجة وأم واطفال.. شبح المجاعة يرتسم على أعينهم الغائرة من سوء التغذية..
زوجة الشهيد تدمي القلب وهي تبحث عن فتات تسد به جوع أولاد الشهيد الذين تركهم لها وهم كالعصافير منذ أن غادر الحياة بصاروخ خارج الحدود.
في إحدى الغرف تشاهد صورة الشهيد البطل في وجهه صورة الإنسان الشهم.. الإنسان، الإنسان.. كانت ابنته تحملق فيها والعبرات تنهمر على وجنتيها.. أمام اخوانها الذين يصغرونها عمراً.. يعيشون الآن عالماً طفولياً بائساً..
حلفت أم الشهيد ألا أغادر منزلهم وأن أفطر معهم خاصة وأن الوقت كان متأخراً ومنزلنا بعيد.. خجلت ولم استطع أن أرفض طلبها رغم أني لاحظتها وكأنها تسمَّرتْ أمامي وهي التي تعرفها نساء القرية بالكرم مثل زوجها البطل -الله يرحمه- لم أعرف السبب للأمانة.. وحاولت كَسْر حاجز الصمت الذي خيم على الجميع بالسؤال عن أخبار والد الشهيد.. المهم بدأ الظلام يدب في الغرفتين وظللت أنظر الى اللمبة المعلقة وسط الغرفة متى سينبعث ضوؤها الى حين دخلت أم الشهيد بالشمعة.. فتساءلت: مابش معكم كهرباء؟!
قالت: سرقوا الألواح من السقف بعد استشهاد ولدي بشهرين لا ألحقهم الله خير.. وقد اشتكينا للقسم.. وتعبنا سَرْحة وجَيَّة.. وماعدبش فائدة.. قد سار الجمل بما حمل..
بدأت أشعر بعمق حزن وبؤس أولاد الشهيد وما تكبدته أسرته من معاناة تفطر القلب.. وشعرت بأني قلَّبتُ مواجعها عندما قلت لها ممازحاً: كان تشتري لوح جديد من مرتب الشهيد حرام يجلس أولاده بالظلام في ليالي رمضان.. لم أكن أعلم أن أولاد الشهداء بدون مرتبات أيضاً، إلاّ بعد أن انفجرت زوجة الشهيد بغضب وقالت: ذي سرقوا ألواح الطاقة.. هم ذي يسرقوا مرتبه.. ولا ريال حتى خربته لم يعد أحد يسأل على أحد..
يا الله والوضع الصعب.. أين كل مذكرات الجنيد التي يسخر منصبه بدعم ما تسمى بمؤسسة الشهيد وهات يا مذكرات لهذه الوزارة.. وتلك وبالقوة.. ومهرجان الشهيد.. وتبرُّع للشهيد.. وروضة الشهيد.. وكلها كذبة..
أقول لكم اعتبروني كاذبة وكل واحد يقرر يفطر عن أسرة شهيد بالحارة أو بالقرية وستعرفون الحقيقة المرَّة..
صدح صوت المؤذن ودخلت للفطور، فكانت المفاجأة.. أسرة الشهيد لا تملك حتى التمر.. منكم لله.. حتى الشهداء وأولادهم يعانون منكم بهذا الشكل الفظيع.. ليت الشهداء يعودون لينتصروا لكرامة أولادهم.
كانت الوجبة بقايا كدمة.. وبقايا خبز، شعرت حينها بغصة وأنا أتخيل الأوداج المنتفخة لأولئك المسئولين، وأقارن بين حاجة أولاد الشهيد لراتب والدهم لحمايتهم من الموت الحتمي وبين أولئك!!
لا أستطيع أن أسرد لكم بقايا تفاصيل المأساة فهي لا تُحتمل، لكني أدعوكم الى أن تمتلكوا الشجاعة وتذهبوا لتناول الافطار مع من تعرفون من أولاد الشهداء.. فهم يستحقون أن نحميهم ونعوضهم بقدر المستطاع، وألاَّ نترك فلذات أكباد خيرة من أنجبتهم اليمن وضحوا بأرواحهم من أجلنا ليعبث بهم اللصوص!!
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:47 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-50742.htm