توفيق الشرعبي - في فترة تاريخية حاسمة من تاريخ اليمن المعاصر في لحظة فارقة منه ضاقت فيها الخيارات لتنحصر في اتجاهين أحدهما مليئ بالإغراءات المادية والمعنوية وبالأحلام والاوهام مقابل الخيانة للذات والوطن والمبادئ والقيم، أما الاتجاه الثاني مليئ بالصعوبات والتحديات والاخطار.. اختار الدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور أن يكون مع وطنه وشعبه، بينما الكثيرون اختاروا أن يكونوا في صدارة صفوف التآمر على اليمن، سياسيون من العيار الثقيل.. قادة أحزاب يساريون وقومجيون وليبراليون ورجال دين بدرجة علماء للإسلام السياسي الاخونجي والقاعدي والداعشي.. اعلاميون و"مفكرون" وأنصاف مثقفين جميعهم حسموا خياراتهم وفضلوا بريق المال النفطي السعودي والإماراتي والقطري وقدسية قوة أمريكا وبقية تحالف العدوان الإقليمي والدولي على وطنهم وأبنائه.. غادروا إلى الرياض وأبو ظبي ودبي والدوحة وانقرة وإسطنبول والقاهرة وعواصم اوروبية أخرى.. وقرر الدكتور بن حبتور الاكاديمي والمثقف السياسي والاقتصادي بإرادته ان يكون بين ابناء شعبه فكانت وجهته من عدن إلى صنعاء بعد ان ادرك أن عدن سلمها العملاء والخونة - وعلى رأسهم الفار هادي- للمستعمرين الجدد.. غادر مختاراً إلى عاصمة اليمن صنعاء وبالاتجاه المعاكس لعاصفة العمالة والارتزاق الجارفة، متخذاً الموقف الصحيح أمام الله والتاريخ وعن قناعة وبملء إرادته ومن موقع كان فيه يمتلك افضلية على جميع الخونة لكنه غلب موقف المثقف المنتمي لليمن الماضي والحاضر والمستقبل.. اليمن الوطن والشعب الحضاري العريق والعظيم.
ولأن الدكتور عبدالعزيز بن حبتور سياسي مؤتمري محنك استثنائي الطراز كان يعي أن اختيار الوطن طريق صعب ومفروش بالأشواك لاسيما في هذه المرحلة من التاريخ اليمني والعربي والعالمي الذي فيه انقلب كل شيء راساً على عقب- المبادئ والقيم والمواقف- لتكتسب المفاهيم معاني مغايرة لمضامينها ودلالاتها وأبعادها الحقيقية.. لم يهتم أو يبالِ بالتفسيرات والتأويلات المشككة والمشوهة والمسيئة له، منطلقاً بذلك من فهم عميق أن هذا ككل مانشهده من مواقف وإن كانت براقة فهي سرعان ما تتحول إلى فقاعات، مؤمناً بأن كل ما يحدث مؤقت وطارئ ولن يبقى الا ما ينفع الناس، أما الزبد فيذهب جفاء، وذهب بن حبتور الى حيث يجب أن يكون.
هذا يقودنا إلى أن الدكتور عبدالعزيز بن حبتور لم يكتفِ بمجيئه إلى صنعاء وتسجيل موقف للتاريخ ثم يتوار عن الساحة فهو ليس ذلك النوع من الرجال انما من الذين يحولون الموقف إلى فعل وطني مسؤول، واليمن يمر بظروف طبيعية واوضاع اعتيادية فكيف وهو يتعرض لعدوان وحشي وحصار جائر من التحالف السعودي الذي يشن حرباً عدوانية قذرة وشاملة على الشعب اليمني للعام الثالث على التوالي.. حرب ابادة وتدمير ممنهج.
في هذه الفترة الاستثنائية في تحدياتها واخطارها وبالتالي متطلباتها واستحقاقاتها والتي اصبح فيها المنصب يحمله مسؤولية تنوء من ثقلها الجبال ولا تمثل أي جاه أو وجاهة أو مكاسب.. الدكتور بن حبتور- وفقاً للاتفاق الوطني بين القوى السياسية اليمنية المواجهة للعدوان والمتمثلة بالمؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأنصار الله وحلفائهم وتشكل وفقاً لذلك المجلس السياسي وعادت السلطة التشريعية والمنتخبة من الشعب ديمقراطياً إلى ممارسة عملها واعاد مجلس النواب الروح الدستورية للعملية السياسية قبل أن يكون رئيساً لحكومة الانقاذ الوطني- قبل بالمنصب وهو يعي أهمية مواجهة العدوان في ظل وجود مؤسسة الدولة، متوقعاً ردود أفعال هذا العدوان وفي مقدمتها تصعيد حربه الإجرامية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً وعلى نحو قذر بهدف إفشال الحكومة عبر تحميلها جرائم حربه الاقتصادية المتمثلة بتشديد الحصار ونقل البنك المركزي حتى يتمكن العدوان السعودي من تجويع الشعب اليمني بعدم صرف الرواتب ومنع وصول المواد الغذائية والأدوية إلى الموانئ الجوية والبحرية وإغلاق المنافذ البرية بعد تدميرها وفي المقدمة مطار صنعاء وميناء الحديدة اللذان يشكلان شريان الحياة الرئيسي لغالبية سكان اليمن..
ورغم هذا كله بذلت حكومة الانقاذ الوطني بقيادة الدكتور عبدالعزيز بن حبتور جهوداً توازي وتساوي صمود أبطال الجيش واللجان الشعبية الميامين في جبهات الدفاع عن الوطن وسيادته ووحدته واستقلاله وحرية وعزة أبنائه.
كل ذلك توقعته حكومة الانقاذ الوطني من تحالف عدوان تقوده دولة قامت على فكر دموي إرهابي متجرد من المبادئ والقيم الدينية والاخلاقية والانسانية، كما أن الاوضاع الاقتصادية المعيشية الصعبة قد تخلق حالة من الاستياء لدى المواطن البسيط وهذا أمر طبيعي، وإن عمل مرتزقة العدوان على استغلال الظروف والاوضاع الناجمة عن الحرب القذرة وتحميلها القوى السياسية الوطنية والسلطة المنبثقة عنها والمتمثلة بالمجلس السياسي وحكومة الإنقاذ، ولكن مالم نكن نتوقعه أن لايدرك البعض من المحسوبين على القوى الوطنية المشاركة في حكومة الانقاذ الوطني ومن داخلها أن يسهموا في النيل من جهودها الجادة والمسئولة على الصعيد الإعلامي والسياسي وعلى نحو يخدم العدوان بوعي أو بدون وعي، والأهم اولئك الذين يغلبون مصالح فريقهم السياسي أو مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن العليا المتمثلة في انقاذ اليمن من العدوان واسقاط أهداف حربه الإجرامية على شعبنا المفقر المسالم.. لهذا نقول انقاذ الوطن وهزيمة العدوان واسقاط رهاناته معني به كل أبنائه الشرفاء، وهي مسؤولية توجب مساندة الحكومة في جهودها.. دون أن يعني هذا أن النقد الصادق الجاد والبناء حتى وإن كان مؤلماً مطلوب شريطة ان يكون من أجل الوطن والمواطن وصمودهما وانتصارهما على المعتدين وإسقاط مشاريعهم.. وهكذا يكون الإسهام وتكون المشاركة مع حكومة الدكتور بن حبتور في انقاذ الوطن والشعب اليمني.
|